(4)
" إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين "
مكة موضع للناس من قبل آلاف السنين وهي المكان المناسب ؛في حين كانت تقاطع طرق القوافل التي تسافر من وإلى الشام في رحلة الشتاء, ومن وإلى اليمن في رحلة الصيف كما هو واضح في السورة الكريمة .. مكة لها أكثر من اسم وتعدد الاسم في ذلك يدل على أهميّة الشيء ومكانته بكة.. أم القرى.. تقع في منطقة مهمة جداً حيث أنها المحور الحقيقي للكرة الأرضيّة وسبحان الله في ذلك إشارة واضحة إلى أن البيت المعمور الذي في السماء يوازي مباشرة الكعبة المشرّفة التي بدورها تتمركز بيت الله الحرام في هذه العاصمة المقدّسـة..
مكة تنقسم إلى قسمين : القسم الأوّل: هو المسفلة والتي تضمّ بين جنباتها بيت الله الحرام وشارع الستين الحالي وحارة "العبيد" المذكورة آنفاً.. المسفلة هذي أعرفها جيّداً فهي تحوي أحياء عشوائيّة رغم العمران الآخذ بالتطـوّر على بقايا العمران العثماني الآخذ بالتلاشي.. القسم الثاني: المعلاة؛ وهذه المعلاة لم تشهد أي نموّ عمرانيّ سوى في العشرين سنة الماضية وكانت تضم بين أوديتها العزيزيّة- شارع الحج- وما وراءه .. شهدت مكة التطوّر في عهد الملك خالد بشكل ملحوظ في عام 1402 هجريّة واستمرّ ذلك ؛ لكن ما حدث معنا هو أنّ هذا المكان بالذات من بين الأماكن كان وجهة وقبلة اكثر من مليار مسلم على الرّغم من الاهتمام كان ينصبّ عليها في شهرين فقط من السنة كاملة.. كانت تستحقّ اكثر من شهرين في السنة الهجريّة, مكة وكما يقال حرّها حرّ وقرّها قرّ تشتهر طوال السنة بالأجواء الجافة والحارة وفجأة يدخل البرد القارس كلص ثم لا يلبث طويلاً لكنه بالتأكيد يترك أثره من زكام.. تشقق في الرجول واليدين.. بشرة جافة......
مكة مدينتي التي أحببتها رغم الأشياء الكثيرة التي تنقصها , أنا لا أطالب بالمطاعم فالمطاعم هذه الأيام تنتشر كالنّار في الهشيم > على فكرة شارع العزيزيّة العام كان يسمّى بشارع الرّز ومناسبة ذلك أن الطلاب حينما كانوا يخرجون على طول على المطعم رز رز رز رز رز<
مكة مدينتي رقم 1 وبعدها تأتي المدن الأخرى المرتبة حسب العراقة والأصالة والتراث ( ما علينا ).. المهم أنا أحب مكة رغم انه ناقصها أشياء مثل الميترو .. والمطار .. وأشياء أخرى... أنا أسكن في الشق الآخـر المسمّاة بالمعلاة ولي فيها ذكريات كثيرة أحتفي كل ليلة وخاصّة اذا الكان البدر ضيفاً . هناك مقولة يردّدها البعض عن سكّـان مكة ووصفهم بأنهم أنذال وخسيسين ولا يؤدون العمرة أو الحج ولا عمرهم صلوا في الحرم , وردهم هو أنهم داخل الحرم أصلاً ولا يحتاج أن يزاحموا الحجّاج وهم – على حسب قولهم – لا يمتنعون عن خدمة الحجاج وتلك مهنتهم الأولى وهم المطوّفين وهم أهل لضيافة الحجّاج وهم يفخرون بكلّ تأكيد بخدمة الحاج ولا يمتنعون عن أخذ مقابل عند الحاجة في ذلك..
وحدي في هذا المكان الذي يحيطه الجلال أنتقل بين الحارات وأبحث عن من سكنوا فيها من السّكان الأصليّين وتاريخهم الوثيق ومن هاجر منها .. أبحث عن تاريخ قبائل جرهم التي استوطنت هذا المكان المهمّ وأتعجب , وقبلهم النبيّ الخليل ابراهيم عليه السلام وكيف سكن بهذا الوادي وكيف ترك زوجته وابنه اسماعيل وكيف بحثت أمّه عن الماء وهي اعرف أنّه لا ماء لكن كانت هناك سماء وماهي الا الإيمان الذي فجّر الينابيع الباطنيّة.
وحدي أتنقّل وأفكّر كيف تعاقبت الدويلات من قبل الإسلام وصدر الإسلام والدولة الأمويّة والعبّاسيّة....... وأخيراً الدولة السعوديّة الثالثة , نحن الآن في أبهى فترة وتجلّياتها واضحة في قائد الإنسانية الملك عبدالله بن عبدالعزيز , قاد المسيرة بحكمة تلخصت في هذه المنشآت ؛ توسعة الحرم لما يربوا عن عشرين من عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم حتى عصر الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. لا بد أن ذلك كلّف طاقات هائلة وأموال وعقول ليست بالبساطة بحيث لا نبالي بما حدث يجب أن نحتفي بما يحدث أمامنا من تطوّر لأننا نعيش أبهى فترة على مرّ العصور والتاريخ يتحدث ويشهد على ذلك.
مكة مدينة حديثة عصريّة تمتد مساحتها على طول الساحل الغربي للملكة العربيّة السعوديّـة ويحدّها شمالاً الحدود الشماليّة وجنوباً اليمن ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من المليون ونصف وتعتبر من أهم المدن السّعوديّة الرّئيسيّة وتضم قطاعاتها أكثر من مدينة مثل الطائف .. جدة .. والمدينة .. ومحافظات أخرى. أهم أوديتها وادي فاطمة وجيولوجية المدينة جبليّة تتخلّلها أوديـة وفي ذلك المثل الشهير الذي يقول: أهل مكّـة أدرى بشعابها ؛ كناية عن أن مكّـة ذات جغرافيّة جبليّة ملتوية.. هناك مثل عالمي عن لفظة ( مكة ) يطلق على أي شيءٍ قبلة للنّاس أو مقصد بأنه ( مكتهم ) .
يبدو أنّنا نسينا أو تناسينا صديقنا النّاصر جمعان , لا نحن لم ننسه , فهو لا زال كما هو .. بالمناسبة يبدو أننا أمام شفتات في الزمان والمكان هذا ما يجدر بكم أن تأخذوه في الإعتبار حتى لا تصبح القصة لديكم غامضة أو ركيكة , هذا ما أريد منكم أن تفهموه نحن أمام فترات متقاطعة بعضها يأخذ بتلابيب بعض .. جمعان يعيش في نهاية القرن الرّابع عشر أي في نهاية فترة حكم الملك فيصل رحمه الله >> يعني هو من الجيل القديم اللي كانوا يحبّون يسمعون الأغاني الشعبيّة أمثال عيسى وبشير شنّان << كان معاه فيديو قديم مصدّي وأشرطة فيديو كاسيت يشاهد الأغاني والرّقص<< ما علينا نرجع إلى محور حديثنا ونقول :
أغلب شباب مكّـة المكرّمة إن لم يكن كلّهم لو سألتهم سؤال بسيط وبدهيّ: ماذا تعني كلمة ( مكّـة ) ؟ لأجابك بأنك متفلسف أو أنّه ليس لها معنى!!! في الحقيقة من الصّعب جداً أن نتتبّع معنى كلمة مكّـة لسبب وهو أنّه ليس هناك مراجع حقيقيّة ودقيقة تؤصل معنى الكلمة لذلك تجد من يرجع المعنى لتأويلات أو هناك من يستخدم خاصيّة الأصوات التي تؤصل اللغات فيقول لأنه كان هناك طير يصفر بطريقة معيّنة أو لأن مكّة تمكّ الجبّارين .. إلخ.....
تشتهر مكّة بالعمران فتجد الجامعات والكليّات والمستشفيات والبنوك المصرفيّة على أحدث ما يمكن وصفه.. فما يحدث في الغرب تتابعه مباشرة على الشّرق هناك نظام الاتصالات والبريد وما يحدث الآن من إنشاء سكّة الحديد يربط مكّـة بالعالم الداخلي والخارجي ما هو الا دليل على موضوعيّة كلامي. اذن أنا أرتاح في مكة ولا أرتاح في غيرها لا لسبب إلا أن هذه المدينة قد تكون تمتاز بأنها تجمع الأطياف المتعدّدة ولها أكثر من نسق اجتماعي فتجد هنا السّنّــي والشيعي والصوفيّ وحتى غيرهم... تجد العمالة البنجلاديشيّة تنتشر في كل المنطقة.. تجد الأفارقة قد كوّنوا إثنيّة وعرقيّة.. تجد الشّوام في منطقة معينة .. فهذا الخليط من التّعديات ظاهر أيضاً تميّـز مكّـة عن غيرها من المدن التي لا تقبل غير العنصر العشائري!
يتبع...