تكادُ تنتشر بين الناس ظاهرة النفور من الصدق ويُسيطر على قناعاتهم
الاعتقاد بأنه صفةٌ ملازمة للضُعَفاء وأصحاب الشخصيات العفوية
البسيطة المستساغ امتهانها والنظر إليها بشيءٍ من الازدراء أحياناً
والشفقة أحياناً أُخرى ، فيما لو أرجعنا ذلك الأمر للتوجيه الرباني العظيم
والنهج النبوي القويم لعرفنا بما لا يدع مجالاً للشك بأنه مرضٌٌ اعتلت معه الفطر
السوية فأصبحت تنفُر من الصدق والصادقين وتميل كميلها عن الحق
إلى المتصنّعين والمراوغين .
. . .
وفي حقيقة الأمر أن النفس البشرية تتوق إلى القوّة والأقوياء
وتنّفُرُ من الضَعفِ والضُعَفاء
وافتَتَنَ العالم اليوم بهاجس الميل للشخصية ذات التأثير القوي ولفت أنظار الآخرين
دون الاكتراث بماهيّة هذه الشخصية وحقيقة المبادئ التي اعتمدت عليها
في اكتساب قوّتها .
فالأشخاص الأقوياء إما أن تكون قوّتُهم بُنِيَت على حقٍ يأخذُ في حسبانه
حقوق الله وحقوق العباد وإما أن تكون بُنِيَت على باطلٍ امتهن تلك الحقوق
في سبيل نيل قوته التي هي في حقيقتها ضعفٌ أُلبِس رِداءاً مُنَمّقاً
. . .
ونحنُ لا نُعيب على أحدٍ محاولة اكتساب صفات القوّة
ولكن العيب في الطرق الواهية والغير مشروعة في سبيل نيلها
واستخدامها بكل أنانيّة لتحقيق تطلُعاته على حساب مصالح الغير
. . .
ومن هذا المُنطلق يتجلّى لكلِ ذي لب البون الشاسع بين أولئك المراوغين
الذين يتّخذون الكَذِب وأساليب الاحتيال وسيّلةً لبلوغِ أهدافهم
وبين من يبحث عن القوّةِ في بالطُرُقِ المشروعة ليُفعّلها في بناء المجتمع
ويَضرِب لها في أعماق الحق أطناباً
ويؤصّل لها بين الناس فكراً يُستقى من معينه
في رعاية الله