موضوع جميل ويستهوينا لطرح الآراء حوله
بداية جواباً على سؤالك أخي الكريم فالقناعات الشخصية تختلف منها ما هو في أمور الدنيا المباحة وتعاملات البشر فيما بينهم ومنها ما تعلق بأمرٍ شرعي يحتاج لدليل من الكتاب والسنة أو بقية مصادر التشريع وكلنا نعلمها
فمثلاً حين تطلب قناعتي حول أيهما أفضل سيارة مرسيدس أو ليكزس حتماً لن أحتاج لدليل شرعي لأقنعك بايهما أفضل بل خبرتي ومعلوماتي عن السيارات
لكن حين تسألني عن حكم قصر وجمع الصلاة في سفر لمسافة كذا أو حكم البيع الفلاني أو غيرها من أمور لها ضوابط وأحكام شرعية فلا بد لي أن أحيلك لدليل شرعي ظاهر معلوم أو أمتنع عن الإجابة لجهلي وأنصحك بأخذها ممن تخصص في ( طلب العلم الشرعي ) وعلم عنه علمه وثنيه الركب لطلب العلم مقلداً كان أم مجتهداً وهو الأكفأ والأقدر ليجيبك ، تماماً كما طبيب العيون هو الأجدر والأكفأ ليجيبك عن ما يجب عليك عمله والقيام به وتناوله للتخلص من مرضٍ معين ذا علاقة بالنظر
ووفقاً للأمثلة أعلاه أرى ضرورة التذكير بمقولة تمثل التصور والنتيجة المتوقعة لكل من تصدى للخوض في أمرٍ لا علاقة له به :
" من تكلم في غير فنه أتى بالعجب "
وللأسف نرى كثيراً في عصرنا هذا من أقحموا أنفسهم فيما لا علاقة لهم به لا من قريبٍ أو بعيد ويخوضون في أمور الدين بغير علم إما لأهواء شخصية أو لمجرد مناكفة ومعارضة تيار معين بزعم تمثيله هو لتيار مضاد .. وهذا لعمري ما أوصلنا لما نحن فيه من فوضى ..
أخي أبو حسام لم نسمع بأن شيخاً أو طالب علمٍ شرعي أفتى في نوعية علاج بعينه ينبغي لمريضٍ تناوله ولا في كمية سمادٍ ينبغي وضعها للنبات لأنهم يحترمون التخصص ويقفون عند حد ما ألزموا أنفسهم كعلماء دين بالوقوف عنده
أخي سام تقول :
وأستغرب هذا الكلام ومن رجل بقامتك الفكرية ، نعم الإفتاء لنا أهل السنة وفي جميع البلدان والأقطار مناط بفئة معينة هم أهل العلم الشرعي وعلماؤه ممن أفنوا سني عمرهم في تعلم القرءان وتفسيره وكتب الحديث وسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، ولا أخالك لو وفقك الله لأداء فريضة الحج وشككت في تقصيرٍ في أداءك أو نسيان لشعيرة إلا البحث عن أحدهم ليفتيك وينطبق الأمر على كل شؤون حياتنا المضبوطة بحكم شرعي .
أما وجود علماء خارج أرضٍ لم تطأها قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا قولٌ منكر منك ، فالعلم شرعيٍ أو غيره لا وطن له وطلابه لا يلزمهم مجالسة ومخالطة رجال من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تابعيهم أو تابعي تابعيهم أو غيرهم فما دون من كتب وما نقل عنه صلى الله عليه وسلم من وحي ربه أو فعله وقوله وإقراره وبتتبع أسانيده وتواتره وصحتها يثبت الدليل الشرعي ونكون متعبدين لربنا بالإلتزام به إن كان ثابت وقاطع الدلالة أو البحث له عن تفسير في السنة لدى أهل العلم الذين أخذوا علمهم بالنقل من جيل لآخر وصولاً لجيل الصحابة ، عدا ما وقع وطرأ في قرون متأخرة من أمور لم تكن على عهد الرسول والصحابة فيلزم المسلمين حيالها العودة لورثة الانبياء كما وصفهم النبي الأكرم فهم وحدهم من يتصدى للفتيا حيالها وما ينبغي للمسلم
تقول أخي سام أيضاً :
وتلميحك واضح ، لكنك ربما نسيت أن أكثرهم رواية وهو فخر قبيلتنا قادم من أرض دوس ولم يعب عليه أحد ذلك بل غدا مرجعاً في نقل الوحي النبوي من رسول الله وغيره كثر كأبي موسى الأشعري وجرير بن عبدالله وابن مسعود وغيرهم فهم لم يكونوا من أهل مكة ولم يظهر من أهلها من ينكر عليهم طلبهم العلم الشرعي على يد رسول الله ويزعم ضرورة أن يختص به القرشيين من الصحابة أو الهاشميين ، وبتطبيق هذا الأمر على ما أتيت على ذكره وبتوسيع الدائرة تخفت حجتك .. كما غدا رضي الله عنه وغيره من الصحابة من اختصهم الله برفقة الحبيب المصطفى واخذوا عنه أمور الدين مناولة وسماعاً هم المرجع الأساس لكل أئمة الإسلام من أهل السنة بداءً بمالك ومروراً بالشافعي وأبي حنيفة وابن حنبل والمجددون كابن تيمية وابن القيم وأصحاب الصحاح والسنن وغيرهم حتى زمننا هذا ..
إخوتي أحمد بن حنبل وابن تيمية والبخاري ومسلم وغيرهم كثر من رموز أهل السنة من أهل العراق وبخارى وفارس وأئمتها جابوا الأمصار ومراكز العلم في زمانهم كبغداد والبصرة والكوفة ودمشق ومكة والمدينة مشياً أو على دواب لجمع أحاديث رسول الله وأخذ تفسيراتها من الصحابة أو تابعيهم والتزموا بها ثم كانت لهم آراء شرعية فيما اختلف فيه أهل زمانهم مردها تبحرهم في كتاب الله وسنة نبيه وسار على نهجهم أئمة وعلماء أهل السنة في زمننا هذا وقد يسر لهم على عكس سابقيهم المساجد والجامعات والمكتبات وحالياً ثورة التكنولوجيا .. ورغم ذاك جميعه فسيظلون مرجعاً لكل من ألزم نفسه باتباع نهج خير البرية والتوجيه الرباني خاشياً ربه راجياً عفوه متقرباً بعلمه .. قال تعالي : (( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )) صدق الله العظيم
وقال صلى الله عليه وسلم " قال رسول الله :
"العلماء ورثة الأنبياء وإن الانبياء لم يورثوا ديناراً أو درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"
بعد ذاك جميعه فمن أين لنا أخذ امر دنيانا فما أشكل علينا ؟؟ وهل من الهين الخوض في أمر كهذا ومحاولة التشكيك في قدرة أولئك العلماء وذممهم .. ومن نحن مقارنةً بهم وما قدموه للأمة ؟؟
وقبله لا أغفل التنويه أن رأيي أحصره فقط فيمن أعلم وتعلمون جميعاً أنهم علماء شرعيون حقيقيون ونثق بعد إرادة الله في علمهم وتوجهاتهم وليسوا من المدعين .
وفقنا الله وإياكم لكل خير
مودتي