عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-11-2008, 12:43 AM
الصورة الرمزية ملاذ الروح
ملاذ الروح ملاذ الروح غير متواجد حالياً
 






ملاذ الروح is on a distinguished road
افتراضي كان آخرُ كلامه من الدنيا .... (سَدِّدوا الراجحي !! سَدِّدوا الراجحي)

[align=center]مرحباً بكم يا سادة يا كرام ، وسلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركة



قبل أن أتدحرج على هذا المقال ! دعوني أضحك الضحك البريء ، فلقد شرقتُ بعنوانه حتى كاد يشْرق بي ! فما استقرّ هذا العنوان بخاطري حتى افترّ ثغري بابتسامة عريضة تبعها قهقهات الغافل ـ أعاذنا الله منها ـ وما والله أشمتُ بأحدٍ ولا أتفاءل بالشر على نفسي ، ولكنها الدعابة في أبهى حُلّة على أجمل جِيد !

والقصة بدأت أحداثها ـ يا سادة ويا سيدات ـ يوم أن كان ذلك الشاب في بواكير حياته ، ما من شُغل يشغله ولا همٍّ يُكدِّر عليه صفْو أيامه وطِيب لياليه ، كان يميس في عِطْفيه كأنما هو الورْد في أغصانه ، ويمشي الخيلاء فإن شئتَ تراه فلست تراه إلا في جموع الطواويس ، يمشي على منوالها ، ويقتفي آثارها ، ويكون معها كواحدٍ منها ! يقضي شطر يومه في اللهو واللعب ، ويقضي الشطر الآخر في النوم على سُرر الحرير ..

تقلَّبتِ الأيام به وبشبابه فكبُر الشاب وغدا رجلاً ، وانفضّ عنه ما كان يصحبه بالأمس من رونق الشباب ومائه وطيشه ، ومن جلسات السمر في السحر على ضفاف القمر ، فبدا للناظرين رجلاً في تقاسيم وجهه وفي خطوط جبينه المتعرِّجة ، وفي شاربٍ عريضٍ اسودّ وأطل على شفتيه ! حتى ليظنّ الظان أنه غربان تتقاتل تحت أنفه لا شعراً كسائر بني جنسه من بني آدم

ومن هنا بدأ يبحث عن وظيفة يقتات منها ، ومن بعدها طفق يبحث عن زوجة تكون له عوضاً عما فقده من عطف الأب ودلال الأم ، وإن في الزوجات كوامن متعددة ، فهن لأزواجهن الزوجات الوَدودات ، والصديقات الصالحات ، والعشيقات المُلْهِمات ، والأمهات الرؤومات ، فوجد الوظيفة ووفِّق في الزوجة ، وبدأت رحلة الحياة !

لم تمضِ من حياته الزوجية مدة حملٍ وفصاله حتى أطلّتْ عليه الديون برؤوسٍ كأنها رؤوس الشياطين ! شعثاء كأنها دعاية (السفن أب) ، غبراء كأنما أُخرِجتْ من قبورها الساعة ! ما يقطع منها رأساً حتى يخلفه رأسٌ آخر ، وما يمضي رأسٌ إلا وقد ترك من شياطينه ما يكفي لإشغاله ما تبقى من عمُره ، وكان يقول : ليت شعري أيُّ شياطين هذه !

تقاذفتْه السنون والأعوام على مثل شوك السعدان ، في همَّين لا ثالث لهما ، همِّ تسديد الديون ، وهمِّ الحصول على دَينٍ يسدِّدُ به تلك الديون ، ثم يعود على أدراجه للبحث عن دينٍ يقضي به الدين الذين سدّد به ! وهاك الألم دواليك ، وهاك الهمّ لا حنانيك !

كبُر بنوه وأصبحوا رجالاً ، وتزوّجوا وَلَهوا بذراريهم ، وتقدّمت به الدهور حتى تنفّس الصبحُ في عارضيه ، وصاح النهار في نواحي رأسه ، وانحسر شعر رأسه إلى منتصفه ! ولا زال غارقاً في ديونه ، هائماً على وجهه يكدح ليله ونهاره وما تزيد الديون إلا نمواً كأنما يسقيها بغدوِّه ورواحِه ، حتى أُسقِط في يديه ورجع أدراجه إلى منزله يجرُّ ذيلين ؛ ذيل الديون وذيل الألم ، اللذين كانا السبب الرئيسي في وفاته ..

دخل منزله فاستقبلتْه حِبُّه وحليلته ورفيقته في شقائه ، رأتْه يتأرجح في مِشيته فهرعتْ إليه لتسنده ، سقط وسقطت معه ، أخذته وضمتْه ووضعتْ رأسَه على صدرها ودموعها تتقاطر على خدِّه الذي غير لونه لفْح الهواجر ، نظرتْ إليه وهو يتمتم بلا صوت ! اقتربت منه لتسمع ما يقول فإذا هو يقول : " سدِّدوا الراجحي .. سدِّدوا الراجحي"

ومات رحمه الله
[/align]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
رد مع اقتباس