الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله ..
تأخذنا الدنيا - في كثير ٍ من الأحيان - بمغرياتها و ملهياتها إلى الإهمال و التفريط فيما استعدينا لحمله منذ
خلق البشر ..
و من الطبيعي أنه مع تعاقب الأجيال و دوران عجلة الوقت و انقضاء السنون
يزداد التفريط فيما أؤتمنّا عليه ..
مصداقاً لحديث رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم حين قال :
" خير القرون قرني هذا ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ... الحديث "
و إخباره لنا صلى الله عليه و سلم بأنه في آخر الزمان :
يؤتمن الخائن ، و يخوّن الأمين !!
في أزمنة مضت من تاريخنا الإسلامي المجيد كانت الأمانة العنوان الأساسي و المتحكّم الأول في كل مناحي الحياة ..
فرسول الله صلى الله عليه و سلم قبل البعثة و حين اطمأنت له خديجة بنت خويلد ..
جعلت منه أميناً و حارساً على تجارتها ، و كان لقبه الأمين
و لا ضير ولا غرابة في ذلك .. فلقد اصطفاه الله فيما بعد على البشر - من جيله - ليكون للعلمين نذيراً و رحمة
و لنا في قصص عدالته و نزاهته العبر و العظات ..
منها حينما اقترض من يهودي ٍ دراهماً على أن يردها رأس السنة ، و قبل أن يحول عليها الحول أتى ذلك اليهودي
إلى رسول الله و قال له : يا بني عبدالمطلب .. إنكم قوم ٌ مُطل ( أي تماطلون في الوعود ) !!
فقام عمر بن الخطاب و زجره زجرة ً قوية ، فقال الرسول : لا يا عمر ، إذهب به إلى بيت المال و اعطه حقه ..
وزده على ذلك ، فلما أعطاه عمر حقه و زاده عليه قال اليهودي : و لم الزيادة ؟ فقال عمر : هذه نظير ترويعي لك!!
فتعجّب اليهودي من فعل رسول الله .. و أسلم !!
انظروا يا رعاكم الله إلى هذا الدرس البليغ في الأمانة من قدوتنا صلى الله عليه و سلم كيف جعل ذلك اليهودي يُسلم
و هذا عمر بن الخطاب .. مضرب المثل في العدل و حمْل الأمانة ..
فلقد كان هذا الخلفة الراشد ميزان عدل ٍ قلما وُجد له مثيل ، و كان يحاسب نفسه على الصغيرة قبل الكبيرة ..
ما جعل القاصي الكافر قبل الداني المسلم يشهد له بالأمانة و العدل ، و كلنا نعرف قصة مرسول كسرى عندما أتى إلى
عمر و طلب مقابلته .. فوجده نائماً تحت شجرة ٍ في الفلا ، فلما رآه كذلك قال كلمته المشهورة :
< حكمت فعدلت فأمنت فنمت >
و من عدله رضي الله تعالى عنه أنه عندما دخل بيت المقدس بعد أن من ّ الله تعالى على المسلمين بالنصر ..
كان راجلاً بقود دابته بينما غلامه راكباً على الدابة ، لأن دور الغلام أثناء الدخول للقدس كان الركوب !!
فلننظر أحبابي إلى هذا المنظر النادر النفيس في العدالة كيف أن حاكماً يشاطر محكومه ( بل خادمه ) حقوقه !!
و غيرها الكثير من القصص عن عدالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
* * *
إن ميزان العدالة موجود ٌ في نفس كل واحدٍ منا .. لكن مالفرق ؟!
الفرق هو أن هذا الميزان تميل كفته إلى أحد الطرفين عند الكثير من البشر في عالمنا اليوم ..
بسبب تدنى مخافة الله عز وجل ّ
بل أنه في أحايين كثيرة يكون الميزان مائلاً تماماً و إلى الأبد عند الكثير من الناس
( و عند الكثير من المسلمين )!
و هذا أمر ٌ جد ُّ خطير ، و ينذر بقرب عذاب الله عز وجل !
حالنا اليوم مع الأمانة
قال تعالى :
" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) "
الأمانة أعم ّ و أشمل من أن نحافظ على مبلغ ٍ من المال أودعه أحدهم عندنا فترة ًمن الزمان .. ثم عاد و أخذه منا !
لنبدأ بالفرد :
عليك أخي .. أن تراعي الله عز وجل في كل تصرفاتك و نؤدي ما أؤتمنت عليه ..
مع نفسك تكون امينا ، و مع جارك ، و مع أخيك المسلم ، وم عزملائك في العمل .. و مع سائر البشر
حتى غير المسلمين يجب أن تكون معهم أميناً .. لتؤجر على أمانتك ، و لتريهم رحمة الإسلام !
و أنت يا رب ّ المنزل :
عليك أن تراعي الأمانة الملقاة على عاتقك .. فتعدل بين بنيك و جميع أهلك في القول و في العمل !
و أنت ِ أيتها الأم :
عليك القيام بمسؤولياتك على أكمل وجه ..
و لتعلمي أن أكبر الأمانة لديك - بعد العبادة - هي تربية الأبناء ( بنين و بنات ) تربية ً حسنة
فإن فعلت ِ ذلك تكوني قد ضمنتي خيري الدنيا و الآخرة
و أنت أيها الموظف :
عليك أن تؤدي عملك باهتمام و أن تراعي الله عز وجل قبل مراعاة مديرك و رئيسك في العمل !
و يا أيها المدير :
اتق الله .. و لتلعلم أن المسؤولية الملقاة على عاتقك أكبر حجماً
كن عادلاً رحيماً لتنهض بعملك و مؤسستك نحو العلياء فينهض مجتمعك و يسود الأمم !
و يا أيها الحاكم :
إن جعلت رسول الله صلى الله عليه و سلم و خلفاؤه الراشدون قدوتك .. تكون قد أديت الأمانة ..
فيظلك الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله
و ما أعظمه من أجر
أعزائي
في خضم أحداث الدنياء المتسارعة بتوافهها .. نظن أننا قد قمنا بما أُسند إلينا خير قيام ( فنكون قد زكّينا أنفسنا )
و هذا خطأ ٌ كبير !!
فهل نحن أقوى من السماوات و الأرض و الجبال ؟!
أم أننا .. ( ظلمة ٌُ جهلة ) ؟!!!
علينا توخّي الحذر في كل أفعالنا و تصرفاتنا مع الله عز وجل ، و هذا لا يتأتّى إلا بمحاسبة أنفسنا أولاً بأول !!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أول ما يُنزع من أمر أمتي الأمانة ، و آخر ما يُنزع منها الصلاة " أو كما قال صلى الله عليه و سلم
إن التفريط في الأمانة يعني .. هضم الحقوق ، و إيغار الصدور ، و الشعور بالغبن و خيبة الأمل ..
فتكثر الفتن ، و تتسارع وتيرة السيئات .. ما يؤدي إلى غضب الله ، و من ذلك عدم استجابة الدعاء !!
و العياذ بالله
* * *
اللهم أرنا الحق حفاً و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه
دمتم في أمان الله
،،،