التحرّش بالنساء.. وعلاج مجرب
التحرّش بالنساء.. وعلاج مجرب!
في أحد البلدان التي يجتمع فيها النساء والرجال على مقاعد الدراسة وفي المسارح والمصانع والمتاجر والمنتزهات في ذلك البلد تقدمت عدد من النساء بشكوى من كثرة تحرش الشباب بهن والأذى المتكرر الذي يلاقينه صباح مساء.
وفي إحدى تلك الوقائع قدّم شاب للمحاكمة وبعد محاكمة وتحقيق وادعاء واعتراف حكم على ذلك الشاب بالسجن لمدة أربعة أيام فقط (جزاء له وردعاً لأمثاله)!!
وفي واقعة أغرب من هذه رجعت الفتاة عن ادعائها وأنكرت ادعاءها على الرجل الذي ضايقها مع نساء آخريات لتكتشف المحكمة أنها على اتفاق مع الرجل ورضى بما يفعل فقررت المحكمة معاقبتها ولربما لا تزيد العقوبة عن سجن يومين أو ثلاثة.. ولازالت الشكاوى تتكرر من التحرش والأذى!!
وما يثير العجب والألم هو ان النساء هناك يجلسن بجانب الرجل في كل مكان وهن بأقصى زينة وبأفخر العطور وبعضهن على درجة عالية من التبرج.. ثم يتقدمن بالشكوى من تحرش الرجال بهن.. وفي إحدى الوقائع أيضاً كان قائد المركبة ومساعده يتحرشان بكل امرأة تركب معهما!!
أليس في ذلك جمع كبير بين المتناقضات، وطلب مثالية يصعب تحقيقها والتماس عفاف وعقل وأدب في غير مكانها؟! وذلك ما يصدق عليه من يطلب في الماء جذوة نار، أو من عناه الشاعر بقوله:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقاله له
اياك اياك ان تبتل بالماء!!
وإذا كان الناس هناك صادقين في علاج تلك المشكلات و(تخليص) النساء من التحرش والأذى فليجربوا علاجاً رخيص الثمن عظيم النفع مأمون العاقبة مضمون النتيجة، ليجربوا ان يكون للنساء مدارسهن وأماكن عملهن ومنتزهاتهن الخاصة بهن التي لا يدخلها الرجال ليجربوا ذلك ثم ليحكموا ويكتبوا النتائج، ولو أنهم فعلوا ذلك لم يحتاجوا المحاكمة المتحرشين والحكم عليهم بسجن أو غيره.
ثم إذا كانت المرأة هنا وهناك وهي الأم والأخت والزوجة والبنت وهن جميعاً من زينة حياتنا وقرة عيوننا وسكن بيوتنا وحاضنات أجيالنا.. إذا كانت هذه المرأة تريد ان تبعد عنها العيون الآثمة والأيدي العابثة والنفوس المريضة فلابد من حاجز قوي متين يستعصي على رياح الشمال والجنوب وتيارات العواصف القوية والهادئة.. و ماذلك الحاجز والسد المنيع إلاّ الحجاب تاج الفضيلة وعنوان العقل وسمة العفاف.. والتي تخرج من بيتها متبرجة سافرة متزينة متعطرة لسان حالها يقول لضعاف النفوس: (هاكم وجهي فأوسعوه لكماً)!!
أما المرأة المحتشمة التي زينها الحجاب ورفع قدرها فإنها تسلم من نظرات العابثين وضحكات الفارغين ومزاح الثقلاء والمشبوهين.
أو ليس العلاج في متناول الأغنياء والفقراء، وقريبا من المقيمين والمسافرين، وقد جربته النساء فأثبت جدواه وشهد له من طبقه ومن عاداه وسعد به النساء قبل الرجال.
بقي ان أقول ان أحق الرجال بزينة المرأة هو زوجها وأولاهم بعطفها ورحمتها هم أولادها وأجدرهم بحمايتها وتكريمها هم محارمها الشرعيون وهي كلما ابتعدت عن هؤلاء هانت وذلت وعرضت نفسها لمخاطر لا حد لها وصعوبات لا طرف لها وهي كالدرج الذي كلما صعدت فيها ابتعدت عن الأرض التي بدأت منها رحلتها في المشي.. ولذلك كان النزول من أسفل السلم خيراً وأسهل من النزول من أعلاه.
أما مدينة أفلاطون فإنها لم توجد في زمانه - وقد رسم معالمها ووضع حدودها ومطالبها - وأجزم انها لن توجد بعده، وإنما تبقى الفضيلة فضيلة بجهود حماتها وتتوارى الرذيلة بيقظة وأمانة وحزم حراس الفضيلة من رجال ونساء.. وضعاف النفوس تتقلص مطالبهم ولربما تختفي إذا أقفلت الأبواب الجانبية والخلفية وكان الخيار الوحيد ان (تؤتي البيوت من أبوابها).
=============================
عكاظ/ الأثنين11 ذي القعدة 1429هـ - 10 نوفمبر 2008م - العدد 14749
الكاتب/ عبدالعزيز بن صالح العسكر
@ عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية
|