بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المسلم شخصيته اجتماعية تقف عند أوامر الله تعالى ونواهيه في السلوكيات عامة وكيفية المعاملة مع الناس، فمن هذا الأصل الكبير من أصول العقيدة الإسلامية تتفرع الأخلاق الاجتماعية التي يتحلى بها المسلم التقي المرهف في سلوكه، وعلى هذا الأساس المتين يقيم المسلم الصادق علاقاته الاجتماعية مع الناس، فهو صادق مع الناس جميعا، لأن هدي الإسلام الذي تغلغل في كيانه علمه أن الصدق رأس الفضائل، وأساس مكارم الأخلاق، وهو بالتالي يهدي إلى البر المفضي بصاحبه إلى الجنة، في حين يهدي الكذب إلى الفجور المفضي بصاحبه إلى النار، فمن هدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه يدعو إلى التحلي بعادة الصدق والحرص عليها، كما يحذر من الكذب وينفر منه لكي يزرع في القلوب كراهية عادة الكذب فتكون عاملا مساعدا للتربية وتأصيل عادة الصدق في نفوس أفراد المجتمع المسلم، ذلك أن المجتمع الذي تسود فيه عادة الصدق تقوى فيه الروابط الاجتماعية وتحفظ الحقوق وتصان العهود، ومن هنا تظهر حاجة المجتمعات إلى التحلي بخلق الصدق والعمل على تنمية هذه القيمة وتعويد الأبناء وتدريبهم عليها في الأقوال والأفعال.
فعن عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، : (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن العبد ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن العبد ليتحرى الكذب حتى يكتب كذابا )متفق عليه، فالدين الإسلامي، دين القيم والأخلاق، قد اهتم بتثبيت هذا الخلق في نفس الطفل فهو يراقب تصرفات الوالدين مع الطفل وذلك لتجنب وقوع الوالدين في رذيلة الكذب على الطفل، ويضع قاعدة عامة في الشرع الحنيف، أن الطفل إنسان له حقوقه في الحرص على التعامل الإنساني معه، ولا يجوز للوالدين خداعة بأيه وسيلة كانت، والتأكيد على تأصيل القيم والأخلاق في نفس الطفل من خلال السلوك العملي الذي ينتهجه الوالدان في تربيته، فعن عبدالله بن عامر، رضي الله عنه، قال (دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا قالت: تعال أعطك، فقال لها رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: وما أردت أن تعطيه؟ قالت: أعطيه تمرا، قال: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة )رواه أبو داود.
إن تربية الصدق في نفس الولد وفي نفس كل مسلم كان رجلا أو امرأة، تؤدي إلى ضبط السلوك الفردي فتكفه عن الألفاظ والأعمال، التي لا يقبلها المجتمع المسلم، كما تشجعه على القول السديد لكي يعيش في أمن مع أفراد مجتمعه فيستطيع بذلك أن يكتسب محبتهم واحترامهم، فإن الله سبحانه وتعالى أوجب على المسلمين الصدق والتناصح في جميع شؤون الحياة، وحرَّم عليهم الكذب والخيانة، وما ذاك إلا لما في الصدق والتناصح وأداء الأمانة من صلاح أمر المجتمع والتعاون السليم بين أفراده، ولما في الخيانة والكذب من فساد أمر المجتمع وإيجاد الشحناء والتباغض بين الجميع.
إن الصدق أساس الخلق الفاضل والمجتمع المترابط، كما أن الصدق سبب لنهضة المجتمع وتقدمه وتماسكه، فإن تحري الصدق في جميع المواقف يدفع عن المجتمع المسلم غائلة الظنون لتبقى الحقائق راسخة لا يغشاها ظن أو ريب ما دامت عادة الصدق تسود سلوك أفراده، فالشرع المجيد لا يؤسس أحكامه على الظن الواهم، بل يحتم وضوح الحقائق، وهو بهذا يرسي للمجتمع الإنساني الأسس التربوية والأخلاقية التي تضمن أن تسير فيه الحياة في ثبات واستقرار، إن عادة الصدق دعامة أساسية في خلق الولد المسلم، وصبغة دائمة ثابتة في سلوكه، علاوة على قوة إيمانه ويقينه، وأما الكذب فهو رذيلة تنبئ عن تغلغل الفساد في نفس كل كذاب أشر كما تنبئ عن سلوك معوج شاذ، وحيث إن البر كلمة جامعة لأبواب الخير والفضل، لذلك فإن الصدق من أسباب البركة في المعاملات، وأن الكذب والغش من أسباب محقها.
إن قيمة الصدق في حياة الإنسان قابلة للاكتساب، قابلة للتنمية والترسيخ عن طريق التدريب العملي، والذي يتحرى الصدق لا يسمح لنفسه بأن يلقي كلاما دون ترو أو بصيرة، لأنه يحرص على الصدق ويتحرى بإرادته الجازمة الصدق في أقواله وأعماله، لذلك يجب على الجميع التواصي بالصدق والنصح وتقوى الله في جميع الأمور، لأن في ذلك سعادة الدنيا والآخرة وصفاء القلوب وصلاح المجتمع.