رد: عصومــي و وليــد ،،
يتوقف مستقبل الشعوب علي درجة اهتمامهم بالطفل وثقافته .. فالدول التي تحرص علي عقول شبابها الصغير توفر لهم كل الوسائل لتنشئهم في جو يسمح لهم بمعرفة العالم من حولهم وصقل مواهبهم الإبداعية و الابتكارية لتجني ثمار هذا العمل مستقبلاً .. وللأسف لا نجد ذلك متوفراً في وطننا العربي مع الاعتراف بوجود بعض الجهود المبذولة في ذلك المضمار إلا أنها لا ترقي إلي المستوي المطلوب .
وبلا أدني شك يوجد للإعلام دور كبير في تلك القضية وبخاصة أجهزة الإذاعة والتليفزيون التي تقتحم ببرامجها كل منزل عربي ، وتستطيع أن تبلور اهتمامات النشء الصغير.. وبالنظر إلي جهود القائمين علي الإعلام في الوطن العربي في تقديم قنوات موجهة للأطفال وسط تلك الموجات المتدفقة كالسيل من برامج المنوعات ، نجد أن تلك الجهود لم تنجح في ربط الأطفال بها ، حيث انصرفت الأجيال الصاعدة عن متابعة تلك القنوات التي وجهت في الأساس لهم !
ولو كان القائمون على إعلامنا العربي يدركون أن الاهتمام بالأطفال هو أساس المستقبل ، لخصصوا له الكثير من المساحات الإعلامية والكثير من القنوات الفضائية ، والعديد من البرامج ذات الفائدة للنشء .
مواد تتسم بالنمطية و السطحية :
ومن ناحيته يري د. أحمد المجدوب خبير علم الاجتماع بالمركز المصري القومي للبحوث الجنائية ، أن أغلب المواد التي تقدمها قنوات الأطفال العربية الفضائية هي مواد فقيرة إنتاجياً ، وتعتمد في الغالبية العظمي علي البرامج الأجنبية المستوردة ، موضحاً خطورة ذلك علي ثقافة الطفل العربي ، الذي ينشأ في جو غير صحي وضار ، قائلاً : إن خطورة تلك البرامج تكمن في احتوائها على مضامين موجهة ذات أغراض خفية ، يراد منها النيل من عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا العربية الأصيلة .
ويضيف د. المجدوب قائلاً : إن البرامج التي تعرض علي تلك القنوات تأتي في صورة نمطية وسطحية ، مستنكراً ذلك المشهد المكرر الذي تظهر فيه المذيعة وبجوارها مجموعة من الأطفال ، الذي اعتدنا عليه منذ أن كنا أطفالا . ويشير هنا إلي دور مذيعة الأطفال في اجتذاب الطفل لبرنامجها ، وأيضاً إلي دور معدي برامج الأطفال الذين يساهمون بدرجة خطيرة في تشكيل عقول أكثر من نصف الوطن العربي ، لافتاً الانتباه إلي أن معظم هؤلاء المعدين تنقصهم الخبرة الكافية للتعامل مع الأطفال وعقولهم التي تحتاج إلي الكثير من الفهم و الدراسة المسبقة .
وهنا ، يطالب د.المجدوب بوجود كتاب متخصصين في أدب الأطفال كما يوجد في الغرب ، ولا يري مانعاً من إرسال بعثات تعليمية خاصة في ذلك الإطار ، ويناشد المسئولين عن أكاديميات الفنون بالوطن العربي بضرورة إنشاء قسم خاص للكتابة للطفل ، يُدرّس فيها مواد علم نفس الأطفال ، وذلك لإعداد كتاب ومعدي برامج لديهم معرفة مسبقة بما يجب أن يقدم للطفل وكيف .
قنوات الأطفال مجرد ديكور إعلامي:
ويقول أستاذ علم الاجتماع أن معظم ما يقدم في قنوات الأطفال العربية لا يزيد عن مجرد حشو ليس أكثر ، الغرض منه هو القول بأن لدينا قنوات فضائية خاصة بالطفل ، أي أن تلك القنوات ليست سوي عبارة عن ديكور يحسن من صورة الأعلام العربي .
ويقسم المجدوب المراحل العمرية لدي الطفل إلي مرحلتين :
الأولى - من 1 - 7 سنوات ، وينصح هنا معدي البرامج بأن يقدموا برامج تتعامل مع عقل مازال في طور النضوج ، موضحاً أنه لا بد أن تأتي البرامج في أشكال بسيطة وغير معقدة ، تعتمد في المقام الأول على الحركة أكثر من الكلام و الحوار .
والثانية - من سن 7 - 14 سنة : وهي بداية مرحلة التمييز عند الطفل ، لذلك يطالب د. المجدوب بأن يقدم للطفل في هذه المرحلة العمرية برامج تجعله يشعر بتقدم في العمر ، وتساعده علي تنمية مواهبه التي تبدأ في الظهور .
بكار .. مسلسل صعب تكراره :
من ناحيتها ترى د. سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس ، أن برامج الأطفال من الأمور التي تحتاج بشدة إلي العمل الجماعي من مخرج ومعد ومقدمي برامج ، ولهيئة إدارية عليا يملؤها الحماس والإحساس بأهمية ذلك العمل ، موضحة أنه لا توجد في بلادنا العربية منظومة متكاملة يستطيع الأفراد من خلالها إظهار إبداعاتهم المتفردة في إطار جماعي مشترك .
الطفل العربي يحتاج لمن يعلمه الاختيار
وتضيف د. سامية أن الطفل العربي يحتاج لقنوات وبرامج تعالج مشكلاته التي يعيش فيها وبداخلها ، وتعلمه كيف يعيش ، وكيف يتعامل مع مشكلات عصره ، وأهم من ذلك أن تعوّده علي الاختيار و التمييز ، وتجعله شديد التعلق ببيئته وثقافته العربية .
وترى أستاذة علم الاجتماع أن المجتمع العربي يعيش الآن في فوضى فكرية وأخري اجتماعية ، حيث دخلت إليه قيم وثقافات أجنبية غريبة عنه ، مشيرة أن أحد أسباب ذلك يرجع إلي التنشئة الاجتماعية للإنسان العربي منذ صغره ، والتي يؤثر فيها بدرجة كبيرة الإعلام والتليفزيون .
وتقول د. سامية : إن الطفل العربي لا يفهم غالباً لغة الحوار في القنوات الأجنبية ، لكنه يشاهد صورة ربما تؤثر في فكره وتجعله يعتقد أن هناك إباحية في كل المجتمع الذي يعيش فيه ، فالطفل يصدق ما يشاهده مهما كان خيالياً ويتأثر به حتماً .
التليفزيون.. جليس الطفل العربي :
وقد كشفت دراسة تحليلية أعدها الدكتور عبد الحكيم الشرجبي أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء حول "أنماط المشاهدة للتليفزيون لدى الأطفال في المجتمعات العربية" ، أن الطفل العربي يقضي أمام التليفزيون ما بين 3و4 ساعات يوميا خلال أيام الدراسة ، وتزدادا بصورة أكبر في أيام العطلات .
واتضح أن الطفل يقضي حوالي 23 ساعة أمام التليفزيون أسبوعيا، وهو وقت يزيد عن الوقت الذي يقضيه في اللعب أو مذاكرة دروسه أو الحديث مع والديه .
ويذكر د. عبدا لحكيم في دراسته أن هناك نمط مشاهدة يتسم بإبراز كثير من مظاهر العنف ، فكثير من أفلام الكرتون التي تعرض تحتوي على عنف زائد قد يؤدي مباشرة إلى سلوك عدواني وعنيف بين الأطفال ، بالإضافة إلى نمط مشاهدة يتسم بزيادة الجرعات الخيالية . وهذا يجعل الأطفال يبتعدون عن تقدير الأمور كما هي في الواقع ، وبالتالي تتكون لديهم صورة عن الأسرة والمجتمع تتسم بالمبالغة وعدم الموضوعية .
كذلك يشير د. عبد الحكيم إلى أن أغلب الفقرات التي تتخلل هذه البرامج ، تكرس اهتمامها حول زرع ونقل الأنماط الاستهلاكية عبر الإعلانات ، والتي تمثل مصدر قلق حقيقيا على الأطفال ، لما لها من تأثير مباشر وفوري على سلوكهم ، وأن أغلب ما تتسم به البرامج الموجهة للطفل هو تناولها لموضوع قضاء وقت الفراغ لدى الأطفال ، دون تخطيط ودراسة كافية لكيفية الربط بين قضاء وقت الفراغ وتحقيق الاستفادة المرجوة منه . ومن ثم تأتي البرامج غير مخططة ولا هادفة ، ولا يوجد تنسيق بين كافة الجهات والأجهزة والمؤسسات المسئولة عن رعاية الطفل ، مثل الأسرة والمدرسة والقائمين على برامج التليفزيون .
التليفزيون و التنشئة الاجتماعية :
ويشير د. عبد الحكيم إلي أنه من هذه النقطة ، يمكن النظر إلى علاقة التنشئة الاجتماعية بأنماط مشاهدة الأطفال للتليفزيون ، وبخاصة في مجتمعات الخليج التي تشهد مرحلة من التغيرات الواضحة التي تعمق الصراع بين القديم والجديد ، وتوسع الفجوة القائمة بين متطلبات التنمية وما ينتشر من ثقافة وأنماط سلوكية سطحية لها آثارها السلبية ، وانطلاقا من أن التليفزيون ومؤسسات أخرى عديدة مثل المدرسة وجماعة الرفاق ، قد أخذت حيزا كبيرا ودورا في عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال وعلى حساب دور الأسرة في هذه العملية .
ونظرا إلى أن إلغاء الأدوار التي يقوم بها كل من التليفزيون والمدرسة والمحيط الاجتماعي ، أصبح ضربا من الخيال ونتيجة لانشغال الأسر وانحسار دورها في عملية التنشئة الاجتماعية ، فان الأمر يستدعي إيجاد نوع من العلاقة الايجابية وقاعدة للتعاون بين البيت والمدرسة والتليفزيون لتطوير وتقنين عادات المشاهدة وإحداث عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال بصورة سليمة . لذلك ينبغي إيجاد نوع من التعاون بين الإطراف المختلفة المسئولة عن عملية التنشئة الاجتماعية من خلال توفير المعايير والضوابط التي تحكم عمليات المشاهدة ذاتها .
وفي النهاية ، ينبغي القول بأن على القنوات الفضائية العربية أن تحدد القضايا الفعلية التي يحتاجها الطفل العربي ، وتعد البرامج التي تنمى القيم وتحافظ على العادات التي نشأ عليها ، وتحثه على التحلي بأخلاق المجتمع الذي يعيشه ، ما يفرض على المسئولين عن برامج الأطفال إنتاج أفلام وتمثيليات وبرامج ومسلسلات تحكي قصصاً إسلامية تنطوي على تلك القيم ، وبأسلوب مبسط يؤثر إيجابا في عقلية الطفل ويساعده في المحافظة على عاداته التي نشأ عليها .
بوابة المراة
|