ليس سهلا أبدا أن يخرج أحدهم من مسكنه الآمن الذي تنفس فيه هو وأسرته أيام فرح وسرور، ليغادره نازحا مجبرا إلى مسكن إيواء هو وأولاده وزوجته وأفراد عائلته؛ هربا من القذائف والرصاص والخوف من المتسللين الخبثاء الذين يريدون بهم وبالوطن شرا.
ليس سهلا أن يترك صغارنا في الجنوب مدارسهم وفصولهم، ويتجهوا لغيرها ربما أكثر ازدحاما وأكثر ابتعادا عن الذكرى التي تعودوا عليها في قراهم.
وليس سهلا أن يعيش كثير من النساء القلق والخوف والوجع على زوج أو أب وابن، ذهبوا تلبية لنداء الواجب، وقدموا أرواحهم دفاعا عن أرضنا المقدسة، وليس سهلا أن تسمع صوت الرصاص والطائرات العسكرية المحلقة وركض الجنود هنا وهنا، ثم صيحة أحدهم تعلن استشهاد صديق عزيز من أبناء الجيش السعودي الشجاع، قتلته يد خبيثة ممن ارتدوا العباءات النسائية متسللا وأراد بالجنوب وأهله والوطن شرا.
وليس سهلا على الأمهات الكريمات اللاتي قدمن أبناءهن شهداء للوطن أن يعشن لحظة سكينة دون شوق لوجه تعتصر قلوبهن لرؤية أبنائهن يوما أمامهن وإن كان شرفهن باستشهادهم.
الأسوأ من ذلك؛ هو أن تجد بيننا من تبلد إحساسه، ويبست دماؤه؛ فلا يعرف شيئا عن الجنوب وجازان وبكائها؛ ولا نكبة كل هؤلاء السابق ذكرهم، فتراه يلهو، في الوقت الضائع يتنقل بين القنوات الإخبارية ويتناول غذاءه على مشاهدة تقارير عن الحرب في الجنوب، دون أن يرفع يده للسماء دعاء لإخوانه ممن سكنوا الإيواء وخيامه، ولا يتردد في الإمساك بـ"الريموت كنترول" ليتنقل بين القنوات الفضائية باحثا عن فيلم كوميدي وربما "أكشن" ليشعر بإحساس الإثارة.
ليس سهلا أن تجد هؤلاء المتبلدين بيننا ممن لا يعرفون للوطنية قيمة ولا يدركون لمعناها حياة، ممن يعيشون رخاء الأمن في مناطق بعيدة عن الجنوب، ولا تسمعه يدعو لإخوانه وأخواته في "جازان" في لحظة صلاة ورخاء ليرف يداه للسماء لأجلهم.
ليس سهلا أن تجد من بيننا من تجمدت مشاعرهم في "فريـزر الماديـة" وتراه لاهثا خلف الأسهم وتكديس الملايين في أرصدته؛ فيما إخوانه في الجنوب يحتاجون دعمه ومشاركته.
ليس سهلا أبدا أن ترى من بيننا من ذوي الدماء الباردة فتراه يلاحق بعينيه" كرة " تتدحرج بين أقدام اللاعبين الجزائريين والمصريين بعيدا عنا، وأعصابه تختطف منه مشجعا أحدهما، فيما جنوب وطنه ينتهك من قبل خبثاء وجيش وطنه يقدم أرواح الشهداء لأجل أمننا.
هلا عشنا بعض وقتنا حداداً ودعاء لجنوبنا وجازاننا!؟ أتمنى ذلك.
منقول