[براااق الحـــازم]

دور الفن والصورة في تكوين الثقافة



ما يحدث هو إن الخطاب تحول من كلام إلى صورة في أبسط أشكال الكتابة وهي الرمز, والتي بدأت كعامل خارجي لتثبيت قيمة ما, وهنا أصبح النص مستقلا عن قصد الكاتب وكذلك الصورة فما يدل عليه النصان يتطابق مع إرادة من قاله او تخيله بنسبة مقبولة, وهنا سيكون للدلالة الشفوية , أي النصية او الدلالة الشكلية أي الصورة قدران متباينان في مقابلة ما تعنيه العلاقة بين الذات الفاعلة وناتج الفعل وأثره وحقيقة صورة الخطاب, أي أن هناك بنية ثقافية نشأة من علاقة خارجية تكونت من ثلاث محاور هي اللغة وفعل الكتابة أو التصوير والمعنى أو المضمون ,وهو الذي تشكلت معه فئات مستقلة من البشر لكل منها دينه وعاداته ولغته وطريقة عيشه.
أن الصورة لتكسر ذلك الحاجز الثقافي والتمييز الطبقي بين الفئات وسعت من دواعي الاستقبال وشمل ذلك كل البشر, لان استقبال الصورة لا يحتاج إلى إجادة القراءة وهو في الغالب لا يحتاج إلى الكلمات أصلا, إلى تداخل إمكانات التأويل الثقافي حيث صار مشاهد يستقبل ويفهم ويفسر ما يراه, دون حاجة إلى وسيط, ولم يكن هذا ممكن في زمن ثقافة الكتابة, حيث شرط التعلم وحيث وجود الكتاب وصي على النص. وهناك أربع صيغ تعبيرية مرت بها البشرية وهذه الصيغ التعبيرية هي مراحل مختلفة في التصور البشري, وهي مرحلة الشفاهيه, مرحلة التدوين, المرحلة الكتابية وأخيرا مرحلة ثقافة الصورة.

أن لكل مرحلة من تلك المراحل خصائصها المميزة والتي لا تزول بزوال المرحلة التي تليها, بل أن أثار من الصيغ تبقي وتضل فاعلة حتى مع ظهور صيغ جديدة.

وقد تتبع "دوبريه" تاريخ حاسة الإبصار في العالم عامة وفي الغرب خاصة, من عصور ما قبل الميلاد وحتى تتبع الشفرات (CODES) اللآمرئية للمرئي, والتي تحدد في كل عنصر حالة معينة للعالم أي ثقافة معية, كما تتبعها عبر العصور وربطها بالإبعاد والمتغيرات الدينية والسياسية والتكنولوجية, وقد قسم دوبريه تاريخ النظرة في الغرب إلى ثلاث مراحل ترتبط كل مرحلة منها باختراع محدد, الأولى بالكتابية, والثانية بالطباعة, وأخيرا بالتقنيات السمعية البصرية, وهو يسمى هذه المراحل تباعا:

1ـ مرحلة الخطاب أو الأصنام أو المنتجات الخاصة بعالم الرسم والصور, وتمتد من اختراع الكتابة حتى ظهور الطباعة.
2ـ مرحلة الكتابة ويربطها الكتاب بالشاشة الذي منذ نشأت الطباعة حتى ظهور التلفزيون الملون الذي يراه أكثر دلالة من الصور الفوتوغرافية والسينما.
3ـ مرحلة عصر المرئـيات أو عـصر الشاشـة الذي نعـيش فـيه الآن.

إن الفن والصورة يؤكدان الانتقال من مرحلة السحر إلى المرحلة الدينية ثم من اللاهوت الى التاريخ ثم اصبح قريبا جدا من الانسان في العصورة المتاخرة و أصبح تعبيرا عن الذاتية والعبقرية البشرية فيما بعد.


يتبع

ــــــــــــــ
الحقوق محفوظة, لبراق الحازم.
عدا الصور او الرسومات المصاحبة.