عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-02-2012, 05:45 PM
التميمي التميمي غير متواجد حالياً
 






التميمي is on a distinguished road
افتراضي صور مؤلمه لعقوق الوالدين

"صراخ أم هنا ونحيب أم هناك وأب بات يشكو حاله للزمن" ليست هذه مظاهر عزاء بل هو رثاء أمهات وآباء لإنسانية أبنائهم المفقودة بعد أن تجردوا من مشاعرهم وامتدت مخالبهم لإيذاء من كانوا سبباً في وجودهم، فأضحت أروقة المحاكم تئن من هول ما تسمع من قصص يشيب لها الولدان.

"سبق" تسرد قضايا واقعية لعقوق الأبناء، وتتساءل هل الأسرة ساهمت في ظهور تلك القضايا على السطح؟ وهل حقاً عقوق الابن ثمرة لما جنى الأب أم أنه بذرة شيطانية نبتت في أرض طيبة وعصفت بها رياح التغيير؟!

غربتي عن ولدي
بصوتٍ ممزوج بالبكاء تحدثت إحدى الأمهات لـ" سبق" قائلة: ابني زهرة عمري، كل آمالي في دنياي، بعد وفاة زوجي، منحته مشاعري وحبي، وحلمت به سنداً لي في خريف عمري، وعندما شب عن الطوق، واشتد ساعده، أطفأ شموع دنياي، تبدل حاله وشرع في إيذائي نفسياً ولفظياً، وكانت دموعي شاهدة عليّ، فكم دعوت الله في صلاتي أن يهديه إلى طريق الصلاح، بيد أن الزمن نشب أظافره في قلبي، وفي لحظة من غضب ابني ضربني، ومضى شريط العمر أمامي، وباتت دموعي صديقتي في غربتي عن ولدي.

وتابعت قائلة: استجمعت قواي وشجاعتي النفسية وقررت مقاضاته في المحكمة عقاباً على جريمته النكراء، وفي لحظة النطق بالحكم، مادت بي الأرض وشعرت بالرغبة في احتضان ابني الذي اشتقت إليه طويلاً، وتذكرت ضحكاته البريئة ودموعه المتمردة في طفولته، وهانت الدنيا أمامي، واجتاحتني مشاعر أمومتي وحبي الجارف له، وتنازلت عن القضية، وأنا أشتاق لأنفاسه كي أشعر بالأمان في دنياي.

تربية عقيمة
وأعربت إحدى الأمهات لـ" سبق" عن مخاوفها من عقوق ابنها قائلة: زوجي حاد الطباع ، ودائماً يوجه الانتقادات والإهانات، وفي مراهقة ابني أذاقه مرارة الذل، ولم يحتوه ويتفهم حاجاته النفسية، بل تعمد دائماً الاستهتار به والتقليل من شأنه، حتى أضحى ابني ضعيف الشخصية، مسلوب الإرادة، وتابعت أخشى أن يتمرد ابني على والده، فيجني ثمار تربيته العقيمة، وفي ختام حديثها لم تتمالك دموعها ودعت الله أن يهدي ابنها.

دموع أمي
وبدموع الابنة المحبة لوالدتها استنجدت إحدى الفتيات بـ"سبق" قائلة: تزوج أخي وابتلانا الله بزوجته المتمردة التي انتزعت الرحمة من قلبها، فكانت تسيء معاملة أمي، بالتجاهل والإيذاء اللفظي والنفسي، وللأسف الشديد كان أخي مسلوب الإرادة، حتى عصفت الرياح بأمي، فأصابها مرض أعجزها عن الحركة، وبكل غرور أصدرت زوجته أوامرها بطرد أمي من البيت، بذريعة عدم قدرتها على رعايتها.

وأبدت أسفها لطرد أمها قائلة: انتزعت الرحمة من قلب أخي وطردني مع أمي، ولم ندرِ أين نذهب، وطرقنا أبواب الجمعيات الخيرية، ودموع أمي لا تفارقها، وتمر المناسبات ويخيم الحزن علينا، وأصبحنا في دائرة نسيان أخي.

ذكريات طفولتها
إحدى الأمهات عبّرت عن حزنها لعقوق ابنتها قائلة: بعد وفاة زوجي وجّهت اهتمامي لتربية ابنتي، وأغدقت عليها عاطفتي، مع مرور الأيام وعندما تزوجت، اغتال زوجها فرحتنا وأمرها بعدم زيارتي، وعدم الاتصال بي، فكم من أيام اشتقت لسماع صوتها، وكنت أتصل بها لأعيش في دفء صوتها لحظات بعد أن هجرت حضني، وبصوت ممزوج بالبكاء تابعت حديثها: عندما يفيض شوقي إليها أتجول في غرفتها، أقتبسُ من ذكريات طفولتها، وأحتضنُ صورتها وأتنسمُ عبير ملابسها، ودعت الله أن يهديها لتعود إلى طاعته، ونيل رضاه.

ضعف الوازع والتفكك..
في البداية أكد الناطق الإعلامي في المنطقة الشرقية المقدم زياد الرقيطي أن هناك تفاوتاً في معدلات الرصد من عام لآخر في قضايا عقوق الوالدين للثلاثة أعوام الماضية بيد أنه من الملاحظ انخفاض نسبة القضايا المسجلة من هذا النوع في العام الماضي 1432هـ مقارنة بالقضايا المسجلة للعام السابق أي ما يقرب من 21%، وقال : جميع المدعى عليهم من الذكور مرجعاً أسباب ارتكابها في الغالب إلى ضعف الوازع الديني والتفكك الأسري الذي تعيشه بعض الأسر، وضعف الرقابة المنزلية للأبناء منذ طفولتهم بسبب انشغال الوالدين لفترات طويلة عن المنزل، إضافة لانتشار القنوات الفضائية غير الهادفة التي لها أثر سلبي في إضعاف الروابط الاجتماعية.

الأبناء مرآة آبائهم
ورأى المستشار الأسري والنفسي الدكتور خالد بن صالح الصغير أن الآباء لهم دور كبير على الأبناء قائلاً: الأبناء هم المرآة الحقيقية لآبائهم بل إن الأبناء يتقمصون شخصيات آبائهم على المدى القريب مع زملائهم وعلى المدى البعيد في حياتهم الزوجية مع أسرهم.

وأشار إلى أن الدراسات التربوية والنفسية أثبتت خطورة ظهور الخلافات بين الزوجين على مرأى ومسمع الأبناء، حيث يكون لها الأثر الأكبر في نفسيتهم وتكوين شخصياتهم وتغيير سلوكياتهم ، ضارباً المثل بأب يتشاجر مع الأم ويعلو صوته عليها ثم ترد الأم بالمقابل، وينسى كل واحدٍ منهما أن هناك من يراقبهما ويتابع تحركاتهما، ومن خلال هذه المراقبة والمتابعة تنطبع لدى الابن صورة ذلك الخلاف والشجار، حيث يشعر الطفل أن الحياة هي صوت وصمت وضرب وهروب وردود بكلمات لا يفرق فيها بين كبير وصغير أو والد وولد.

وقال: هناك خطأ قد يقع فيه العديد من الآباء مثل التدليل الزائد الذي يجعل من الأبناء آمرين وناهين ويتولد لديهم حب النفس بمعنى الأنانية، مشيراً إلى أن الطفل في هذه الحالة يحدث له هزة نفسية إذا رفض الآباء طلباتهم، بحيث يشعر بأنه غير مرغوب فيه، فيمارس بعدها نفس الدور الرافض لكل شيء يُطلب منه قياساً على الرفض الأول، حتى القسوة الزائدة فهي بدورها تقتل كل شيء إيجابي جميل في نفسية الابن ليحل محلها الأشياء السلبية ومنها العقوق التي بدورها تتزايد وتتضاعف مع إصرار الوالدين بتمسكهما بهذه القسوة وعدم التراجع عنها.

العنف في المجتمع
وتساءل الصغير: كيف لابن لم يتعود منذ البداية على أنه يرى اهتمام والديه له وبكائهما عليه والحرص على متطلباته ومحاولة إشباع عواطفه أن يتولد لديه ردود أفعال إيجابية، حيث لا يوجد لديه مخزون يصرف منه لآبائه الذين غفلوا عنه عند صغره؟، فيكبر الأبناء بنفوس صغيرة وربما ذليلة وحقيرة غير قابلة للوضع الذي هم عليه ليكون في النهاية انتقاماً ورداً قاسياً ليشفي غليل نفسه التي أرهقها ذل والديه اللذين لم يعلماه أن عقوق الوالدين قد يحرم صاحبه من دخول الجنة.
ورأى المستشار الأسري أن جرائم عقوق الوالدين المنتشرة الآن تعد مؤشراً لازدياد نسبة العنف في المجتمع، وقال: الأسرة هي جزء لا يتجزأ من المجتمع فبصلاحها واستقامتها يصلح المجتمع ويكون قوياً متماسكاً غير قابل للسقوط، مؤكدا أن الابن العاق لوالديه من باب أولى أن يكون عاقاً لمجتمعه وثائراً عليه واصفا إياه بالمجرم الذي يحاول من خلال استخدام العنف إثبات وجوده بالقوة بعدما فقد الأمل بكونه إنساناً له قيمة واحترام.

الفقر سبباً
فيما رأى القاضي في وزارة العدل الدكتور عيسى الغيث أن هذه القضايا على الرغم من تزايدها إلا أنها لم تصل إلى حد الظاهرة، مؤكداً أن أهم أسباب عقوق الوالدين ضعف العلاقة الاجتماعية بين الوالدين من جهة والأولاد من جهة أخرى، مرجعاً ذلك لعدة عوامل منها المستوى الاقتصادي للأسرة، قائلاً :أحياناً يكون الفقر سبباً لانشغال الوالدين عن أولادهم في طلب الرزق وأحياناً يكون الغنى سبباً كذلك في انشغال الوالدين إما في الركض لمزيد من الغنى أو في الانشغال بالمتع الدنيوية والأسفار على حساب التقصير في التربية للأولاد .

وأكد أن ضعف الوازع الديني هو السبب الأول لعقوق الأبناء لكونه المغذي الروحي والمعنوي للجميع في القيام بالواجب فيما بينهما، فكلما قصر الوالدان بالواجب تجاه أولادهما فسيكون رد فعل عفوي أحياناً بالتقصير في برهما، وهذا من باب التفسير وليس من باب التبرير.

وأشار القاضي الغيث إلى تغير طبيعة الحياة من حيث التعليم والإعلام والثورة المعلوماتية، ولم يطور الوالدان نفسهما بما يتوافق مع عقلية الجيل، فصار هناك فجوة فكرية وسلوكية بينهما، مشيراً إلى أن الأسرة المحافظة دينياً وأخلاقياً وسلوكياً هي أكثر تمسكاً بالعلاقات الاجتماعية وأقل عقوقاً.

أسرة غير مستقرة
ورصد من خلال خبرته القضائية أن أغلب قضايا العقوق تنتج من أسر غير مستقرة وغير أسوياء سلوكيا، منوهاً بضرورة التفريق بين العقوق المجرد وهو التقصير في بر الوالدين والعقوق المسيء وهو الاعتداء على الوالدين بقول أو فعل، حيث إن التقصير يرجح فيه الحق الخاص أكثر، أما الاعتداء يرجح فيه الحق العام أكثر ولو تنازل المعقوق نظراً لارتكابه محرماً شرعياً.

وعن الإجراءات التي تؤخذ ضد الشخص العاق أجاب الغيث قائلاً: في حال تقديم الدعوى للسلطة التنفيذية كالشرطة أو الإمارة فإنه غالباً تقدم ضد العاق دعوى عامة، ولكن في حال تقديمه لدعواه لدى السلطة القضائية مباشرة فإنها تكون دعوى خاصة، بشرط ألا يكون هناك اعتداء على المعقوق من الوالدين، وإلا فتحيلها المحكمة لهيئة التحقيق والادعاء العام للتحقيق مع المدعى عليه لكون الوصف هنا حقاً جرمياً جنائياً وليس حقاً مدنياً مجرداً.

أما العقوبة فتكون بالتعزير وغير محدد، حيث يخضع للسلطة التقديرية للقاضي وحسب ظروف القضية وملابساتها، وفي الغالب يكون التعزير بالسجن والجلد وأحياناً بالعقوبات البديلة من باب استصلاحه لمصلحته ووالديه.

ثقافة بر الوالدين
وأرجع الداعية الدكتور علي المالكي أسباب عقوق الوالدين لضعف الوازع الديني لدى الكثير من الأبناء، وجهلهم بالأجر المترتب على طاعة الوالدين، لافتاً إلى أن غياب القدوة الحسنة من الأسرة في حسن تعاملها مع الأجداد لها أكبر الأثر في ذلك، وشدد على دور المؤسسات الإعلامية والتعليمية في تطوير ثقافة بر الوالدين لدى الأجيال.

وبسؤاله عن دور مؤسسات إصلاح ذات البين قال المالكي: إن دورنا لا يقف فقط عند هذه المؤسسة الرسمية فنحن نشرف بتعديل سلوك أبنائنا من خلال المحاضرة ومن خلال الإعلام والدعوة إلى الله بكل السبل، موضحاً أن المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأسرة يساهم في ظهور بعض صور العقوق، وأكد أن الشباب أكثر عقوقاً للآباء، بيد أنه يُفجع أحياناً ببعض صور عقوق الفتيات للأمهات.

وأبدى أسفه لتغييب الإعلام للقيم والمبادئ، وعدم احترامه لثقافة الآخر، معتبراً الإعلام المحرِّك الحقيقي للشعوب وللأجيال في العصر الحالي، وختم حديثه ناصحاً الآباء بالاطلاع على كل جديد لمسايرة عصر التكنولوجيا، وطالب المسؤولين بتقوى الله، والمحافظة على أجيالنا، بتكثيف المراجعة، وإنشاء مؤسسات ومشاريع تعمل على صنع البديل وطرح الجديد.