الموضوع: حفلات العزاء !!
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-06-2010, 12:11 PM
عبدالله الدوسي عبدالله الدوسي غير متواجد حالياً
 






عبدالله الدوسي is on a distinguished road
افتراضي حفلات العزاء !!

حفلات العزاء !!
أحيانا في غمرة الجهل المطبق الذي هو ضد العلم والجهل المحبط الذي هو ضد الحكمة , تنقلب الموازين , وتتلون الاشياء بغير الوانها الطبيعية وتتسمى ايضا بغير مسمياتها الحقيقية , وبتنا نرى عجبا عجاب عندما يشاء الله ويسترد وداعة من ودائعه من الأهلين , وما يكاد يذاع الخبر حتى يتبارى القوم في نزق محموم , وتخبط مذموم , الى التنافس في إقامة عزاء المرحوم !! ويبدأ التخطيط والمشاورات قبل غسله ودفنه في الإعداد للولائم الدسمة التي ستقدم للمعزين على مدى ثلاثة أيام في الغداء والعشاء . ويفد المعزون من كل فج عميق , ليشهدوا في الواقع منافع لهم ومفطحات من شتى واشهر المطابخ , ويتوزع القوم الى جماعات تتنافس في أيها يحضر وليمة الذ وأشهى !! ويتحول العزاء إلى حفل باذخ وهرج ومرج وصياح وضحكات هستيرية , ولغط كثير , وسجاير ينفثها المدخنون وما أكثرهم , وترى القوم سكارى وماهم بسكارى ولكن عُباب الجهل شديد !!
أذكر ونحن في بيت أحدهم لنقل جدته التي توفيت بعد العشاء تقريبا وكنت صغيرا آنذاك , اننا حضرنا من أول الليل وبقينا في بيت أهل المتوفاة الى قرب حلول الفجر وذلك من أجل الصلاة عليها فجرا , وكانت ليلة لا تنسى , تحولت الى ليلة من ليالي العيد وسهرات البلوت بيد انه لا بلوت فيها , ضحك هستيري , وتعليقات وذكريات وحكايا قديمة يرويها هذا ويضيف عليها ذاك , ويضحك منها الجميع وترى دموع البعض من كثرة الضحك تلمع من بين دخان سجارته الذي ملأ المكان , لم يكن فيهم ابدا رجل رشيد بالرغم من اكثر من خمسة اشخاص من رجال التعليم !! ولم نستحضر لحظات الخشوع ونفيق من سكرتنا الا عندما قرب أذان الفجر , ونادى احد اقرباء المتوفاة أن حان وقت نقل الجثة الى المسجد , بدأنا نهلل ونكبر , بعد غفلة وغياب عقل ووعي وضمير , بل وأخلاق لمدة زادت عن خمس ساعات !! لقد كنا فعلا بلا اخلاق جميعا , بلا أدب لا مع الله ولا مع اهل المتوفاة ! وبدلا من أن يكون هناك تذكير بالموت واعتبار منه , وسماع ما يُسرّي من قول الله وقول رسوله , وسير الصحابة , تحول الجو الى ضحك ونكات ووقاحة لا نظير لها أبدا , وكنت آنذاك أحد اولئك الوقحين وإن كان صغر سني يشفع لي , ثم إنني كنت ارى نفسي من (غزية ) أتبعها في غيها ورشدها ! أو لنقل كان هذا حالي وحال القوم الى اليوم !!؟؟ ولكني بعد فترة افقت من غفوتي ونهضت من كبوتي , وعاهدت الله الا أعود لمثل هذا ابدا ولأامكث في بيت اهل مصاب اكثر من خمس دقائق أراها طويلة ايضا .. أما قومي فانهم في غيهم سادرون , وفي طريق الخطأ سائرون , وقد تلت تلك الحادثة حوادث كثيرة جدا شهدت نفس السوء وغشاها نفس الجهل المركب بنوعيه , ولا ترى إلا تكدسا لكل من هب ودب , القريب ذي الرحم , والبعيد ذي الحمم !! وما يغيض حقيقة إصرار القوم على البقاء والتكدس في بيت أهل الميت , يأ تون زرافات ووحدانا , ثم ماهي الا بضع ساعات حتى ما ترى الا صحونا لا تعد تحمل المفطحات وما يصاحبها احيانا من فواكه ومياة مبرده بالكراتين زيادة في الكرم !! يفعلون ذلك وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا , وإلا فإن الأصل في العزاء أن يحضر الشخص ولا يمكث اكثر من هنيهات ربما يشرب فنجان قهوة حتى دون التمر , وينصرف ولا يعود أبدا , وتجد عليه مسحة من الوقار والحزن و(الثقل ) , وإن كان من أولي العلم حدثهم بما يفتح الله عليه به , مما يعزي ويصبر ويقوي إيمان أهل الميت بالله وأن هذا قضاء الله وقدره الذي لا مفر منه ! أما القوم فلا يحلو لهم الا البقاء والتجمع الذي لابد ان ينتج عنه هرج ومرج وتجاذب في الحديث يبدأ عاديا ثم لايلبث أن يخرج قليلا قليلا عن المأمول والمفترض ليشمل أمورا بعيدة كل البعد عن أجواء العزاء والموقف المهيب الذي يجب ان يعطى حقه من الوقار والاحترام ! بل اقسم بالله إن أحدهم حدثني انه ذهب الى مخيم عزاء اقيم خارج العمران في إحدى المدن , وكان القوم في غيهم يعمهون , لدرجة ان ثلة منهم (يفتون بلوت ) بكل خسة ووقاحة وجهل وسوء أدب , لقد تحول العزاء الى حفله فعلا .. حفلة صاخبة , يتخللها كل ما يغضب الله ورسوله والملائكة والناس اجمعين !! بصراحة عادة (تفشل ) , عادة مخزية مخجلة , أتمنى أن نتوب منها وندعها , ونستبدلها بالعزاء الذي سنه الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم , وأن يكون هادئا ودون تكلف نهائيا , ودون تكدس الجميع ليل نهار , وان يُتبع الهدي النبوي في هذا .. البعض يتصور أن أهل الميت لو تُركوا لوحدهم لتعلقوا بسقف البيت , أو لخرجوا الى الشارع يصيحون ويولولون فاقدي عقولهم , وهذا من الجهل , افسحوا الفرصة لأهل الميت يرتاحون , ومن أراد أن يبكي فليفعل متى شاء والى متى شاء , لا تفسدوا أجواءهم بضحكاتكم وصياحكم وسواليفكم الباردة السمجه ! ولنعتبر من الغير الذين يؤدون هذا الواجب كما يجب وبطريقة راقية جدا نتقزم أمامهم عندها ونحس بالفارق العظيم بيننا وبينهم , بل حق لنا أن نتوارى خجلا ! أعلم أنني قسوت كثيرا , ليس من بغض والله ولا من كراهة ..ولكن تفيض النفس عند امتلائها , إنها الغيرة على بني قومي في الجنوب عامة وفي أي منطقة أخرى فالحال للاسف "من بعضه" في كثير من مناطق المملكة بل إن زميلا لي من الشمال يخبرني أن البعض من " جماعة الربع هناك " ينتهز الفرصة لإقامة ولائم باذخه للقادمين من خارج المحافظة وترى وتسمسع عجبا من سيل التراحيب والتسابق على عزيمة القادم وكأنه حضر فعلا لحفل لزفاف وليس لعزاء وأجواء روحانية خاشعه !! , وللانصاف فإن هناك نماذج مشرفة جدا لقبائل تراعي حقوق ومراسم مثل هذه المناسبات وتتعامل معها بما يجب وفق الضوابط الشرعية وقليلا ماهم !
إن مناسبات العزاء لها قدسيتها التي تغيب عنا , ولكنها في ذات الوقت ليس لها تلك الأهمية البالغة المبالغ فيها والتي اعتنقناها وتصورنا أن من لم يعزَ يعد خسيسا مارقا ناقص الرجولة! لقد أوصى الشيخ إبن عثيمين يرحمه الله أهله ألا يفتح بيته للعزاء اذا توفاه الله , وقد تم وضع لوحة على باب المنزل بعد وفاته , تفيد بعدم قبول العزاء في الشيخ ! ترى لو أن أحدنا أراد أن ينفرد بنفسه ولايقبل عزاءا في عزيز لديه وأقفل بابه ماذا يمكن أن نقول عنه !! أتوقع اننا لن نحترم رغبته وسنسلقة بالسنة حداد ونلهب كرامته بسياط شتائمنا !
يخبرني أحد الأخوة من أبناء الساحل الغربي قريبا من جازان أن أحدهم وهم يدفنون ميتا أصر أن يستخف دمه , ويعبر عن وقاحته وسوء خلقه بقوله مازحا ( ترى لو اننا نسينا جوال مع الميت , هل سيكون هناك شبكة ؟ ومن سيجيب علينا ؟؟ فقال من هو أسخف منه واضل سبيلا : (يارجال معه اثنين يردون واحد على يمينه وواحد على شماله ) !!وهات يا ضحك وتعليقات , هذا وهم لا يزالون يدفنون ولما يفرغوا بعد , فأي سخف هذا وأي انحطاط وأي بلادة إحساس وتحجر قلب بل والله لربما كان هذا القول ضمن ذلك الذي اخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : يقول الرجل الكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا فتهوي به في النار سبعين خريفا ) !!
اتمنى من كل مشايخ القبائل إعتماد ماجاء فيه وتنبيه أفراد قبائلهم ألا يعودوا لمثله ابدا , وأن يستنوا بسنة الهادي البشير صلى الله عليه وسلم , فقط نحتاج شيخا شجاعا او فردا شجاعا (يعلق الجرس ) لينتهي هذا الامر المخجل الذي ينخر كرامتنا وشيمنا واخلاقنا نخرا عظيما مدمرا ’ وليتفرق القوم كل الى بيته بعد الدفن والعزاء في المقبرة , ويتركون اهل الميت مع اقربائهم ذوي الرحم فقط يتدبرون امرهم , ولديهم اولاد يخدمونهم أوجيران يمكنهم ان يصنعوا لهم طعاما متواضعا عاديا ان لزم الأمر , واليوم بفضل الله المطاعم عامرة بكل الخيرات والناس في خير , ومن يذهب الى بيت اهل المتوفي ممن لم يتمكن من حضور الدفن فليعزي ويخرج فورا ولا ينتظر حتى يكثر القوم وينفلت زمام الأمور , فينقلب الثواب ربما الى عقاب والخير الى شر , والعزاء الى سواليف اشد سخفا وتخلفا وبذاءة من سواليف (رقاعة سليم ) في العهد القديم !!!
سائلا الله ألايريكم مكروها في عزيز لديكم .
سبحانك اللهم وبحمدك ,, أشهد الا اله ألا أنت استغفرك وأتوب اليك !

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالله الدوسي ; 28-06-2010 الساعة 12:39 PM.
رد مع اقتباس