عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-03-2011, 09:47 PM
الصورة الرمزية حوران
حوران حوران غير متواجد حالياً
 






حوران is on a distinguished road
افتراضي بهجة التقاعد المبكر

بهجة التقاعد المبكِّر


[justify]يتاح للذي يتقاعد مبكراً أن يخصص (الوقت الطيب) لزوجته وشريكة حياته.. أما العامل القديم في العمل فإن وقته الطيب.. الذي يكون فيه نشيطاً.. يستنزفه العمل.. والزحام.. والمسؤولية.. والهم.. فلا يبقى لشريكة الحياة وقت طيب..

لي معارف كثيرون تقاعدوا عن العمل في وقت مبكر، وكلما سألت الواحد منهم: هل ندمت على ذلك؟ كان الجواب واحداً:

كلا.. بل تمنيتُ أنني تقدَّمت!..

قلت:

والموظف الحكومي.. أو في القطاع الخاص.. إذا بلغت خدمته عشرين عاماً.. أو تزيد قليلاً.. فإن ما يجده من عناء الذهاب للعمل والعودة منه، وتأدية واجباته كما ينبغي.. لا يمكن أن يوازي الفرق بين مرتبه وهو على رأس العمل.. وبين مرتبه التقاعدي.. أو من التأمينات.. إذا قرَّر أن يتقاعد مبكراً وهو في صحته وقوته.. قبل أن يجبره النظام على التقاعد وقد وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا..

والواقع المشاهد أن الإنسان كلما تقدم في العمر قل أداؤه الوظيفي، شعر بذلك أم لم يشعر، وقلت حماسته للابداع، وقدرته على الاتقان، ومسايرته للأنظمة الجديدة، وخدمته للمراجعين، لأنه مع طول السنين يعتاد على الروتين البطيء ويكاد يتكلس إلا القليل منهم..

فالتقاعد المبكر هو - إذن - مكسب من عدة نواح:

1- فهو يتيح للموظف.. رجلاً كان أو امرأة.. الاستمتاع بحياته وحريته وهو في صحته وقوته.. ويمنحه أعظم صفة تحقق الراحة النفسية - وبالتالي السعادة والبهجة - وهي الحرية..

2- معظم الناس، موظفين وغير موظفين، لديهم هوايات محببة لنفوسهم.. أو عندهم مواهب في أعمال أخرى تختلف عن طبائع وظائفهم.. والتقاعد المبكر يحقق لهؤلاء وهؤلاء (تحقيق ذواتهم) عن طريق ممارسة هواياتهم المحبوبة أو مباشرة الأعمال التي يميلون إليها ويعشقونها بإنشاء مؤسسات خاصة في مجال العمل المحبب للنفس.. ولو كانت مؤسسات صغيرة، فالصغير يكبر مع الحب.. لاسيما وأن المتقاعد لديه مظلة تحميه من المخاطر المادية بإذن الله تعالى.. وهي مرتبه التقاعدي.. بشرط ألا يعتمد على الديون البنكية إلا في حالة التأكد أو شبه التأكد من نجاح المشروع.. فإن الدين ذلٌّ في الليل غلٌّ في النهار..

3- سوف يتاح للذي يتقاعد مبكراً أن يبهج أسرته.. وزوجته وصغاره.. ويبتهج معهم.. بل انه سوف يكتشفهم من جديد.. بدون مبالغة.. فإنه حين كان يعمل كان يعود للبيت مرهقاً مهموماً متوتر الأعصاب من الزحام ومن المسؤوليات ومن مضايقة بعض المديرين المتعبين.. فتكون نفسه مسدودة.. وبصره لا يكاد يرى.. فيأكل وينام.. ويصحو ويخرج لأصدقائه.. ويعود وينام.. ويصحو فيذهب لعمله القديم.. ويكرر نفس الروتين الممل الثقيل على مدى السنين حتى تتبلد مشاعره في الغالب.. ويغفل عن أسرته.. ويفقد أجمل فترة في حياة أولاده وهي الطفولة..

فمعظم العاملين مع الدوام الطويل، والزحام الشديد، وطول السنين، ومكابدة المراجعين، وتكرار نفس العمل كل يوم.. تجثم على مشاعرهم الكآبة الظاهرة أو الخافية.. وتجمد في نفوسهم مكامن البهجة.. وتجمد منابع الفرح.. وربما يعتادون العبوس والتقطيب.. وربما ترى وجوههم يعلوها الوجوم.. وعيونهم مشغولة بالهموم.. وهم يظنون أن الحياة هكذا.. ولكنهم إذا تقاعدوا مبكراً، وهم في صحتهم وقوتهم، يكتشفون أن الحياة ليست بهذه القتامة والوجوم.. ويكتشفون أن في حياتهم كنوزاً من البهجة والفرح كانوا عنها مشغولين.. وغافلين.. وأولها أطفالهم الذين إذا اقتربوا منهم أكثر.. ولعبوا معهم.. وسافروا بهم.. وأخذوهم في النزهات.. يحسون بعبير السعادة.. ونسيم النعيم.. وسهولة الحصول على الفرح والبهجة..

إن البهجة طفلة.. وتحب الأطفال.. وإن الرجل.. أو المرأة.. حين يمرح مع أطفاله.. ويلاعبهم.. ويضاحكهم.. يرى البهجة رأي العين.. ويدخل نادي السعادة فعلاً.. ففي دنيانا يكاد نادي السعادة يقتصر على الأطفال.. ولا يقبل دخول كبير السن إلا إذا أمسك بيده طفلاً يدخله.. الطفل هو الذي يدخل الرجل نادي السعادة.. الرجل هو الضيف.. والطفل أو الطفلة هم الأعضاء الأساسيون في نادي السعادة..

4- يتاح للذي يتقاعد مبكراً أن يخصص (الوقت الطيب) لزوجته وشريكة حياته.. أما العامل القديم في العمل فإن وقته الطيب.. الذي يكون فيه نشيطاً.. يستنزفه العمل.. والزحام.. والمسؤولية.. والهم.. فلا يبقى لشريكة الحياة وقت طيب..

فالرجل يعود للبيت مجهداً.. مكدوداً.. مهموماً.. فيأكل وينام ثم يخرج للأصدقاء.. فحياته في البيت ومع الزوجة خاصة والأسرة عامة، صارت عادة بليدة لا روح فيها ولا مرح لأنه (مُستهلَك).

أما حين يتقاعد مبكراً وهو في صحته وقوته.. فسوف يجد (الوقت الطيب) الذي يقضيه مع زوجته في مودة وابتسام ونشاط واقبال على البهجة والحياة وتحرر من القيود والهموم.. وسوف تطير الزوجة فرحاً بهذا التغير الجميل فترد له البهجة الودود أضعافاً مضاعفة.. عندها يتحول البيت إلى جنة.. وتزغرد طيور المحبة.. ويضحك المرح مع النافذة..

5- ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.. فالرجل إذا انشغل بعمله ثلث اليوم.. وبمشاغله ومعارفه الثلث الثاني.. وذهب الثالث في النوم.. لم يبق لنفسه شيء خاص يبهجه.. ولم يبق لأسرته وقت حي مبهج يستطيع أن يحياه.. ولم يبق لهواياته الوقت الكافي.. حتى ان كثيرين ماتت هواياتهم داخل أجسادهم وهم لا يشعرون.. بسبب طول السنين في عمل مكرور..

أما التقاعد المبكر فإنه يقضي على كل تلك المساوئ: فالقلب الآن خال من هموم كثيرة.. والوقت بهيج كقوس قزح الملون غبّ المطر يزين الفضاء والسماء..

ان الهوايات تحيا.. والعلاقات الزوجية تنفض غبار الاهمال.. والأطفال تلمع أعينهم فرحة بأب يستقبلهم عائدين من المدارس بالأحضان.. ويجلس معهم على المائدة وهو نشيط.. سعيد.. منفتح النفس.. خالي القلب من الهموم.. مستعد للبهجة والحبور.. قادر على فتح أبواب كثيرة من السرور على زوجته وصغاره ليدخل معهم تلك الأبواب المفضية لأنواع من المباهج والمتع كانت موصدة أمامه حين كان يعمل طوال السنين..

6- ويتيح التقاعد المبكر لرب الأسرة حرية السفر مع عائلته داخل المملكة أو خارجها في كل اجازة لهم.. واجازات المدارس كثيرة والعاملون محرومون منها..

@ @ @

(والمرأة أولى)

ان المرأة العاملة تقوم بمسؤوليات كثيرة.. وتواجه ضغوطاً عنيفة لا يشعر بها غيرها.. فهناك ضغوط العمل والزحام والمديرات وسوء المنافسة غير الشريفة من بعض الزميلات.. وهناك ضغوط الواجبات الأسرية التي تأكل معها وتشرب وتؤلم ضميرها حين تفكر في أنها أهملت زوجها وأطفالها غصباً عنها.. وهناك الضغوط الاجتماعية حيث يجب صلة الرحم وزيارة الأقارب والصديقات وتلقي الزيارات المفاجئة وغير المفاجئة..

وعمل المرأة أمر جيِّد إذا لم يكن على حساب البيت والأطفال والزوج، ولكنها يحسن بها أن تتقاعد بشكل مبكر إذا ضمنت ولو نصف المرتب.. فإن نصف المرتب مع التفرغ لنفسها وزوجها وصغارها وحياتها أبرك ألف مرة من مرتب كامل يأكل وقتها وراحتها وصحتها النفسية والجسدية ويشعرها بوخز الضمير والإحساس بالتقصير في حق زوجها وصغارها وقريباتها وحق نفسها في الواقع لأنها بجمعها بين العمل سنوات طويلة وبين الواجبات الزوجية وواجبات الأمومة، والمجاملات الاجتماعية، تظلم نفسها كثيراً، وتكلف نفسها فوق ما تطيق..

لهذا فإن المرأة أولى بالتقاعد المبكر من الرجل وسوف تكسب من ذلك ما لا يقدَّر بثمن: عدم اهمال زوجها وما يترتب عليه من عواقب وخيمة.. عدم اهمال صغارها وعواقبه خطيرة.. وعدم اهمال نفسها وحياتها ونضارتها وصحتها وحبها للحياة والبهجة والمرح والاحساس بالانطلاق والحرية وهي ما قصرت أدت الواجب عشرين سنة!!

@ @ @

(بهجة العصر)

عصرنا مبهج لمن وقته ملكه.. فالثقافة والقراءة متاحة للجميع.. والفضائيات تبث 24ساعة ومن يحسن الاختيار ويدون أوقات البرامج والأفلام والمسلسلات الممتعة الراقية سوف يظفر بوقت ممتع وينتظر دائماً ما يبهج دون إفراط..

كما أن عالم الانترنت لمن يحسن الاختيار هو دخول في العالم كله بشكل عجيب.. إن الحضارة الحديثة نجحت في ملء الوقت بما يمتع.. ويبقى التمييز بين الضار وغير الضار.. وهناك أشياء كثيرة جداً ممتعة ونافعة في الكتب.. والانترنت.. والفضائيات.. ناهيك عن سهولة السفر.. ورقي الخدمات.. وهذا كله يمحو الصورة القديمة عن (المتقاعد) الذي يمل من وقته..

العكس هو الصحيح الآن:

الذي يستمر في العمل أكثر من عشرين عاماً هو المُعرض للملل العقيم الذي يسكن أعماقه..

صدقوني:

البهجة في التقاعد المبكر وسوف يبارك الله في راتب التقاعد لمن يحسن التدبير.

@ @ @

وقد سمعت لقاءً في اذاعة الرياض مع رجل تقاعد مبكراً نسبياً (بعد 25سنة خدمة) سأله المذيع:

- ماذا شعرت بعد التقاعد..

فقال كلمة واحدة تغني عن هذا المقال كله..

قال:

"عتقتء "[/justify]

للكاتب عبدالله الجعيثن / جريدة الرياض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي

التعديل الأخير تم بواسطة حوران ; 03-03-2011 الساعة 10:17 PM.
رد مع اقتباس