شكراً لجميع الأخوة الذين شاركوا في الموضوع.
وفيما يلي نموذج لبعض الخطابات التي كان يبعثها الإمام لولاته وقادته العسكريين:
أما بعد : فهذا ما يقول المعتصم بالله المتوكل عليه إمام المسلمين سلطان ابن سيف بن مالك إلى من نصب خيم همته في ميادين الإمارة وربط عرى شغله أحداث المعاندين الباهتين ، وأصبح دين الله خفيا دارسا ووجهه قاطبا عابسا ؛ والله يكلؤنا وإياكم أيها المسلمون من ذلك وينقذنا عن مهاوي الذلة والمهالك ؛ فشدوا بي أيها المسلمون ظهوركم وقوى عزمكم وصبركم ، وخذوا حزمكم وحذركم وأعدوا من آلة الحرب ما ترهبون به عدو الله وعدوكم وارحموا صغاركم ووقروا كباركم وعظموا أشرافكم وعظماءكم لكثرة المودة منهم لكم ، لأن المداراة نصف العبادة وحسن التودد إلى الناس نصف العقل .
واعلموا أن العبد يبلغ بحسن أخلاقه مالا يبلغه الصائم القائم وأحسنوا إلى ضعفائكم وفقرائكم لينفعوكم بدعوتهم وتضرعهم إلى الله لكم واصبروا على ما أصابكم من حوادث الدهر ونابكم ، واشكروا الله على ما فضلكم وشرفكم واحتملوا على ما بلاكم الله بأمور عافى منها غيركم وأعينوا بجاهكم من لاجاه له للخير الصحيح عنه عليه السلام ( إن أفضل الصدقة أن تعين بجاهك من لا جاه له ، وازهدوا في الدنيا عن جميع المعاصي واخشوا يوم الأخذ بالنواصي لأن من زهد فيما عند الله أحبه الله([1]) ) .
ومن زهد في أيدي الناس أحبه الناس ، ولن تملكوا الأشراف والسادات إلا بالزهد والعدل وحسن السياسة للرعايا لأن الملك يبقى مع الكفر والعدل ولا يبقى مع الإسلام والجور ، واعملوا ما شئتم فكل ميسر لما خلق له لأنه في الخبر الصحيح ( اعمل ما شئت كأنك تموت غدا واعمل ما شئت كأنك لم تمت أبدا ) وداموا على ذلك مع حسن النية والصلاح لأن ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ) واحذروا التغافل والمغاضاة من إظهار الفعل المنكر المحجور من فاعله لأن الله عز وجل قد غير أقواما قد رضوا بفعل المناكر لقوله عز وجل ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) وفي الصحيح المنقول ( الراضي بالمنكر كفاعله ) وشمروا عن ساعدكم بالحزم والحذاقة في جميع أموركم ولا تتركوا ذلك فتصيحوا على ما فعلتم نادمين . كما قال الشاعر :
لا تترك الحزم في شيء تحاذره فإن سلمت ما للحزم من بـاس
العجز ذل وما بالحـزم مـن ضـرر وأحزم الحزم سوء الظن بالناس
وأبلغ في ذلك حجة وبيانا قول الله عز وجل محرضا للحزم قوله ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم ، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ) وكثير من الآيات لم أحص عدها ولا يخفى عليكم ذلك واستعينوا إخواني على نجاح حوائجكم بالإخفاء لها والكتمان ، لأن كثيرا من الناس ما همته إلا بث السرائر واستخراج ما في الضمائر ، وإياكم والعجلة في جميع أموركم وشاوروا فيها أهل الفضل والورع والعلماء بالله واليوم الآخر ولا تتركوا مشورتهم في جميع أموركم لئلا يقع بكم الخطأ ، لأن عقل المرء لا يغني عن المشورة ولو كان كذلك لما أمر الله نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام بالمشورة ؛ وهو أرجح الناس عقلا لقوله تعالى ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين )
وفي المنقول : لا صواب لمن ترك المشورة ولا خطأ مع المشورة .
وكـــذلــــك قـــــــال الــشـــاعـــر :
عقل الفتى ليس يغني عن مشاورة كعفـة الخـود لا تغنـي عن الرجل
وكثير مثل هذا لا يخفى عليكم ذلك ؛ واحذروا الطمع المذموم المفضي بصاحبه إلى الهلاك والنظر إلى الدنيا وزخارفها ؛ لأن أقدام العلماء تزل مع الركون إلى الدنيا والطمع في نعيمها ، كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام : إن الصفاة الزلاء التي لا يثبت عليها أقدام العلماء الطمع .
وقال عليه الصلاة والسلام : أكثر مصارع العقول تحت بروق الأطماع .
وكذلك قال الشاعر :
دع الطمع المرذول عنك فربما يقطع أعناق الرجال المطامـع
فاتقوا الله إخواني ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ) وكثير من الآيات والأمثال العربية التي لا تخفى عليكم ؛ وكونوا بمجالسكم سامتين مسرورين ستبشرين لأوليائكم ؛ عابسين آنفين عن أعدائكم متفقدين حق الرعاية لرعاياكم ؛ تلقونهم بصدر أوسع من الدهناء ؛ واحتمال يزري بالغبراء ؛ ورحمة أمد من البيضاء ؛ وسخاء يميل على الوطفاء ؛ وتلطف كتلطف أبي غزوان ؛ وختل لعدوكم كختل أبي جعدة ؛ وإسراع إلى الخيرات كإسراع النجم ؛ وبكور إليها كبكور أبي زاجر ؛ وصبر كصبر النبي أيوب ؛ وكونوا في أحكام أثبت من النقر على الصفا ومن الشوامخ بالبيداء ، وأنجر في التجارة الأخروية من عقرب ؛ وأتبع في النكد لمن عصى الله من تولب ، وأنجز في مواعدكم من أسد ، وأشفق لأوليائكم من الوالد على الولد ، ومن المرء على السعد ؛ وكونوا كالليث في غارة ما يرى عدوا إلا ظبته بأظفاره ؛ وجدوا واجتهدوا وأنفقوا وصلوا وصلّوا بلا تعب ولا سأم ؛ ولا سرف ولا ملل ، ولا جهل ولا توان ؛ وكونوا أشد على الأعداء من الصخر ؛ وأخف على الأولياء من اليسر بعد العسر ، وصافوا المودة لمن يصافيكم مهذبين لوذعيين فكهين طيبين غير بطرين ولا مستكبرين وأحسنوا الظن ببعضكم بعضا ولا تقدموا على أمر بغير تدبر ولا تفكر و ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) ولا تنزلوا المنزلة التي يحتمل فيها الحق والباطل ، منزلة الباطل ؛ لأن من فعل ذلك فهو المبطل .
فالله الله في إحسان الظن ، ولا تسيئوا الظن بإخوانكم ؛ لأن سوء الظن بالمسلمين من كبائر الذنوب ولا تهتكوا ستر إخوانكم ولا تذكروا بسوء خصال خلانكم ( ولا يغتب بعضكم بعضا ؛ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ، واتقوا الله إن الله تواب رحيم )
وفي الصحيح المنقول عن السلف الصالح : إذا كان بينك وبين أخيك كنسج العنكبوت فلا تهتك ستره ؛ فإن من هتك ستر أخيه هتك الله ستره ؛ ومن احتجب عن حاجة أخيه المسلم حجب الله حاجته ؛ أي منعها ؛ ومن فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه سبعين كربة ؛ ومن أحبه الله جعل الله حوائج إخوانه على يديه ؛ ومن أحب أن يكون مؤمنا حقا فليحسن الظن بإخوانه ويحب لهم ما يحب لنفسه ؛ ويبغض لهم ما يبغض لها من الهداية والإيمان والكفر والعصيان وفي الصحيح : أنصر أخاك ظالما أو مظلوما ؛ إن رأيته ظالما بمعصية فأنصره بالهداية والنصيحة ؛ وإن رايته مظلوما فانصره بالإعانة على نصرته وعزة ؛ فانصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم على الحق والصراط المستقيم في الدنيا والآخرة وقد جعلت لكم حبس من يجوز حبسه وإطلاق من يجب إطلاقه ؛ وعفو من يجوز عفوه وضيف من يجب ضيفه وإصلاح ما يجب إصلاحه من أموال بيت مال المسلمين وصوافيهم وإصلاح صياصيهم وأفلاجهم وطرقهم وقطع مضارهم على ما ترونه عدلا في كتاب الله وآثار الأئمة الصالحين ، وقد جعلت لكم حماية البلاد وأهلها ، والذب عن حريمها وصغارها وكبارها وتقريب صلاحها ؛ وحسم ألفة فساقها وأنذالها ؛ ولا تأتمنوا في أمانتكم التي أمتكم فيها إلا من هو حقيق بذلك في دين المسلمين ؛ وقد ألزمت جميع من في هذه الرقى والبلدان ؛ والمنازل والأوطان طاعتكم ؛ وحجرت عليهم معصيتهم ما أطعتم الله ورسوله فيهم وقمتم بما شرطته عليكم في عهدي هذا ؛ فإن خالفتم ذلك وأبيتم فأنا ومال المسلمين بريئان منكم وأنتم المأخوذون به في أنفسكم وأموالكم ؛ لأنني أعزني الله بالإسلام والدين وشد عضدي بسنة النبي الأمين ومذهب القادة المتقين ، لا أثرة عندي للظالمين ، ولا حيف عندي للأولياء الراشدين ؛ ونيتي أن أملأ الأرض قسطا وعدلا ؛ وحكما وفضلا ؛ وكسر شوكة المرتدين ، والأخذ على أيديهم ، وهدم أركانهم ؛ وتخريب أوطانهم ؛ وإطفاء بدعهم ، وتفريق زمرهم وجمعهم الذي يجتمعون فيه على الباطل والمناكر والفجور والخوض في الفواحش والمحجور وانتهاك عظيمات الأمور ما استطعت إلى ذلك سبيلا .
فاصبروا إخواني وما صبركم إلا بالله ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ؛ وما توفيقنا وإياكم إلا بالله ، وعليه فتوكلوا وإليه أنيبوا وعلى نبيه محمد فصلوا عليه وسلموا تسليما ؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
|