عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24-02-2009, 12:12 AM
محمد القفاري العزيزي محمد القفاري العزيزي غير متواجد حالياً
 






محمد القفاري العزيزي is on a distinguished road
Talking انتبه.. في جيبك يختبئ ألد أعدائك ..!

انتبه.. في جيبك يختبئ ألد أعدائك ..!

تعودتُ أن أضع عنوان موضوع الزاوية بعد أن أفرغ من كتابته، ولا أعرف أي هاجس ورطني هذه المرة في وضع العنوان قبل الموضوع مع أن ما يدور برأسي ساعتها لا علاقة له بالعداء، حد أن العنوان أفزعني وأنا كاتبه فرحت أتحسس جيوبي، ربما لأنني بطبعي شخص مسالم وحسن النية، فكيف تمتد اليد الى شخص لتضعه في الجيب فيكتشف أنه من ألد أعدائه؟
على أي الأحوال هذه المقدمات من شأنها أن تضللنا عن الموضوع، فلا بأس أن أعود سريعا الى ما كان برأسي وأنسى أمر العنوان حتى لو كان خارج الموضوع بأبعد الزوايا.
ما يشغل رأسي الآن هو ذلك الإحساس الذي لا يفارقني أبدا. عندما أقود السيارة وأمضي على مهل في طريق ناعم وخال من الزحام، يبدأ ذهني في الشرود، ورويدا يبدأ الطريق المستوي في التقوس كأنه جزء من دائرة، أنا اذن مالك للكرة الأرضية أدور على سطوحها ! أهي السيارة، تلك الأداة الحضارية التي ضاعفت سرعة المشي على الأقدام آلاف المرات،أهي ما يمنحني هذا الامتلاك للأرض؟. أفتح المذياع، أغنية يابانية أو يونانية أو روسية لا أعرف، ولكنني أشعر بأنها قادمة من فرقة تختبئ في صندوق السيارة، وعندما أتخيل المسافة المكانية بيني وبين اليابان أو اليونان أو روسيا أفزع أن قطع الصوت كل تلك المسافة في ثانية دون أن يضل طريقه الى أذني في مقعد السيارة..، وفي البيت عندما أفتح التليفزيون لأتابع الأخبار أرى مشاهد الانفجارات وأحداث العنف في بلد يبعد عني آلاف الأميال كأنما هي أحداث تجري في الشارع الخلفي لمسكني، هل أصبحت العين والأذن قادرتين على القفز خلف آلاف الأميال؟ بطبيعة الحال أنا لا أعني تلك الجملة المكرورة في كل مناسبة " لقد أصبح العالم قرية صغيرة واحدة" فتلك القرية تفزعني وتجردني من انسانيتي، يحدثني صديق من أرض الوطن، بيني وبينه ألفا ميل، بوسعه أن يصل الي في أي مكان أكون، في المكتب أو المنزل أو الشارع، في القاهرة أو أمريكا أو استراليا، نفس الرقم كلمة سر الدخول الى الأذن، الجوال وفر هذه الخدمة، أرد عليه ربما :" أمر عليك في العليا بعد ثلاث ساعات، طبعا لأن الطائرة تقطع المسافة في ساعتين لا تؤرقها وديان أو جبال أو بحار. " منجزات العصر الحديث في خدمة الانسان" جملة بعد التأمل العاقل لابد أن يكتئب الانسان، فهي أدوات لا تخدمه بقدر ما تستخدمه، ليس صحيحا أنني أملك الكرة الأرضية كما قد أظن، وانما الأصح ربما أن تلك الأدوات قد جعلت منه " ريشة " طائرة في الفراغ، بعد أن شغلت كل وقته في أن يمد يده الى زر ثم ينقلها الى آخر، وبين الاثنين لا مجال للتأمل أو التفكير أو الحب أو أي مشاعر هي أصلا دليل انسانية المرء في وجوده المادي.
لا تكف التقنية لحظة عن محاولة الاستحواذ، وكمثال بسيط هذا الجهاز الصغير الضئيل للجوال، تمعن قي تصغير حجمه حتى لا يضجر منه حامله، تزوده بالساعة حتى لا ينشغل عنه لمعرفة الوقت، وبراديو حتى لا يلجأ صاحبه الى غيره، وببرامج الحاسب الآلي مثل " جوجول ايرث " ليرى صاحبه أي موقع من العالم ويحدد مكانه منه، وبدليل يحفظ كل الأرقام التي تهم صاحبه فلا حاجة له الى دليل أو أجندة، وبكاميرا ديجيتال بالغة الدقة تحفظ المشاهد والذكريات وأحلى الأوقات، استحواذ كامل على الانسان حتى أصبح هذا الجهاز أقرب الأصدقاء جدا جدا الى صاحبه أو صاحبته، يحفظ في جوفه أرقامه الخاصة جدا، وربما يسجل مكالماته العزيزة أو الخاصة، ويحشوه بصورغالية وشديدة الخصوصية لنفسه في لحظات لا يحب أن يطلع عليها أحد، أو لانسان عزيز يحفظ صورة له كمن يحفظ سرا مكنونا، وهنا يصبح هذا الجهاز الضئيل أثمن ما يملك المرء طالما أنه ( بكل أخلاقه، بلحظات جموحه أو هدوئه، على سجيته ،) كله قد أصبح وديعة في قلب الجهاز..
يأتي موتور فاجر، يسرق الجهاز كي يبيعه بخمسين ريالا وهو لا يدري أنه يبيع مع الجهاز صاحبه، والى هنا يهون الأمر، لكن الكارثة أن يتلقفه موتور آخر يستبيح لنفسه ما كان أعز ما يملك صاحبه، يُطلع عليه الآخرين حين يتسلون، أو يمارس حماقاته مع الأرقام الخاصة بداخله، لا يدري ربما أو يدري أنه يتسبب في كوارث، من طلاق الى تشويه السمعة الى محاولات الابتزاز الى ما هو أبشع.
أظن أنني اللحظة تذكرت لماذا فرض نفسه علي عنوان الموضوع، فقد رأيت على " النت" – منجز آخر للتقنية – موضوعات بشعة " فضيحة بنت كذا " ومجموعات من الصور أثق بكل اليقين ببراءتها لحظة أن كانت لها خصوصيتها في جهاز الجوال قبل أن تتلقفه يد مجرم حوّل أعز صديق الى ألد عدو.
هل هو خطأ التقنيات الحديثة، أم خطأ الذين لا يحترزون لأمراض الآخرين ؟!!


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة الرياض - العدد 14854
د.مطلق سعو المطيري
رد مع اقتباس