وتلك الأيام نداولها بين الناس ... من تأليفي
قرأت الآية فاستشعرت معناها وتأملت التاريخ الحديث والقديم وتأملت أحوال الناس فقلت نعم كما قال الله تعالى (( وتلك الأيام نداولها بين الناس ))
المعتمد بن عباد كان من أحد الملوك الأشاوس وكان في عزة ومنعة وقوة بأس ويحكى من مواقفه أنه في أحد الأعياد وكانت ليلة ماطرة فجاءته أحد بناته يطلبن منه أن يطأن على الأرض وهي مبللة فأمر الجند بأن يفرش لهن الأرض مسكاً وورداً وكافورا حتى يطأن عليه ...
ومرت عليه الدهور وهو ينعم بملكه حتى أتى عليه أحد الملوك يدعى يحيى بن تاشفين فغار عليه هو وجنوده فنزعوا ملكه وأودعوه في زنزانة لوحده ومر عليه العيد وهو في سجنه وقد اتى لزيارته بناته وزوجاته فلما رأى الحال التي هم بها من حالة رثة وكن يغزلن للناس الثياب ليتكسبن بعد الملك الذي كانوا فيه فقال قصيدته المشهورة وهو في تلك المدينة وتسمى(( أغمات ))
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
وكـان عيـدك باللـذات معمـورا
وكنت تحسب أن العيـد مسعـدةٌ
فساءك العيد في أغمـات مأسـورا
ترى بناتك في الأطمـار جائعـةً
في لبسهنّ رأيت الفقـر مسطـورا
معاشهـنّ بعيـد العـزّ ممتهـنٌ
يغزلن للنـاس لا يملكـن قطميـرا
برزن نحـوك للتسليـم خاشعـةً
عيونهـنّ فعـاد القلـب موتـورا
قد أُغمضت بعد أن كانت مفتّـرةً
أبصارهـنّ حسيـراتٍ مكاسيـرا
يطأن في الطين والأقـدام حافيـةً
ًتشكو فراق حـذاءٍ كـان موفـورا
قد لوّثت بيـد الأقـذاء اتسخـت
كأنها لـم تطـأ مسكـاً وكافـورا
لا خدّ إلا ويشكو الجدب ظاهـره
وقبل كان بمـاء الـورد مغمـورا
لكنه بسيـول الحـزن مُختـرقٌ
وليس إلا مع الأنفـاس ممطـورا
أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه
ولست يا عيدُ مني اليـوم معـذورا
وكنت تحسب أن الفطـر مُبتَهَـجٌ
فعـاد فطـرك للأكبـاد تفطيـرا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثـلاً
لما أمرت وكـان الفعـلُ مبـرورا
وكم حكمت على الأقوامِ في صلفٍ
فـردّك الدهـر منهيـاً ومأمـورا
من بات بعدك في ملكٍ يسرّ بـه
أو بات يهنـأ باللـذات مسـرورا
ولم تعظه عوادي الدهر إذ وقعت
فإنما بات في الأحـلام مغـرورا
صدق الله إذ فال (( وتلك الأيام نداولها بين الناس ))
ولن نبتعد كثيرا عما حصل وكنا نشاهده بأعيننا ماحصل لصدام حسين بعد العز الذي كان فيه ومصيره كان إلى حبل المشنقة ...
وفي عصرنا الحالي رئيس موريتانيا جاء لتقديم العزاء في وفاة الملك فهد رحمه الله فلم يرجع إلى ملكه وإنما حصل في بلده إنقلاب ...
فالأيام دول والحياة ميدان تنافس لمن عظمت غاياته وسمت همته ...
مانقرأه بين هذه الأسطر نشاهده كما هو حالنا فالنردد (( وتلك الأيام نداولها بين الناس ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|