عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22-02-2008, 11:12 PM
الصورة الرمزية القلم الحر
القلم الحر القلم الحر غير متواجد حالياً
 






القلم الحر is on a distinguished road
افتراضي هل جزاء الإحسان إلا الإحسان

[align=center]الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني**


الإحسان دليل على النبل، واعتراف بالفضل، وعرفان للجميل، وقيام بالواجب، واحترام للمنعم، ينبئ عن الصفاء، وينطق بالوفاء، ويترجم عن السخاء؛ بالإحسان يُشترى الحب، ويُخطب الودّ، وتكسب النفوس، ويُهيمن على القلوب، وتستعبد الأفئدة.


الإحسان عطاء بلا حدود، وبذل بلا تردد، وإنعام دونما منّ، وإكرام لا يلحقه أذى، والله تعالى أي إحسان إلا إحسانه، وأي إنعام إلا إنعامه، وأي كرم إلا كرمه، وأي جود إلا جوده، وأي فضل إلا فضله، وأي لطف إلا لطفه، وأي عطاء إلا عطاؤه، وأي بِرٍّ إلا بره، خلق الإنسان في أحسن تقويم وصوره فأحسن صورته، وامتد إليه إحسانه وهو نطفة في ظلمات ثلاث، وعَمَّه بإحسانه طفلاً، وأنبته نباتًا حسنًا، ورباه بنعمه وأحسن مثواه، وأحسن إليه شابًّا يافعًا وعاقلاً راشدًا، وشيخًا مسنًّا، ووصى الإنسان بوالديه إحسانًا، وأمره الله تعالى بالإحسان مع كل شيء وإلى كل شيء، وفي كل شيء، ورتب عليه عظيم الأجر، وبديع القدر، ووافر الإكرام {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} ... [إبراهيم: 34].

دعاك إلى الإحسان لأنه أحسن إليك: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} ... [القصص: 77].
{هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} ... [الرحمن: 60].

الأولى أن يقابل الإحسان بالإحسان رغم أن البون شاسع، والفرق كبير بين إحسان وإحسان، فماذا تساوي قطرة من إحسان منك مع بحور الفضل وأنهار الإحسان وقنوات العطاء منه جل وعلا، بل وإن إحسانك ما هو إلا من إحسانه إليك ولطفه بك أن هداك لذاك فهو المحسن الغفور الودود.

إلهي إذا ما عشتُ في الأرض محسنًا فليس بفيض من ذكائي ولا فضلي

فأنـت الـذي يسرتـني وهديتـني إلى الخير والإحسان يا واسع البذل

الإحسان من أفضل منازل العبودية، بل هو حقيقتها ولـبّها وروحها وأساسها، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

فهو لب الإيمان، وروح الإسلام، وكمال الشريعة، وهو يدخل في سائر الأقوال والأفعال والأحوال، وأعظم درجات الإحسان هي الإحسان مع الله جل وعلا، ثم إحسان المرء مع نفسه وأهله وسائر المخلوقين، حتى يشمل البهائم والعجماوات، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة".

وقد ورد في الحديث الصحيح: "أن امرأة بغيًا رأت كلبًا في يوم حار يُطيف ببئرٍ، قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها فغفر لها".

وكل أصول وفروع المعاشرة وآدابها، وكل قوانين التعامل ترجع إلى الإحسان، فهو يشمل محيط الحياة كلها في علاقات العبد بربه، وعلاقاته بأسرته، وعلاقته بالجماعة، وعلاقته بالبشرية جميعًا، بل وعلاقته بسائر المخلوقات.

والمحسن محبوب من المخلوقين، ومحبوب من الخالق؛ ولذلك كانت منزلة المحسنين عند الله تعالى عظيمة، ومرتبتهم كبيرة، ودرجاتهم عالية، قال تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} ... [الرحمن: 60]. أي ليس من جزاء لإنعامي عليكم بالإيمان والتوحيد إلا الجنة، ويبين تعالى أنه مع المحسنين بتوفيقه وحفظه وتأييده، فقال: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} ... [النحل: 128].

وأعلن جل وعلا محبته للمحسنين في أكثر من آية فقال: {وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ... [آل عمران: 134]، وأخبر تعالى أن رحمته قريبة من المحسنين، فقال: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} ... [الأعراف: 56]. وطمأن المحسنين بأن إحسانهم محفوظ، وعملهم مشكور، وفعلهم مبرور، فقال تعالى: {فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ... [هود: 115]، بل أدخل السرور عليهم، وأعلن البشارة لهم، فقال في آيات كثيرة: {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} ... [الحج: 37].
بل لقد أعطى على الإحسان ما لم يعط على غيره فقال تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ... [يونس: 26].

فهو تعالى يخبر أن من أحسن في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح أبدله الله الحسنى في الدار الآخرة، وأسكنه الجنة وأعطاه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وزاده مقابل إحسانه زيادة عظمى أكمل مما مضى، وأجمل مما ذكر، وهي النظر على وجهه الكريم جل وعلا، وتأمل هذا الجزاء البديع والمنزلة الرفيعة التي استحقها المحسن؛ لأنه عاش عمره، وقضى حياته وهو يعبد الله كأنه يراه، ويرقبه في كل حركة وسكنة وكأنه ماثل أمامه يستحي منه، ويخاف بطشه ويخشى عقابه، ويقدره حق قدره فحقق الله له الرؤية، وأنعم عليه بأن كشف له الحجاب لينظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم.

قرأ -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}، وقال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقّل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا عن النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقرّ لأعينهم)، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ... [القيامة: 22، 23].

والثواب العظيم في جنة المولى وفيها يكون الرضى والخلودُ

كل نفسٍ تحظى بما تشتهيهـه حورُ عين فيها وطلعٌ نضيد

لبن سـائغٌ وشهْـدٌ مصفّـى ولدى ربك الكـريم المـزيد


--------------------------------------------------------------------------------

** عالم سعودي "دكتوراة في البلاغة والنقد وإمام وخطيب جامع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في مكة المكرمة".
[/align]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لااله الا انت استغفرك واتوب اليك
اللهم ارنا الحق حقا ورزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه


الصمت حكمه والحكي مصدر إفلآس ولقيت في صمتي يزيد إحترامي
أخر مواضيعي