عرض مشاركة واحدة
قديم 20-04-2014, 11:44 AM   #40
عذبة الاوصاف
مشرفة مجلس الامارات
مشرفة القسم الرياضي
 
الصورة الرمزية عذبة الاوصاف
 







 
عذبة الاوصاف is on a distinguished road
افتراضي رد: (( مقـــــالات أماراتية محلية يومية في شتى المجالات ))

نظرية السطل....؟


بقلم / عوض بن حاسوم الدرمكي

الازدحام مزعجاً وللأسف معتاداً عند إحدى الدوارات والتي تصرخ كل شفةٍ مزمومة أو حاجبٍ مقطّب أو "هرن" لا يتوقف من المحشورين في ذلك الزحام بمن هو مسؤول عن حل هذه المشكلة ولكن لا يبدو أن الأمر يعنيه كثيراً.


خلال ذلك الوقت استرعى انتباهي يافطة عليها صورة اسطوانة إطفاء مكتوب تحتها: "وجودها دوم وحاجتها يوم"، ورغم أن رسالتها جميلة تشير إلى ضرورة أخذ الاحتياطات والاستعداد للمشكلات قبل وقوعها بحلول احترازية وقائية إلا أنها ذكرتني بمنهجية معهودة في الإدارة اسمها سياسة إطفاء الحرائق Fire Fighting Policy!


فترة وكنت بمعية ثلاثة من الشباب اللامعين والذين لا يجمعهم شيء بقدر أنهم نازحون من جحيم إحدى المؤسسات التي تتفنّن في تطفيش الموهوبين ومن قد يشكل وجودهم خطراً مستقبلياً على كراسي البعض ممن وصلها بطرقٍ لا تعد الكفاءة من ضمنها.
ولأن النفسية كانت حديثة عهدٍ بنَكَد ذلك الزحام وجدت نفسي أحدثهم عن فشل منهجيات إطفاء الحرائق وكونها محل تندّر في كل مؤسسات العالم الرائدة إلا لدى بعض مؤسسات العصر الحجري التي تتكاثر في العالم العربي في سياقٍ مقلوب عن بقية الدنيا وكأنها تريد نقض نظرية النشوء والارتقاء لداروين من أساسها، فضحك أحدهم .


وهو يقاطعني قائلاً: "هل سمعت بنظرية البالدي؟"، والـ"بالدي" لمن لا يعرفه هو السطل ولا أعرف سر تلك التسمية لكنها هي المتداولة في مدينة العين تحديداً، أجبته بالنفي وأنا ومن معي في لهفة لمعرفة تلك النظرية غريبة الاسم والتي يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها!


ببساطة كما ذكرها فإنّ نظرية البالدي تعني أن البعض خلال فترة سقوط الأمطار وعندما يبدأ السقف المتهالك أو رديء التشييد في السماح بنزول قطرات متتالية من المياه المتجمّع على السطح يعمد إلى إحضار سطل "بالدي" لتجميع قطرات الماء، وإن نزل الماء من مكان آخر أحضر سطلاً جديداً وهكذا.


فإذا ما توقف المطر وجف السقف أخذ السطل ورفاقه إلى المخزن بانتظار استخدامها عندما تعود الأمطار في الشتاء المقبل، دون أن يحاول إصلاح السقف ووضع مواد عازلة تقيه تلك التسربات.
وهو المعنى الأوضح لسياسة إطفاء الحرائق التي يلجأ لها بعض المديرين في التعاطي مع مشكلات العمل اليومية!إن من المؤلم أن ترى مؤسسات متفوقة وناجحة وذات صيتٍ يرافقه الثناء دوماً وقريباً منها تجد مؤسسات ذات عزف نشاز لا تغرّد خارج السرب بل لا تعرف تغريداً في الأصل ولا "يتنزّل".


ويتواضع من بها للتعلم من تلك المؤسسات المتميزة حتى لا يضيع "البرستيج"، لذلك، وتقليلاً للأضرار، تجد الوضع يبدو كالسُعار عندما تحدث مشكلة وبدلاً من التأني في معرفة مسبباتها وملابساتها وجذورها نجد تهوراً ومسارعة في البحث عن أي حل شكلي أشبه بمسكنات الألم، المهم ألا ينتبه أحدُ من كبار المسؤولين لما يحدث ويضعهم تحت مجهر المراقبة وتدور حولهم علامات استفهام.


لذا لم أستغرب عندما علمتُ أنّ أحدهم فور وصول تقرير جائزة التميز والذي حوى الكثير من الملاحظات ونقاط الضعف وبدلاً من أن يجمع معاونيه للعمل فوراً على التخلص من تلك السلبيات كان طلبه من عالم آخر وهو يسألهم كيف بالإمكان العمل على إخفاء تلك الأمور عن أعين الـمُقيمين في السنة المقبلة!


إن الحل لا يكون بمجرد التوجيه لهذه الفئة، فالتوجيه ينفع لدى من نجحوا بقيادة مؤسساتهم وما زالوا يتألقون معها، لأنهم دائمو البحث عن التجديد والإبداع وتجاوز طموحات العملاء والذين رأينا بعضهم يحصل بها على النجوم الخمس في خدمة العميل، أمّا جماعة "البالدي" فهم أضعف بكثير من أن يخلقوا فارقاً.


ومن كان سبباً في حدوث مشكلةٍ أو قصور لا يمكن منطقياً أن يكون سبباً في حلّها إلا برحيله، فالعالم سريع التغيّر والطموحات عالية وفي فورة تطوير العمل المؤسسي يبدو من ظلم الذات وأد بعض المؤسسات ومن بها من الموهوبين بالإبقاء على من لا يستطيع التفكير أبعد من قدميه، فلا قدرة لديه على استشفاف المستقبل والاستعداد لتحدياته، ولا إمكانيات تؤهله لتحليل المشكلات بطريقة منهجية سليمة وتوليد حلول وبدائل وسيناريوهات مختلفة.


ولا معرفة بأسس التقييم والمفاضلة بين تلك البدائل، بل ولا رؤية واضحة لأي مكان يريد أخذ المؤسسة إليه! من صميم سياسة إطفاء الحرائق ما يحدث من تهرب من مواجهة المشكلة بتشكيل الكثير من اللجان وعقد العديد من الاجتماعات والتي تنحرف توصياتها عن المطلوب فعلاً في بحثها عن إرضاء سعادة صاحب السطل بحلولٍ مسكّنة ومشوهة وشبيهة بسياق الوضع الحالي ولا تجرؤ بالخروج عنه حتى لو تغيّرت المعطيات حول ذلك الوضع وتبدلت الظروف التي تكتنفه وهو ما يسمى بنظرية تمرير السطل "أيضاً" Passing the Bucket، فهي تحركات لكنها ليست للأمام.


وهي مساحيق تجميل ولكنها ليست بحلول حقيقية، ولو تم توجيه الجُهد والتكلفة والوقت، المهدرة على هذه الـمُسكِّنات، بطريقة فعّالة لأمكن للمؤسسة أن تخطو خطوات كبيرة في سباق التميز وفي مواكبة تطلعات قطاعات المجتمع المحلي المنتفعة بخدماتها، ولئن كان التأخر في عمل الشيء الصحيح مدعاة للأسف والحسرة فما بالنا بمن يهدر الوقت في نقل السطل من مكان لمكان آخر!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
عذبة الاوصاف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس