عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-03-2017, 03:20 AM
الصورة الرمزية حصن الوادي
حصن الوادي حصن الوادي غير متواجد حالياً
 






حصن الوادي is on a distinguished road
Arrow سيارات منسيّة (الفرت)


[IMG][/IMG]

........................
قبل وجود السيارات اليابانية ذات الجودة العالية ،، وبعد أن وطأت دروب (جزيرة العرب) إطارات أباطرة السيارات الأوروبية الفارهة الفاخرة .
فإنه لم يكتب (الإنتشار والصّيت) إلا للأصلب والأقوى إن ذاك .. وهنا أعني سيارات المتسيّدة سياسياً وإقتصادياً وصناعياً الولايات المتحدة الأمريكية..
يقول الشاعر محمد المالحي:
أمريكه تصنع صواريخ الفضا والكدالك
وصانع الطايرة ماكل حبوبٌ وشمّات
مجار ماحد يلومك يا مهندس وليّام
حتى المواتر يجي فيها كتابه و رسمي
شيٌّ تماتيك في صنعه وشيّ ابتراسي
..........................

في بداية الربع الثاني من القرن الميلادي الماضي ،، بدأ دخول السيارات إلى الحجاز وذلك قبل نجد وأطراف الجزيرة العربية.
فوجود الحرمين الشريفين كان السبب الرئيس لدخول السيارات من أجل خدمة ضيوف الرحمن.

ولكن كان انتشارها الحقيقي بين عامي 1940م - 1947م ،، ففي خلال هذه الأعوام السبعة وصلت السيارات إلى نجد واطراف الجزيرة العربية.

ولعلي أُأكد لكم هنا بأن (الفرت أو الفورد أو الهاف) هو " الرقم 1 " والخيار الأول من بين جميع شركات السيارات .. وذلك لقوّتها وتحمّلها وقلّة أعطالها وسهولة صيانتها ،، ومن عاصروا ذلك الزمن الجميل سيوافقوني الرأي حتماً.

في ذلك الزمن .. كانت شركات النفط في السعودية تستخدم سيارات (دودج براوننق) المخصصة لخوض عباب بحر رمال الربع الخالي وصحاري شرق الجزيرة العربية .. لذلك لم تكن متاحة لبقية الشعب لأثمانها الباهضة.

وكانت سيارات الشرطة إن ذاك (إنترناشونال) وبالعامية (عنتر ناش) .. وهذه السيارات سيئة للغاية حيث كانت محط سخرية مالكي سيارات (الفرت) .. وأيضاً سخرية (مُهربي الدخان) الذين لا يبالوا بالشرطة وسياراتهم (العنترناش) الرديئة .. والسبب وراء إقتناء الحكومة لتلك السيارات السيئة هو عجزها المادي في تلك الفترة.
.................................

انتقطعت سيارات (الفرت) من مورّدها "رضا زينل" أو كما أطلقوا عليه شيبان زهران "زيني رضا".
و بالأصح مُنع استيرادها عام 1967م ،، و ذلك بأمر الملك فيصل -يرحمه الله- عندما قاطع الشركات اليهودية لغرض إضعاف إقتصادهم بعد (حرب الأيام السته "حرب النكسة") ،، ولم يتم استيرادها مجدداً إلا عام 1987م ،، أي ما يقارب 20عام من المقاطعة ،، وفي خلال هذه الـ20 عام أُتيحت الفرصة لبقية الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية بالتنافس والتواجد في سوق السيارات السعودية وذلك بعد أن تم إقصاء شركة السيارات المتصدرة إن ذاك (فورد).

يقول ابن مصلح -يرحمه الله- :
أقفى زمانك وانتهى يا بقوس*
وابو شنب* والدوج والفرت مات
..
..
واليوم جانا الجمس هو والجيوب
الله يجيره مالخطر والقلوب
..
..
والكدلك الممتاز قد كرّ هوبه
مكينته قرّت على مكرها

سأبدأ بالبيتين الأخيرين ،، و أتوقع أن فيها ضرب من تحت الحزام (معه في الغار موز) ولكن المعنى في بطن الشاعر كما يقال ههههههه.

والأهم أنّه في الأبيات الأربعة الأولى لمحة سريعة عن بداية ظهور السيارات وترتيب وجودها فـ(البقوس وأبو شنب والدوج والفرت) كانت موجودة قبل الجمس و (الجيب التويوتا) بسنين طويلة.

طبعاً وللتوضيح/
أبو شنب = دوج.
و الفرت = فورد.
والبقوس = الأبلكاش وهو فرت أيضاً ،، ولكن شبيه بالباص و تسمية "بقس" مأخوذة من "بوكس"باللغة الإنجليزيه وتعني صندوق ،، جوانبه كانت مصنوعه من الخشب أو البلكاش لهذا السبب أخذ تسمية "الأبلكاش" ،، ومن أراد تحويل شاحنته الفرت إلى أبلكاش فعليه التوجه إلى العراق وتحديداً "النجف" لتفصيل هذا الصندوق لسيارته ،، (والأمان عند الله .. خشب على هواء).

[IMG][/IMG]

..............................

بما أنّا أسهبنا في الحديث عن (الفرت) ،، فيتوجب علينا ذكر الأجمل والأميز في موديلاتها.
فكان الجمال من نصيب موديلات:
48-49-51-52-53

والبعض صنّف موديل 56 من ضمن الجميلات ،، ولا أنسى إجابة ذلك الرجل الأشيب ممن عاصروا تلك السيارات عندما سألتُه عن موديل 1956م !؟
فأجاب: سيارة (مزيونه) وجهها يهوّل العقول .. وكأنه يتغزّل في "أنثى".

أمّا التميز .. فكان من نصيب 65-66 ،، وأكثر ما ميزها عن شقيقاتها (خفّة الدركسون) .. وهي لا زالت موجودة بكثرة إلى يومنا هذا.
.............................

{( في زهران )}

كان السبق لـ/
* أحمد العريكة ،، ومعاونه مساعد بن حيدر.
* محمد بن سعفه ،، ومعاونه محمد الدحيه.
* عبدالله بن مصطفى ،، ومعاونه سعيد بن راشد السبيحي.
* قبسون الهندي ،، ومعاونه ابنه عنقوش بن قبسون.

رحم الله من مات منهم ،، وأحسن خاتمة الأحياء.

كان هؤلاء الأوائل الذين أدخلوا السيارات إلى زهران.
كانت السيارات تصل إلى بيدة وتحديداً (سدرة بطحان في قرية الجدلان) وتتوقف هناك ،، ويواصل الركاب بقيّة رحلتهم مشياً على الأقدام إلى قراهم ،، واستمروا على هذه الحال حتى عام 1948م.
وفي عام 1949م بدأوا بفتح الطريق الغربي لزهران.
ويبدأ من (كبري تربة الآن على طريق الطائف الباحة) .. ثم يتجه غرباً مروراً بـ(مضيق تربه في بني مالك) ثم حمايس وتربة زهران.
كان (حازم الكلبة) محطة الوصول والمغادرة لأهالي بني عدوان وبني حرير وبني جندب وهي أقرب نقطة لقراهم.
بعدها واصلوا فتح الطريق إلى (كظامة أبو عريضة والبيضاني) وهي محطة آهالي دوس وبالطفيل.
ثم واصلوا فتح الطريق إلى قرية مشنية (محطة بني كنانة).
بعدها واصل العريكة وبالخزمر فتح الطريق إلى رسبا .. وأخيراً قرية العيص.
وابن سعفه واصل بمعاونة بني حسن فتح الطريق إلى قرية وادي الصدر .. وأخيراً قرية الصغرة.

بعدها بأعوام قليلة .. فتح الشيخ سعيد السبيحي وبني حرير وبني عدوان طريق جبل شمرخ .. ثمّ تم تمهيده بالمعدات أثناء زيارة الملك سعود الأولى لمنطقة الباحة عام 1954م.

نعود للطريق الأقدم في زهران ،، وهو من الجهة الشرقية ،، ففي تلك الأثناء (1949م - 1955م) واصل سائقوا زهران وغامد فتح الطريق.
فأنطلقوا من نقطة النهاية (سدرة بطحان) متوجهين جنوباً مروراً بقرية بيدة .. ثم من (مكان سد بيدة الآن) وتوجهوا إلى مدخلة ثم طلعة البراقة وبني سار .. وأخيراً قرية الأثمة في زهران.
وواصل أبناء غامد فتح الطريق إلى ديارهم.
.....................................

كانت تلك الطرقات المفتوحة بمجهودات السائقين المهرة وبمعوانة الركاب الأشداء بمثابة (لعنة) تتجدّد عليهم بعد نزول المطر وجريان وادي تربة في ذلك الزمن المبارك التي كانت فيه السماء تغدق الخير والعطاء طيلة أيام العام .. فيعاودون تمهيد ما دمّره السيل بأيديهم مع كل سفرة من زهران إلى الطائف أو العكس.

إضافة إلى وعورة الطريق .. كانت هذه السيارات (الفرت) تفتقر لأدنى وسائل السلامة ،، ولكن الأدهى ما كان يرتكبه السائقون في حق الركاب من عدم اللامبالاة .. فيحمّلون السيارات مالا تُطيق ثم ينطلقون بها في تلك الطرقات الغير مُعبدة.

(دف يا نشمي) .. تلك العبارة التي لا تفارق مسامع الركاب طيلة طريق السفر .. والتي يطلقها (السائق أو معاونه) بصوت جهوري عالي ليستحث همّة الركاب النشاما.
عندها يتدفق (الإدرينالين) إلى أدمغة الركاب بعد أن تتدفق الشيمة في رؤوسهم .. ففي أحيان كثيرة ومن شدّة الحماس (يرفعون السيارة عن الأرض) بعدما يقومون بإنزال كامل العفش "ولكم أن تتخيلوا حجم العناء والشقاء".

وفي حوادث مُتعددة حصلت في جبال زهران بسبب وعورة الطريق وعدم وجود وسائل سلامة لقي الكثير من الركاب حتفهم (سحقاً) تحت حديد سيارات الفرت عندما تنقلب على إحدى جوانبها في تلك العقاب الضيّقة .. أو (دهساً) تحت إطارات سيارات الفرت بعدما "تهرول" عند عجزها عن تسلّق العقاب.

في إحدى الحوادث الشنيعة والتي هزّت أرجاء زهران في ذلك الوقت .. حادث محمد بن سعفه والذي "قضى فيه 3 أشخاص نحبهم" في قرية أريمه بعد أن تداعى إحدى العُرُق تحت وطأة إطارات سيارة ابن سعفه .. والتي كانت تحمل في صندوقها وزناً يفوق وزن السيارة نفسها ،، وبعد صرخات الإستغاثة المعهودة في ذلك الزمن والتي أطلقها الركاب بـ(أفزعوا يااااا هُبّان الريح) حظر في وقتٍ وجيز أولائك العتاولة من أهالي قرية أريمه ليرفعوا السيارة ويخرجوا الموتى من تحت أنقاض حمولتها وحديدها.

أمّا حوادث الدهس .. فحدّث ولا حرج.
ومنها حادث أبو رزق -يرحمه الله- عندما هرولة سيارته الفرت من (طلعة البرّاقه) بقرية شبرقة .. ودهست محمد الجمل من أهالي قرن ظبي .. وفيها يقول أبو رزق ذاماً نفسه .. ومادحاً محمد الجمل .. وطالباً العفو من أهل الميت:
يقول ابو رزق ما يمضي كما يوم الأثنين
مضى بنا الموت وسط الطلعه والموتر اقفى
عساك يا طلعة البرّاقه تسعين صاروخ
غدت براس الجمال من بين صبيان زهران
واهله في البيت ذب يعوون عوي الذيابه
راس الجمل .. ما يخلّص في راس البريهه

(راس البريهه) في البيت الأخير .. يقصد أبو رزق نفسه .. وأنّكم يا أهل الميت لو أخذتم رأسي فأنّه لن يكون خلاص وافي في محمد الجمل -يرحمهما الله-.
..................................

في زهران .. كانت السيارة أو ما أطلقوا عليه تسمية (الطرنبيل أو البابور أو سواعي البر أو اللوري أو الهاف) نادرة جداً ،، ومزيج من الخيال والحلم والسحر ،، فقد وصفوا السيارة بالسحر ،، والسائقين بالكفّار والنصارى (وذلك لجهلهم وقلّة معرفتهم بتلك الآليات).
وصفوها بأنها دواب ضخمة لها أُعين كبيرة وصوتها أقوى من صوت الجمل.
ولكنها كانت صرخة ونقطة تحول في عالم التنقل (مع العريكة وبهواها).

فمن مشقّة السفر إلى الراحة والأُنس.
ومن همّ السفر إلى المتعة والتشويق.

فـ(صندوق الفرت) بمثابة المجلس ،، يتصدره العوارف والشعار .. فيتبادلون الأحاديث ويتناقلون الشعر ليقطعوا به تلك الفجاج.

و (برندة الفرت) بمثابة المَطل ،، للمشاهدة من أعلى والإرتقاء عن الزحام في الصندوق .. وهو يتّسع لخمسة أشخاص .. غالباً يكونوا من صغار السن.

و (الغمارة) كالدرجة الأولى ،، فمن يرخي الريال يجلس بجانب السواق ليمتع ناظره بالتعشيق ويسلم من الغبار وللإستماع للراديو (من مضارب البادية مع محمد بن شلّاح المطيري).

كانت الأجرة أو (الكرية) بالمقايضة بالحبوب وفيها قالوا (مع العريكة بأردب حب) .. أو مادياً وهي تترواح من (5-15 ريال) بحسب مكان الراكب .. فالغمارة تختلف عن الصندوق.

...............

ولعل (اللون الأحمر الصارخ) الذي تميّزت به سيارات الفرت .. كان عنصر إثارة لعواطف الشعراء وحماسة السائقين ،، ومحرك الـ8 إسطوانات "ذو الصوت الرخيم" كان يطرب آذان السائقين والركاب ،، فتنهيدة فرت العريكة من تربه وهو يطأ دواسة الوقود بقدمه (كأنها زفرة مظلوم أو تنهيدة مُحب).

كان الفرت يهدر كـ(سمحان) ويعوي كـ(سرحان) في جلال تربة وجبال زهران ،، فقد وصفوا صوت محركه بهدير الجمل .. وصوت ناقل الحركة "الجيربوكس" بعواء الذئب .. و وصفهم بليغ جداً وهو وصف من عُمق الطبيعة ويحاكي أصوات محركات الفرت الحقيقية.
يقول ابن سعفه مادحاً سيارته الفرت و واصفاً صوتها:
يا موتر الخير إلى منّه عوى يدهم
وإذا سرى والكهارب في متان ارضى
من (بيت زيني) مع اهل الودّ يعلم به
يشابه الخيل والّا الصيد إلى شمّر
صوته كما الذيب إلى منّه هبد عاوي

هنا رابط فيديو لصوت (الفرت).

https://youtu.be/tMgoCO2iiMw

.........................

عادةً يرتبط بكل حدث جديد .. مواقف طريفة مُضحكة.
و وجود السيارات في ذلك الزمن كان من أهم الأحداث ،، فقد تناقل الناس الأحداث الغريبة المضحكة المتعلقة بوجود السيارات في جميع أرجاء الجزيرة العربية.
كتقديم (البرسيم والشعير والماء) للسيارات .. لتوقّعهم بأنها (دابة) تأكل وتشرب.

ومن الأحداث الطريفة التي حصلت في زهران ما حدث لأبن سعفه مع أحد أهالي قرية وادي الصدر ،، ففي اليوم الأول لدخول السيارة لقرية وادي الصدر .. مَرّ ابن سعفه بسيارته من إحدى المزارع التي تتمايل فيها سنابل القمح بالخير (وداس العيش بسيارته) .. وما إنْ رأى ذلك الأشيب النشمي (صاحب المزرعة) السيارة حتّى تعزوى واستلّ جنبيته النافعي .. ثم غرسها في جنب السيارة (وأفلحت السيارة بجنبية القحم ههههههه) .. ثم هرب إلى القرية وهو (يصيح) .. فأخبر الجماعة بما رأى وما فعل (وأن تلك الدابة أفتكّت جنبيته ولم تهلك) .. فأخذوه الجماعة إلى بيت ابن سعفه واخترجوا الجنبية من جنب السيارة .. وأخبروه بأنها (آلة) يتصرّف فيها ابن سعفه.

أيضاً .. ما كان يحدث للناس عند ركوبهم السيارات من عمليات (إستفراغ جماعي) في أحثال بعضهم بعض هههههههههه.
ففي إحدى السفريات .. وبعد تناول وجبة الغداء .. استفرغ أحد الشيبان في حثل الشيبه الجالس أمامه بعد أن تعرّض لعمليات القفز الحر بفعل (بطانيج ديار الجبوب).. فما كان من الشيبه الآخر إلّا أن (زاد فوق الطراش مثيله) .. فهاضت قرائح بقيّة الركاب بالكلام البذيء .. ثم هاضت أحشائهم بما تحتويه من بقايا خبز الشعير والعصايد في أحثال بعضهم .. حتى قالوا أنّ (الذبّان) عيّنت كل خير ألين وصلوا الطائف.

(أنتهى)
..........................

بشكل عام هذا الموضوع (لمحة سريعة) ،، والأعمق والأجمل والأجود هو ما ستجود به ذواكركم ،، آمل منكم إثراء الموضوع.

وبالنسبة للتصحيح .. أنتم أكبر وأخبر.

ولكم جزيل الشكر سلفاً ،،،

(سبحانك اللهم وبحمدك ،، أشهد أن لا إله إلّا أنت ،، أستغفرك وأتوب أليك)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

أغداً ألقاك !!؟؟
يا خوف فؤادي من غدِ
يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعدِ
آآآه كم أخشى غدي هذا ،، وأرجوه اقترابا
أخر مواضيعي

التعديل الأخير تم بواسطة حصن الوادي ; 08-03-2017 الساعة 03:29 AM.
رد مع اقتباس