شـجـاعـة الـصـدّيـق
بسم الله الرحمن الرحيم
شـجـاعـة الـصـدّيـق
قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- :
( وكثير من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقوة ، وهما متغايران ؛ فإن الشجاعة هي:
ثبات القلب عند النوازل وإن كان ضعيف البطش.وكان الصديق رضي الله عنه-
أشجع الأمة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وكان عمر وغيره أقوى منه
ولكن برز على الصحابة كلهم بثبات قلبه في كل موطن من المواطن
التي تزلزل الجبال ، وهو في ذلك ثابت القلب ، ربيط الجأش ، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم ، فيثبتهم ويشجعهم.
ولو لم يكن له إلا ثبات قلبه يوم الغار وليلته.وثبات قلبه يوم بدر وهو يقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(( يا رسول الله ! كفاك بعض مناشدتك ربك ، فإنه منجز لكما وعدك )).
وثبات قلبه يوم أحد ، وقد صرخ الشيطان في الناس بأن محمدا قد قتل ، ولم يبق أحد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم
إلا دون عشرين في أحد ، وهو مع ذلك ثابت القلب ساكن الجأش.وثبات قلبه يوم الخندق ،
وقد زاغت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر.
وثبات قلبه يوم الحديبية ، وقد قلق فارس الإسلام عمر بن الخطاب حتى إن الصديق ليثبته ويسكنه ويطمئنه.
وثبات قلبه يوم حنين ، حيث فر الناس ، وهو لم يفر.
وثبات قلبه حين النازلة التي اهتزت لها الدنيا أجمع ، وكادت تزول لها الجبال ، وعقرت لها أقدام الأبطال ،
وماجت لها قلوب أهل الإسلام ، كموج البحر عند هبوب قواصف الرياح ، وصاح لها الشيطان في أقطار الأرض
أبلغ الصياح ، وخرج الناس بها من دين الله أفواجا ، وأثار عدو الله بها أقطار الأرض عجاجا ، وانقطع لها الوحي
من السماء ، وكاد لولا دفاع الله تعالى لطمس نجوم الاهتداء ، وأنكرت الصحابة بها قلوبهم ، وكيف لا وقد فقدوا رسولهم
من بين أظهرهم وحبيبهم ، وطاشت الأحلام ، وغشي الآفاق ما غشيها من الظلام ، واشرأب النفاق، ومد أهله الاعناق ، ورفع
الباطل رأسا كان تحت قدم الرسول –صلى الله عليه وسلم- موضوعا ، وسمع المسلمون من أعداء الله تعالى ما لم يكن في حياته بينهم مسموعاً ،
وطمع عدو الله أن يعيد الناس إلى عبادة الأصنام ، وأن يصرف وجوههم عن البيت الحرام ،
وأن يصد قلوبهم عن الإيمان والقرآن ، ويدعوهم إلى ما كانوا عليه من التهود والتمجس والشرك وعبادة الصلبان
فشمر الصديق رضي الله عنه من جده عن ساق غير خوار ، وانتضى سيف عزمه الذي هو ثاني ذي الفقــــار
وامتطى من ظهور عزائمه جواداً لم يكن يكبو يوم السباق ، وتقدم جنود الإسلام فكان أفرسهم إنما همه اللحاق ،
وقال: (( والله لأجاهدن أعداء الإسلام جهدي ، ولأصدقنهم الحرب حتى تنفرد سالفتي أو أفرد وحدي ، ولأدخلنهم
في الباب الذي خرجوا منه ، ولأردنهم إلى الحق الذي رغبوا عنه ))
. فثبت الله تعالى بذلك القلب -الذي لو وزن بقلوب الأمة لرجحها- جيوش الإسلام ، وأذل بها المنافقين والمرتدين
وأهل الكتاب وعبدة الأصنام ، حتى استقامت قناة الدين من بعد اعوجاجها ، وجرت الملة الحنيفية على سننها
ومنهاجها ، وتولى حزب الشيطان وهم الخاسرون ، وأذن مؤذن الإيمان على رؤوس الخلائق:
ألا إن حزب الله هم الغالبون.هذا ؛ وما ضعفت جيوش عزماته ، ولا استكانت ولا وهنت ،
بل لم تزل الجيوش بها مؤيدة ومنصورة وما فرحت عزائم أعدائه بالظفر
في موطن من المواطن ، بل لم تزل مذلولة مكسورة.تلك لعمر الله الشجاعة التي تضاءلت
لها فرسان الأمم ، والهمة التي تصاغرت عندها عليات الهمم ، ويحق لصديق الأمة أن يضرب
من هذا المغنم بأوفر نصيب ، وكيف لا وقد فاز من ميراث النبوة بكمال التعصيب. وقد كان الموروث
صلوات الله تعالى وسلامه عليه أشجع الناس ، فكذلك وارثه وخليفته من بعده أشجع الأمة بالقياس ويكفي
أن عمر بن الخطاب سهم من كنانته ، وخالد بن الوليد سلاح من أسلحته
والمهاجرون والأنصار أهل بيعته وشوكته ، وما منهم إلا من اعترف أنه يستمد من ثباته وشجاعته )
هذا وصلى الله وسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المصدر
مكتبة: المسجد النبوي الشريف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعديل الأخير تم بواسطة الهيثم 07 ; 19-07-2009 الساعة 10:11 PM.
|