[الفقار]

هل الانسان هو تلك الجثة القائمة والهيكل المنتصب ؟ هل هو مجموعة الأجهزة والخلاياء واللحم والدم والعظم والعصب ؟
إذا كان كذلك فما أحقره واصغره ، إن الانسان روح سماوية تسكن هذا الجسم الارضي وسر من الملا الأعلى
في غلاف من طين ، وحقيقة الانسان هي تلك اللطيفة الربانية والجوهرة الروحانية التي أودعها الله فيه بها عقل يفكر وبها يشعر ويتذوق وبها يتدبر في الخلق وبها أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم لا لما فيه من حما مسنون
وطين معجون قال تعالى : ( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حما مسنون ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين )
ذلكم هو الانسان روح علوي وجسد سفلي فالجسد بيت والروح صاحبه والجسد مطية والروح راكب ومسافر
فإن عرف الانسان قيمة نفسه وأدرك سر الله فيه وحكَم جانبه السماوي في جانبه الأرضي وعني بالراكب قبل المطية وبالساكن قبل الجدران وغَلب أشواق الروح على نوازع الجسد فقد صار ملاكا 0
ومن هنا فرض الله الصيام ليتحرر الإنسان من سلطان الغريزة وينطلق من سجن الجسد ويتغلب على النزعات والشهوات فليس عجبا أن ترتقي روح الصائم وتقترب من الملا الأعلى وتقرع أبواب السماء بالدعاء فيُستجاب لها 0


الشيخ يوسف القرضاوي ( جريدة المدينة العدد 16571)