لا يذهب ظنك بعيداً – عزيزي القارئ – فما أقصده (بمحلل)، هذه الجموع المتكاثرة التي ملأت أركان الأقمار الاصطناعية ممن طرز اسمه بلقب ( المحلل المعروف) وكم نحن كرماء في مسألة منح الألقاب، بينما لو نظرت في سيرة أحدهم وجدته لا يملك من المؤهلات والعلم إلا جرأة غير منضبطة وعلاقات جعلته يطل علينا صباح مساء.
فهذا ( محلل اقتصادي) يظهر مع اخضرار السوق ويتوارى مع احمراره، يشعر بالأمان عندما يكرر عبارة ( أنا قلت) بصورة مستمرة، سواء قالها أم لم يقلها فمن الذي سيتذكر أو يبحث؟!، وقد بلغت أعداد هذا النوع نسباً قياسية عندما كان السوق في أيام عزه وتمكينه، فقد وصل بعضهم إلى مجرد أن يحلم ويتخيل والناس تتابع رؤاه، وآخرون كانوا يبشرون بقطار السوق المتجه حسب الشارتات والشموع اليابانية والرأس والكتفين إلى 24000 نقطة، وعندما قطع الرأس ولم يبق إلا كتفي أربع وعشرين مليون مواطن، قالوا السوق لا يخضع للتحليل الفني، ونحن نعاني من سياسة القطيع، ثم - وبكل بساطة وبدون محاسبة - تبخروا بالحرارة.
وهذا ( محلل رياضي) يلعن التعصب ويساهم في نشره، ويرى أنه قد أكرمنا بمعلوماته التي يعرفها أبطال حارتنا في عصرهم الذهبي، وهؤلاء - ولله الحمد- بلغوا حداً جعل بعض القنوات تأخذهم بالجملة وتجمعهم في مجلس واحد.
وهذا ( محلل سياسي) لا يظهر إلا وقت المصائب والنكبات، ولا يدع شاردة ولا واردة إلا وأدلى فيها بدلوه، فهو العارف بأسباب ارتفاع أسواق الخضار في بوركينا فاسو ، كما أنه المتخصص الوحيد في أسباب انحسار دور شيوخ القبائل في الإمبراطورية اليابانية.
طبعاً وهناك ( محلل شرعي ) ما قال ( لا) قط إلا في تشهده، و(محلل فني) مشغول بسليكون فلانة ونوم علانة، وهناك (محلل أدبي) يتحفنا - بمناسبة وبدون مناسبة- بأسباب صعود صديقه الشاعر الكبير حافياً على السطح عندما تغزل بحبيبته تعيسة الحظ.
والأيام حبلى بالمزيد من المحللين والمحللات ما دمنا لا نملك مناعة فكرية ونظامية أمام كل متسلق.
المصيبة أن هؤلاء يَستغلون ويُستغلون، ولذلك فلا يهيم بهم حباً إلا من يستفيد منهم من الهوامير صعوداً إلى أدعياء كل صنعة هبوطاً.
لا مانع من التحليل المبني على أسس، ولكن إذا كثر الطباخون فسدت الطبخة، أليس كذلك؟!
منقول