عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-05-2010, 06:13 AM
الصورة الرمزية أحمد العدواني
أحمد العدواني أحمد العدواني غير متواجد حالياً
عضوية شرفيه خاصة
 






أحمد العدواني is on a distinguished road
7 حمــــلة أطهـــــر بقــــــاع الأرض

السلام عليكم

ترسخ في ذواكرنا مما نعايش ونشاهد ونقرأ ونسمع قصصاً ورواياتٍ كثيرة يحوي البعض منها جوانبَ وأبعاداً روحية نستلهم منها الدروس والعبر

لا زلت أذكر واستحضر قصةً وردتني على بريدي الإلكتروني وربما قرأها بعضكم ( سَرْدُها يُوحي بِصدقها ) عن رجلٍ من أهل الصلاح ( نحسبه والله حسيبه ) من محافظة جدة عرض على أحد أقاربه ( أظنه خاله ) الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء عمرة .. ووافقه .. يذكر من خلالها مشاهدتهما في طريق عودتهما لسيارة رابضة في موقع بعيد عن الطريق السريع الأمر الذي دعاهما للتوجه إليها لاستجلاء أمرها .. وحين اقتربا منها وجداها تقف بجوار مسجد مهجور .. مطفئة .. وأيقنا أن صاحبها داخل ذلك المسجد .. دخلاه .. ووجداه يصلي بعض النوافل ويناجي ربه .. شابٌ في مقتبل عمره تبدو عليه علامات الصلاح والتقوى والخشوع والخضوع .. تزامن حضورهما مع اقتراب دخول وقت صلاة العشاء .. التفت إليهما بعد أن فرغ من صلاته ومناجاته .. سألهما عما إذا ينويان الصلاة معه جماعة.. لم يترددا وأجاباه بنعم .. قبيل نهوضه للإقامة .. تبسم في هدوء وسكينة وأطرق ببصره مقدمة المسجد مخاطباً غيرهما ( ولا سوى الثلاثة بالمكان ) هامساً : ( إفرح بيصلي معنا غيرنا ) .. دُهشا منه .. من يخاطب يا تُرى ؟؟ .. أمجنون هو .. ؟؟ أإنسيٌ يخاطب جان ؟؟ من هول وغرابة ما سمعا آثرا التزام الصمت .. صليّا خلفه .. فرغ وفرغا من الصلاة .. قبل التفاته إليهما .. فجأة .. وفي صمتٍ ووجلٍ .. قاما .. تركاه والدهشة لا تزال تعلو محياهما .. خرجا من المسجد .. أصر الرجل وألح على قريبه بضرورة استجلاء أمر الشاب ومن كان يخاطب !! عاد إليه يسائله بالله بعد السلام عمن كان يخاطب ؟؟ تبسم الشاب .. ولم يرم إطالة أمد حيرة الرجل .. أتى جوابه غريباً محيراً بالفعل .. قال له : (( كنت اكلم المسجد واقله افرح جا من بيصلي معي فيك )) .. دُهش الرجل .. يخاطب جماداً !! هل يشعر .. هل يسمعه وهل يجيب ؟؟ جلس إليه .. سأله عن حاله وسبب اختيار هذا المسجد البعيد المهجور للصلاة والتسبيح فيه .. فأتاه جوابٌ آخر أكثر غرابة وحيرة وربما بما لم يسمع بمثله من قبل .. قال له :
منذ زمنٍ بعيد وأنا أتعاهد المساجد المهجورة على الطرقات والبعيدة عن العمران بالزيارة لأعمرها بالصلاة والذكر .. الــــــــــخ تلك القصة العجيبة المؤثرة .

قصةٌ آسرةٌ للألباب ، سالبةٌ للمُهج .. تتسامى بها الأرواح وتطيب لها النفوس .. تحكي بل " تُزكي " واقع شابٍ غبطته والله .. وأظنكم فعلتم .. فكم سينال من أجر ( بعد أمر الله ) بإعمار بيوته بالصلاة والذكر سواءً كانت مهجورة أو حية.. ولأن قصةً مثلها لا تبرح مخيلتي .. فقد كنت في سفر من الباحة إلى جدة " براً " مساء يوم الخميس الفائت ( 15/5/1431 هـ ) و قد أدركتني صلاة المغرب في محافظة المندق بعد زيارة قريب بمستشفاها فصليتها .. انطلقت بعدها في رحلتي .. وحين اقترب وقت صلاة العشاء ظللت ألمح المحطات والمساجد على الطريق ويفوتني لسرعة مسيري بعضها لحين فرغ أغلب المصلين من صلاتهم .. ولم أدرك إلا المسجد الواقع قريباً من التحويلة المشهورة ( أظنها في بوا ) على طريق الباحة ـ الطائف .. أوقفت السيارة .. كنت على وضوء .. رأيت المسجد مقفلاً .. فرجوت أن أنال أجراً كما نال ذاك الشاب أو عُشر أعشاره .. دخلت ساحة المسجد أحمل في يدي " قارورة " ماء صغيرة تمضمضت ببعضه وحملت باقيه معي .. فتحت باب المسجد .. ووالله ولولا أنني هممت ونويت إقامة شعيرة الصلاة وفرضها ساعتها لعدت أدراجي .. ساورتني شكوك في كوني دخلت مسجـــــــداً !! .. رائحةٌ كريهة لا توصف .. أين .. ؟؟ في بيت من بيوت الله !! ليست رائحةً طارئة وبسببٍ عارض آني كما ظهر لي .. بل هي ـ وبلا ريب ـ حال ذلك المسجد الدائمة .. تجاسرت .. كتمت الأنفاس .. صلّيت ركعتي العشاء ( قصراً ) وركعة وترٍ بعدهما .. وأنفاسي تكاد أن تتقطع .. عوضاً عن خشوعي في صلاتي واستحضاري أركان وواجبات الصلاة وما أتلو من آيات الذكر الحكيم وأقوال الصلاة ولوازمها .. تشتت بي ذهني .. أُعاجلُ في صلاتي دون شعورٍ مني ( وأستغفر الله على ذلك ) .. رائحةٌ لا أبشع ولا أسوأ ولا أقذر منها .. هي وصفاً .. كما رائحة مكان مغلقٍ عديم المنافذ والفتحات يرتاده باستمرار زرافات بشر وتتداخل وتمتزج فيه روائح أجسادهم وعرقهم وغيرها.. خرجت مسرعاً أرمل في خطاي .. عند باب ساحة المسجد . استنشقت شيئاً من الهواء كمدركٍ حياةً بعد موت .. هممتُ المضمضة بمائي لأخرج شيئاً من جوفي كاد أن يفتك بي .. وما إن ولج الماء فيّ حتى داهمتني حالة غثيان وقيء حاد كاد حلقي جراءه يتمزق.. وأخرجت ما بجوفي من ماءٍ وزاد .. " أكرمكم الله "
استقليتُ سيارتي .. آسفاً حزيناً على حال من يُفترض بها أن تكون أطهر بيوت الله وأنقاها وأجملها وأزكاها رائحة ..

أعلم يقيناً أن ما تعلمناه في شرعنا الحكيم عن طهارة بيوت الله بين منازل الأرض جميعها يحمل معانٍ عن طهارة روحية معنوية قبل أن تكون حسية مادية .. فهي منازل لقاء العبد بربه وتمريغه جبينه بين يديه متضرعاً داعياً وهي مدارس الوحي ومرابط العبّاد وأهل التقوى .. لكنها لعمري لو وجدت ـ وهي صفوة الدور والمنازل ـ عباداً مخلصين لربهم وأخراهم كما إخلاصهم لدنياهم وتفانيهم لها .. لما باتت بمثل تلك الحالة الكوارثية المزرية خاصة في القرى والهجر وعلى الطرقات .. فيا ربي عفوك .. ويا ربي لا تؤاخذنا بسهونا وغفلتنا وتقصيرنا واجعلنا ممن يحفظ لبيوتك حقها وقدرها وأن نمنحها ولو اليسير مما نوليه منازل دنيانا الفارهة الفانية .

ألـــمي وأسفـــي ..

وأملي ورجواي منكم إخوتي ـ وبعد إذن إخوتي في الإدارة وفريق العمل ـ أن نتبنى من خلال منتدانا هذا حملةً كبيرة واسعة للحفاظ على بيوت الله زكية نظيفةً نقيةً طـــــــاهرة القدر الحسي والمادي في ظل تقصير القائمين عليها ( على مختلف الصعد ) لنحرك فيهم ما سكن ونحيي الضمائر ولنشرك العامة أمرها كي تلبس حلة طهارة كاملة يرضى الله بها علينا ويأجرنا عليها .

**

تحياتي وأسفي على الإطالة

**

أحمد العدواني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي