عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-2009, 05:53 AM   #16
صـدى زهـران
 







 
صـدى زهـران is on a distinguished road
افتراضي رد: كل يوم ايه مع تقسيرها (سورة البقره )

][ الآيـــــــــــة ][

"الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون"

][ الـــتـــفـــســـيـــر ][

قوله تعالى : "الله يستهزئ بهم" أي ينتقم منهم ويعاقبهم ،ويسخر بهم ويجازيهم على استهزائهم ، فسمى العقوبة باسم الذنب . هذا قول الجمهور من العلماء ، والعرب تستعمل ذلك كثيراً في كلامهم ، من ذلك قول عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فسمى انتصاره جهلاً ، والجهل لا يفتخر به ذو عقل ، وإنما قاله ليزدوج الكلام فيكون أخف على اللسان من المخالفة بينهما . وكانت العرب إذا وضعوا لفظاً بإزاء لفظ جواباً له وجزاء ذكروه بمثل لفظه وإن كان مخالفاً له في معناه ، وعلى ذلك جاء القرآن والسنة . وقال الله عز وجل : "وجزاء سيئة سيئة مثلها" . وقال : "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" . والجزاء لا يكون سيئة . والقصاص لا يكون اعتداء ، لأنه حق وجب ، ومثله : "ومكروا ومكر الله" . و "إنهم يكيدون كيدا * وأكيد كيدا" و "إنما نحن مستهزئون" "الله يستهزئ بهم" . وليس منه سبحانه مكر ولا هزء ولا كيد ، إنما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم وجزاء كيدهم ، وكذلك "يخادعون الله وهو خادعهم" "فيسخرون منهم سخر الله منهم" . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن الله لا يمل حتى تملوا ولا يسأم حتى تسأموا" . قيل : حتى بمعنى الواو أي تملوا . وقيل المعنى وأنتم تملون . وقيل : المعنى لا يقطع عنكم ثواب أعمالكم حتى تقطعوا العمل . وقال قوم : إن الله تعالى يفعل بهم أفعالاً هي في تأمل البشر هز وخدع ومكر ، حسب ما روى : إن النار تجمد كما تجمد الإهالة فيمشون عليها ويظنونها منجاة فتخسف بهم . وروى الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى : "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا" هم منافقوا أهل الكتاب ، فذكرهم وذكر استهزاءهم ، وأنهم إذا خلوا إلى شياطينهم يعني رؤساءهم في الكفر ـ على ما تقدم ـ قالوا : إنا معكم على دينكم إنما نحن مستهزئون بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : الله يستهزىء بهم في الآخرة ، يفتح لهم باب جهنم من الجنة ، ثم يقال لهم تعالوا ، فيقبلون يسبحون في النار ، والمؤمنون على الأرائك ـ وهي السرر ـ في الحجال ينظرون اليهم ، فإذا انتهو الى الباب سد عنهم ، فيضح المؤمنون منهم ، فذلك قول الله عز وجل : "الله يستهزئ بهم" أي في الآخرة ، ويضحك المؤمنون منهم حين غلقت دونهم الأبواب ، فذلك قوله تعالى : "فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك ينظرون" . إلى أهل النار "هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون" . وقال قوم : الخداع من الله والاستهزاء هو استدارجهم بدرور النعم الدنيوية عليهم ، فالله سبحانه وتعالى يظهر لهم من الإحسان في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم ، ويستر عنهم من عذاب الآخرة ، فيظنون أنه راض عنهم ، وهو تعالى قد حتم عذابهم . فهذا على تأمل البشر كأنه استهزاء ومكر وخداع ، ودل على هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم :
"إذا رأيتم الله عز وجل يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدارج" . ثم نزع بهذه الآية : "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" . وقال بعض العلماء في قوله تعالى : "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون" . كلما أحدثوا ذنباً أحدث لهم نعمة .
قوله تعالى : "ويمدهم" أي يطيل لهم المدة ويمهلهم ويملي لهم ، كما قال : "إنما نملي لهم ليزدادوا إثما" وأصله الزيادة . قال يونس بن حبيب : يقال مد لهم في الشر ، وأمد في الخير ، قال الله تعالى : "وأمددناكم بأموال وبنين" . وقال : "وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون" . وحكي عن الأخفش : مددت له إذا تركته ، وأمددته إذا أعطيته . وعن الفراء واللحياني : مددت ، فيما كانت زيادته من مثله ، يقال مد النهر النهر ، وفي التنزيل : "والبحر يمده من بعده سبعة أبحر" . وأمددت ، فيما كانت زيادته من غيره ، كقولك : أمددت الجيش بمدد ، ومنه : "يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة" . وأمد الجرح ، لأن المدة من غيره ، أي صارت فيه مدة .
قوله تعالى : "في طغيانهم" كفرهم وضلالهم . وأصل الطغيان مجاوزة الحد ، ومنه قوله تعالى : "إنا لما طغى الماء" أي ارتفع وعلا وتجاوز المقدار الذي قدرته الخزان . وقوله في فرعون : "إنه طغى" أي أسرف في الدعوى حيث قال : "أنا ربكم الأعلى" والمعنى في الآية : يمدهم بطلو العمر حتى يزيدوا في الطغيان فيزيدهم في عذابهم .
قوله تعالى : "يعمهون" يعمون . وقال مجاهد : أي يترددون متحرين في الكفر . وحكي أهل اللغة : عمه الرجل يعمه عموهاً وعمهاً فهو عمه وعامه إذا حار ، ويقال رجل عامه وعمه :حائر متردد ، وجمعه عمه . وذهبت إبله العمهى إذا لم يدر أين ذهبت . والعمى في العين ، والعمه في القلب ، وفي التنزيل : "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
.
.
.
جاري البحث
.
.
.
أخر مواضيعي
صـدى زهـران غير متواجد حالياً