عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-12-2011, 07:04 PM
الصورة الرمزية نسيم السروات
نسيم السروات نسيم السروات غير متواجد حالياً
مراقبة التراث وسوالف الاولين
 






نسيم السروات is on a distinguished road
افتراضي عادات وتقاليد زهران الحلقة الثالثة ( عادة الشكدة )





وما نود أن نتطرق إليه عزيزي القارئ عادة من العادات القديمة التي سبب اندثارها خللاً في الأنماط الحياتية والسلوكية في المجتمع ولكنها كانت عادة جميلة وكان أجمل ما فيها:

1. إنها تدخل البهجة والسرور إلى نفوس الأطفال فلتهج ألسنتهم بالدعاء بالخير والبركة.

2. تدخل البهجة السرور إلى قلوب الكرماء الذين جادت أنفسهم بما أرض أولئك الصغار ما يجعل الكريم يستبشر خيراً بدعائهم ويتوجس البخيل خيفة من صدهم وكسر نفوسهم .

3. والأهم من هذا وذاك إن ألازمنه في ذلك الحين كانت صعبة للغاية وكان الناس ينتظرون موسم الحصاد بفارغ الصبر فقد كانت معظم البيوت خالية حتى من قوت ليله واحدة لذا فان هذا العطاء كان يشبع أفواها جائعة كانت تنتظره فتنام قريرة العين ولو إلى حين .

هذه العادة هي (الشكد) بضم الشين والكاف وسكون الدال وهو بمعنى إعطاء الأطفال نصيبا من ناتج المحصول الزراعي قل أو كثر من الجرين مباشرة قال صاحب لسان العرب ( الشكد : بالضم العطاء وبالفتح المصدر كشده يشكده ويشكد شكداً أعطاه أو منحه وأشكدة لغة قال ان سيده وليست بالعالية قال ثعلب : العرب تقول منا من يشكد ويشكم والاسم الشكد وجمعة اشكاد ) وقبل أن نأتي على طريق هذه العادة وأسلوبها نود أن نوضح هنا التوافق في المعنى والاختلاف في النطق بين لهجة أهل السراة في غامد وزهران وبين ما ذكره صاحب لسان العرب فالجمع عند صاحب لسان العرب (أشكاد) بينما الجمع والمفرد هنا سواء فيقولون للجمع (شكد) بضم الشين والكاف وإسكان الدال ولم نسمعهم في تخاطبهم يقولون للجمع (اشكاد)

وفي صيغة الماضي يقول صاحب لسان العرب (اشكدهم) بإضافة حرف اللف وإسكان الشين وفتح الكاف والدال بينما يقولون هنا (شكدهم) بحذف الألف وفتح الشين وتشديد الكاف وفتحها .

وفي صيغة المضارع يقول صاحب لسان العرب (يشكدهم) بضم الياء وفتح الشين وكسر الكاف وتشديدها وإسكان



الدال..... وهكذا.

وعادة (الشكد) عادة قديمة يقوم بها الأطفال ولا تمارس الا في حصاد القمح والشعير وهو ما يسمى عندهم موسم الصيف. وإما في حصاد الذرة وهو ما يسمى عندهم هنا الخريف فإنها لا تمارس لسبب بسيط وهو أن محصول القمح والشعير عادة ما يكون محصولاً وفيراً ويداس في الجرين ويحضره عمال كثيرون . أما الذرة فإن محصولها أقل وعادة ما تستخلص الذرة من قصبها من جرن مقفولة وداخل المنازل لهذا يتعذر على الأطفال ممارسة هذه العادة.

والشكد عادة تقترب من عادة الأطفال في منطقة الرياض والمنطقة الشرقية قديما عندما كانوا يدورون على المنازل في أيام الأعياد لطلب العيدية. حيث أن الأطفال هنا يدورون على الجرن عند دياس محصول القمح والشعير ويطلبون (شكدهم) ويصاحب ذلك دعاء للمعطي ومنها قولهم بصوت واحد:

(عاد الخير... يحصل خير... عاد الخير ... يحصل خير... ).

يرددونها حتى يغيبوا عن الجرين وصاحب المحصول ينظر لهم بعين الرضا طالباً الله أن يبارك له فيما بقي له من المحصول.

أما الممتنعون عن إعطاء الشكد أما لبخلهم أو عدم اقتناع فإن الأطفال يشعرون بخيبة أمل عند طردهم وهذا يسبب لديهم ردة فعل عنيفة فيغادرون وهم يرددون بصوت واحد:

(حبة تصقع حبة... ولا يبقى ولا حبة... حبة تصقع حبة ... ولا يبقى ولا حبة)

يرددون هذه العبارات حتى يغيبوا عن الجرين وصاحب المحصول ينظر إليهم ويشتمهم ويتوجس في الوقت نفسه خيفة من دعائهم هذا.

وكلمة(تصقع) تعني أن تضرب حبه أختها حتى يحدث في كل منهما كسر يمكن السوسة من الدخول إلى جوف الحبة فتنخرها حتى تصبح رفاتاً لا يستفاد منها.

** يقول صاحب لسان العرب في معنى تصقع (صقع صقعة يصقعه صقعاً.... ضربه ببسط كفه إلى أن قال: وقيل الصقع ضرب الشيء اليابس المصمت بمثله كالحجر بالحجر ونحوه . وقيل الصقع الضرب على كل شيء يابس).

وقد يحدث بعض التصحيف فيبدلون القاف بالكاف (يصكع) ومن ذلك قولهم صكع الوتد في الأرض ، أي ضربه على رأسه حتى دخل الأرض.

يحكى أن أحد المزارعين البخلاء قرر تلك السنة أن يمنع الأطفال شكداً وكان يفكر في طريقة للتخلص منهم فلم يجد الحيلة المناسبة إلا بافتعال أزمة مع أولئك الصبية الصغار فلما حضر الأطفال يقودهم رئيسهم القي عليه السلام فتظاهر أنه قد خاف من صوت الطفل الجهوري عندها قال : لقد أخفتموني أيها الأطفال الأشقياء أغربوا عن وجهي فليس لكم عندي شكد، فذهب الأطفال وهم يرددون تلك العبارات التي لو علم تأثيرها لافتداها بأكثر من هذا الشكد.

ولما تذكر ما قام به الآباء والأجداد قديماً وافتقدناه هذه الأيام بسبب تغير نمط الحياة وسلوك الناس يبهج البعض بصفته جهداً كبيراً ومشكوراً تم رغم المعاناة الكبيرة من قلة الإمكانات مقارنة بإمكانات هذه الأيام ، وإرثا تجب المحافظة عليه ، ويغضب البعض الذين يرون هذه الأيام رغم أنهم لن يخسروا شيئاً مما كسبوه .

ولمن أستمتع بهذه العادات أو شارك فيها مثلى أقول:



تذكر ففي الذكرى وفاء لراحل

قضى عمـره يبني بناء محكما

تذكر فلن تخسر من الجيب درهما

ولن تلتقي ماض كئيبا ومظلما

ستلقي تراث الجد كالملح صافيا

وقد كان للباغين مـرا وعلقما

وعود شباب اليوم فالبر واجب

فمن ينكر الماضي تعيس ومعدم



ومن منا أيها السادة ممن كان له ماض مشرف ومساهمة بناءة في بناء الوطن لا يريد أن يذكره أحفاده ويفتخرون بما فعله ، وما متاحف العالم التي تزخر بالتراث إلا نوعا من الاعتراف والاعتذار بما فعله الآباء ويفخر به الأبناء.

فاللهم امنحنا الإيثار على النفس وجنبنا الهوى والنحس ، وبارك لنا في المأكل والمشرب واللبس ، وتب علينا وعلى والدينا في غدنا والأمس...



--------------------------------------
الاستاذ محمد بن زياد الزهراني –مجلة الباحة العدد 97


منقوووووووووووووووول .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
رد مع اقتباس