وشاية الغربة
مروا على باب المدينة عابرين سبيلهم
يستنطقون سنابل الجوعى
كأن ملامح الغرباء ليل مجدب
وكأن أرصفة المدينة
شرفة للعابرين إلى أقاصي الوجد
موشومون بالحمى
لهم صوت الخريف
يرتلون قصائد الموتى
وقداس الحياة .
***
مروا هنا ..
كتبوا على الجدران تاريخ الغزاة
وأوغلوا في الحزن
فوق رؤوسهم غيم من البوح المعتق بالسؤال
حكاية الآتين من سفر النبوءة
صورة الأنثى الخطيئة
والعراة الطاهرين
وما استكان إلى دروب الغي
من أشقاه موال النجاة .
***
مد عينيك كي تستفيق النجوم على أغنيات الصباح.
مد كفيك حتى تحيل التراب إلى جنة من نخيل مباح.
أسأل الروح عن حالة الراحلين ,ولملم ملامحهم من هجير الرياح.
أسكن الجرح , نافح عن المتعبين , وهيئ لهم وطنا في البطاح.
***
مروا
وصوت القادمين إلى المدينة موغل في الصحو
لا يجثو على الأرض اليباب
ولا تساورهم شكوك الظل
صوت أنينهم مطر
يشاكس سيرهم ولهٌ
ويقتاتون حشو الأرض
عطشى
يلبسون جلودهم
مروا على جسر الغياب
وضاجعوا رمل الطريق
محملين بوزرهم
كانوا حفاة.
***
مروا على باب المدينة
ليتهم قرؤوا جفاف الطين
أشرعة القوارب حينما يتعانق العشاق
لوحات الأساطير الرديئة
سحنة السمار حين تباعدت
خطواتهم نحو الغشاوة يرفلون
ثيابهم ورق من الشجر المحنط بالوصية
هاهنا مروا..
وغنوا للصبايا الفاتنات وأوجزوا..
" على جسر اللوزية .. تحت أوراق الفي .. هب الغربي ..
وطاب النوم ..و أخذتني الغفوية "
عزفوا على وجع القصيدة غربة المعنى
تقاسيم الحروف
وأجهشوا صمتا
كأن الريح أغنية الرعاة.
* * *
وجه المدينة غارق في التيه , ليس يليق بساكنيه , وقد تمارس في شوارعه الخرافة,
قد يغيب عن الحياة , وقد يلوك المخبرين , يخاتل السكرى,
يطهر رجس ظل الله فوق الأرض ,يمحو غربة الآتين من كهف الوشاية ,يتقي شرك الدعاء.
وجه المدينة ظلها المخفي ,ضوء حاسر ,وجع شفيف ,
حالة من رهبة المعنى , سراب موقن بالغيب ,حلم ماثل للطاعنين ,ومقفر من دونما غرباء.
* * *
مروا ..
تساورهم صلاة التائبين عن الخطايا
يغسلون وجوههم بالبؤس
يأتون المدينة حاسرين عيونهم ليلا
كأن الروح تحملهم " على جمر من الرغبات "
في أجفانهم سقم
وفي أصواتهم لحن الوفاة.
* * *
كفكف ألاه يا موقنا بالرحيل ولا تبتئس للجراح.
ضم كفيك من سوءة ..
واحتجب..
طهر الأرض من دمك المستباح.
هات برد البدايات ,
جمر النهايات ,
ما عللته السنين العجاف
وما شاكلته السنين الملاح.
* * *
مروا على باب المدينة
أوقفوا سرب الحمام
ورتلوا شعرا
وغنوا للصغار الغافلين عن الهوى ..
" شخبط شخابيط .. لخبط لخابيط , مسك الألوان ورسم ع الحيط "
وهادنوا الحراس..
مروا عابرين إلى فضاء مشرع للغيب
لا معنى ولا كلمات.