عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 15-03-2011, 03:59 AM
الكمزاري الكمزاري غير متواجد حالياً
 






الكمزاري is on a distinguished road
افتراضي بيوت القفل ..سكن أهل الجبال أيام الشتاء



حين يختار الإنسان أن تستقر حياته بين الجبال عليه أن يمتلك قوتها وصلابتها، وأن يعرف صخورها؛ صخرة صخرة، وهكذا كان سكان مناطق الجبال في شتى أنحاء البلاد منسجمين مع طبيعة أرضهم يعرفون أسرارها، ويمتلكون مفاتيحها، كما امتلكوا مفاتيح بيت القفل الذي اختاروا بناءه من صخور الجبل ليماثلها قوة وأماناً. (الحواس الخمس) يتجول بين جنبات بيوت القفل ويتعرف إلى خصائصه وأسراره من أهله وسكانه.



وبيت القفل يمثل عمارة خاصة عرفتها قبائل الشحوح والحبوس التي سكنت رؤوس الجبال منذ مئات السنين؛ فتميزت بقوتها وقدرتها على الانسجام مع ظروف الحياة الصعبة، وطوعت المعطيات الجغرافية من حولها لتناسب احتياجات الأسرة الجبلية وتفاصيل يومها، ومن الطبيعي أن يأتي البيت في مقدمة اهتمامات صاحب الأسرة الذي يتوخى حماية أهله وتوفير المسكن المناسب لهم، لذا جاء بيت القفل ليكون مصدر الدفء المقاوم لبرد الشتاء وأمطاره. وحول حياة الجبال وماضيها يقول سعيد بن راشد بن رشدوه الحبسي كانت حياتنا مرتبطة بالجبل، نعيش ونعمل هناك، وكنا نبني بيوتنا في المناطق المرتفعة شتاء، ولا ننزل إلى السيح، إلا في الصيف، وكان الرجل يبني بيته من (الحصا)؛ أي صخور الجبال واللبن الذي يكون مصنوعاً من الطين المخلوط بالتبن، ويبنى سقفه من جذوع السدر أو السمر التي تقطع في مواسم خاصة لكي تكون مقاومتها للرطوبة وتغيرات الجو عالية جداً، ثم يوضع فوقها ورق الصخبر لحماية البيت من الرمة والحشرات.


وبعدها توضع طبقة كثيفة من الطين لمنع سقوط الأمطار، ويكون باب البيت من خشب السدر، ويبنى البيت في عمق الجبل، أو يحفر له في باطن الأرض ليوفر الدفء والأمان للعائلة؛ فهو مخصص للإقامة فيه في فصل الشتاء.


وكانت البيوت الصخرية تنتشر بين الجبال، ولا تكون متقاربة حفاظاً على خصوصية كل أسرة، حيث يقول علي بن زيد الحبسي، نائب رئيس جمعية الحبوس للفنون والتراث الشعبي برأس الخيمة مع وجود التواصل الاجتماعي والصلات الأسري كان الناس ينتشرون بين الجبال، ويبنون بيوتهم فيها، وكل شخص يعرف أراضيه التي ورثها من آبائه وأجداده، ولا يختلفون على المكان، وحتى الآن لايزال الناس يعرفون مواقعهم وجبالهم، والأسر المتقاربة تسكن في منطقة واحدة، وكانت متطلبات الحياة بسيطة تعتمد على الموارد القليلة التي كانت موجودة آنذاك).


أما بناء بيت القفل فيمثل قصة أخرى من قصص التلاحم والتواصل، إذ إن الناس تتعاون فيما بينها لبناء البيت؛ فلا توجد شركات بناء ولا أجور، بل كان الحماس يشتعل بين الشباب للتباري حول من يستطيع رفع الصخرة الأكبر، وهكذا كان التعاون يخفف وطأة الحياة وصعوباتها في ذلك الزمان.


ويحتوي بيت القفل تفاصيل حياة الأسرة البسيط، إذ توجد زاوية مخصصة لإعداد الطعام وتخزين كميات الحبوب البسيطة، إضافة إلى مكان المجلس الصغير وأماكن نوم الأسرة، وكانت وتيرة الحياة تسير بشكل منتظم فمع ساعات الفجر الأولى تستيقظ المرأة لتجهز الفطور المعد من خبز التنور، وتبدأ في تنفيذ مهامها الأسرية كجلب الماء ورعاية المواشي وحلبها وطحن الحنطة بالرحى هي الطاحونة التي تصنع من الصخور أو الحجر الصلب.


وتكون على شكل قرصين دائريين يركبان فوق بعضهما، ويحفر في محور القرص الأعلى حفرة يثبت فيها وتد معدني، وهي من الأدوات التي تستخدمها المرأة في بيتها بشكل دائم، وربما تعاونت نساء الأسرة على استخدام الرحى بسبب ثقلها وصعوبة العمل بها، وهي تسهم في تحويل الحنطة إلى دقيق لخبز التنور أو جريش يكون مناسباً للأطعمة المختلفة كالمقطع والهريس والعصيدة والخبيص وغيرها من الأطعمة التي يكون قوامها القمح.


وربما ذهبت المرأة إلى الجبل لجمع الحطب، والتقاط الثمار المتنوعة التي تنبت في الجبال والنباتات الطبيعية كالحماض والخس الجبلي وغيرها من الأعشاب، وكان الرجال يتولون مهمات السفر وجني العسل والبيع والشراء والرعي والصيد إضافة الى زراعة البر والفندال والرويد والبصل.


ويروي سعيد بن راشد بن رشدوه الحبسي قصة الكفاح الجبلية في الماضي قائلاً: كان الرجل بعد أن يبني بيته يزرع قربه الحنطة والشعير في الوعب، وهي منطقة خصبة مخصصة للزراعة، حيث يجهز المكان وتبدأ زراعته مع بداية الأمطار، ويكون هو مصدر الرزق الأساس للأسرة، إذ يقوم الرجل بجمع محصوله بعد أن يكون قد جففه ودقه وصفاه ليخزنه في الينز، وهو بيت صخري لحفظ الحبوب ليس فيه باب سوى فتحة صغيرة تكفي لشخص واحد، ويؤخذ من الينز كميات قليلة من البر تطحن لعمل خبز التنور الذي يسمى (سفاع)، وفي ذلك الوقت كان الناس قانعين بأرزاقهم وليست لديهم أطماع ومتطلبات كثيرة.


البيت الجبلي الشتوي يبقى راسخاً يتوسط الجبل وربما معتمداً على كهف من كهوفه، لكنه لا يصلح للسكنى؛ فالصيف حين تشتد الحرارة يغادر الناس بيوت القفل المرتفعة لينزلوا إلى الهضاب والوديان، حيث لا خوف من السيول والأمطار فتنبسط الأرض، ويبدأ العمل على بناء طراز معماري أكثر سهولة واتساعاً من سابقه، لكنه أقل قوة من سابقه، إذ يبني أبناء الجبال بيوتهم الصيفية (العرشان) من سعف النخيل التي تستند إلى قواعد من الصخور، وتسقف كذلك بالدعون، ويبنى العرشان على أماكن مرتفعة قليلاً .


وهي تنسجم مع موسم القيظ الحار، إذ توفر تهوية طبيعية تخفف وطأته، كذلك يستفيد أبناء الجبل من موسم الرطب الذي لا يكون بعيداً عنهم فيتوجهون نحو مقايظ رأس الخيمة وبساتين النخل القريبة منهم، لكن الرحلات الجبلية سيراً على الأقدام لا تنقطع لأن الجبل حليفهم؛ فهناك مواسم لجني العسل وصيد الطيور الأرانب والحيوانات التي كانت موجودة مع توفر الخصب والأمطار في المنطقة.


وأكثر ما يميز بيت القفل إضافة إلى عمارته الخاصة هو أن بابه يصنع من خشب السدر الذي يتميز بقوته الشديدة، إضافة إلى أن مستوى الحماية في هذا الباب عالية جداً؛ فهو لا يفتح إلا بأيدي أصحابة الذين يعرفون أسرار قفله، إذ تصنع مفاتيح تلك البيوت بطريقة خاصة يصل فيها طول المفتاح إلى الذراع، ويحفظ في مكان خاص يعرفه أهل البيت فقط، وإذا فقد المفتاح ولم يجده أهل البيت ليس أمامهم حل سوى كسر الباب وهي حالة نادرة جداً


جريدة البيان
2009-08-27

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
من بعد غياب عساف لامعنى لوجودي بالمنتدى


أخر مواضيعي
رد مع اقتباس