يمُرُ كلٌ منّا طيلة حياته بمراحل عُمُريةٍ فيكون لكلِ مرحلةٍ سلوكياتها وتطلعاتها
وعند بلوغ كل مرحلةٍ يبقى لنا من سابِقَتِها الذكريات ونستفيد منها الدروس والعِبَر
فخلال المراحل الأولى من العمر تتحكم في كثيرٍ من شئون حياتنا عواطفنا القلبية وشهواتنا الغريزية
ومع تقدم العمرِ شيئاً فشيئاً تنضج العقول وتهدأ الشهوات وتتبوأ الحكمةُ في تصرُفاتنا مكانةٌ عالية
تُمَكِنُنا من إنزال كلِ ذي قدرٍ قدره ووضع كل أمرٍ في نصابه
إلا أنه مع تباين القدرات العقلية للبشر ومدى سلامة قلوبهم واختلاف توجهاتهم الفكرية
وما أودعهم الله من تمايز في قوّة الثبات على الطريق المستقيم والنهج القويم لحكمةٍ اقتضاها الله جل وعلا
يبقى أُناسٌ يتقدم بهم العُمرُ ويقبعون في الدرجات الدُنيا من سلّمِ الحياة وقد تتردى أحوالهم ويتدنى مآلهم
مستسلمين لشهواتهم القلبية وغرائزهم الجسدية
تراهم وقد أصدروا حكماً بعدم إعمال العقول إلا فيما يخدم شهوات القلوب
وغدا ذلك حالهم حتى غُسِلَت أدمغتهم بماء التقليد وأُشرِبت قلوبهم بسموم الشبهات
وما ذاك إلا من الإفراط في إطلاق العنان لأفكارهم المحدودة للتجرؤ على أحكام الله وحدوده
فلا تجد لهم شيخاً يثقون به ولا كتاباً شرعياً يستندون عليه
ووصل بهم سوء الحال إلى التطاول بنقد سنة المصطفى صلى الله عليه وسلّم
وربما لا يُمانع أحدهم في إبداء امتعاضه من بعض أحكام القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وإذا قيل لهم لا تُفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون نُريد تخليص الناس من الرجعية المُنغلقة والسلفية المتزمّتة ومسابقة أوائل الشعوب في مضمار الحرية المُطلقة حتى لو تخلينا عن شيءٍ من تعاليم الإسلام أو عن الإسلام كلّه .
فتجدهم بقدرِ ما يُطلب منهم من التنازُلات مستعدون لنيل شرف التحرر من كل ما خالف هواهم
وتوافق مع شهواتهم وانتهجه قدواتهم
ضناً منهم بأن ذلك هو السبيل إلى السعادة الأبدية
وركوناً إلى الدنيا وزُخرفها حتى وإن كان ما يطمحون إلية منكراً وفُحشاً
قال تعالى :
(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (79) القصص .
فتجدهم تارةً يُريدون تطبيق ما تردد في تطبيقه الغرب من نظريات الانحلال وانتكاس الفِطَر
وتارةً يُريدون استيراد ما عافه المجتمع الغربي من القيم والمبادئ وأثبت فشله حتى في تلك المجتمعات
الغارقة في وحول الانحلال والرذيلة .
وهنا نقول لهم مهلاً . .
من هم الرجعيون ؟ .. ومنهم المقتاتون على مخلفات الغرب ؟
أليس من يتهافتون على قيمٍ بدا لأربابها خورها وعورها هم المتخلّفون ؟
أليس من ترك إتّباع النهج القويم من رب العالمين هم الجاهلون ؟
إذن
كفّوا عن أسماعنا نعيق أبواقكم المأجورة
وارتقوا بما أودعكم الله من كمال المنهج الرباني
ليتحقق لنا جميعاً مفهوم السعادة في عاجل أمرنا وآجله
اللّهم إنّا نسألُك لأمة الإسلام التمكين والسؤدد