عرض مشاركة واحدة
قديم 22-10-2012, 04:55 PM   #19
براااق الحـــازم
 
الصورة الرمزية براااق الحـــازم
 







 
براااق الحـــازم is on a distinguished road
افتراضي رد: ๑ิ ๑ิ المدارس الفنية التشكيلية.๑ิ ๑ิ







علاقة الفن بالعلم والنظرية والنقد.

مهدت الثورات والنظريات الفكرية وكذلك الحقائق العملية تحولات أنماط الفن والصورة المعاصرة, وأفسحت بذلك إلى تحقيق المرونة وظهور نظم وتوجهات ابتكارية جديدة في فترات زمنية متلاحقة وسريعة, حتى إنك لا تكاد تحصي عدد هذه التوجهات والمذاهب في عقد من الزمن وخاصة من أواخر القرن التاسع عشر. ولعل أهم تلك الحقائق العلمية ومجمل الإسهامات العملية في المجال العلمي والنظري هو ما ساير هذه التغيرات المتسارعة من اكتشافات للقوانين والنظريات, ابتداء بنظريات المعرفة والتعلم, وعلم النفس, ونظرية النسبية و الاكتشافات العلمية والتكنولوجية والفيزيائية الكونية, مرورا بنظريات علم النفس المعرفي, ونظريات النظم, وفكر الاحتمالية في إمكانيات ظهور وإدراك الأشياء.

يعتبر الباحث شنينو شنيني, Cennino Cennini والذي عاش في القرن السابع عشر, أول من وضع علم تكنولوجيا الرسم والتصوير التي ينضوي تحت لوائها الرسم الزيتي والمائي والتمبرا والأحبار والأقلام وفنون الحفر الطباعي, كما شكل قبل ذلك اختراع الأخوين الرسامين (فان أيك Van Eyik) الألوان الزيتية منطلقاً لكل التجارب الفنية من القرن الخامس عشر عصر النهضة والانبعاث حتى أواسط القرن العشرين. حيث عرف الأكريلك الذي اكتشف في أواسط الستينيات من القرن العشرين والذي ظهر مع اكتشاف مشتقات البترول أثناء عملية تكريره وهو المكون الأساسي لهذا النوع من الألوان وهي ما زالت قيد الاختبار على الرغم من انتشارها, وصولا إلى نشأة الكمبيوتر, واستخدامه في الأعمال الفنية في العام 1965 الذي شهد أول الاختبارات والتجارب التي أجريت في هذا السياق كانت من خلال (جورج نيس (Neesو (ارلانج Erlange) وهي الاختبارات التي تعرض على الجمهور الواسع بوصفها أعمال فنية.
ويمكن في هاتين الصورتين إيجاد مقارنة مهمة في علاقة الفن بالعلم وكيف يمكن أن يكون أحدهما نافذة على الآخر, وفي لوحة الفنان سورا نلاحظ كيف استخدم الفنان أسلوب التنقيط في عام (1889) ليكون بعد ذلك أهم أشكال التقنية الرقمية أو البكسل, وفي الصورة استخدم الفنان فولا مجموعة من التقنيات الضوئية كوسيط لينقل الصورة المتحركة إلى أكثر من مسطح.




في الحديقة يوم الاحد, للفنان, سورا. 1885.


نسيج البناء, بل فولا, 1995

بموازاة هذه التطورات ساهمت دراسات العالم الفيزيائي (إسحاق نيوتن Newton) الذي اكتشف ألوان الطيف وتجزئة الأشعة الشمسية إلى سبعة ألوان تندرج ما بين وما تحت الحمراء وما فوق البنفسجية, إلى فهم طبيعة الضوء, والتي ما من شك أن الانطباعيين ومن بينهم الفنان جورج سورا, قد استفادوا من نظرية نيوتن و(شفرول Chevreuil). وفي العام 1839 أعلن اختراع العلم (داجير) للتصوير الفوتوغرافي, حينها قال الفنان الفرنسي ديلاكروا (من اليوم مات فن التصوير) ولاشك أن هذا الاختراع مثل أهم التحولات في قيم الصورة فيما بعد وامتد هذا الأثر إلى فنون الميلتميديا بعد أكثر من قرن ونصف من الزمان. فكان التحول في فنون ما بعد الانطباعية أكثر انفتاحا وأكثر غرابة في تشكيل بدايات الصورة المعاصرة, وصولا إلى صورة العمل الفني التكنولوجي الذي دخلت الصورة الرقمية والكمبيوتر به إلى أرحب الآفاق وأعقدها.



اما إسهامات العلماء المسلمين في مجال البصريات والضوء فأكثر من ان تحصى خاصة انها اتت في زمن مبكر جدا عن نظيراتها الغربية, لقد شغل ابن الهيثم الدنيا في هذا العلم وحفظ له ذلك, وقد شهدت الموسوعة البريطانية له بأنه أول مكتشف ظهر بعد بطليموس في علم البصريات والضوء, وقال الباحث الأمريكي بريفولت عنه أنه رائد علم الضوء, ونقل عنه روجر بيكون كتاب( المناظر) وادعاه لنفسه.

وكذالك اسهمت نسبية اينشتاين في تغيير مجرى الفكر الإنساني من فكر جامد إلى فكر مرن يؤمن بإمكانية التغيير وحتميته. انتهت نظرية اينشتاين النسبية العامة, إلى نفي معرفة كل ما هو مطلق, ومنها أثبتت الاتصال في الإدراك لكل من الزمان والمكان, بدليل إننا إذا أردنا أن نتبع الزمان فإننا نتبعه في المكان, فترجم للنقلات الزمانية بنقلات مكانية. لقد أثبتت النظرية وحدة الإبعاد لإدراك الأشياء ومنها وحدة الزمان والمكان اللذان حققا وحدتهما المستقبلية عن طريق تداخل الشكل والأرضية وبهذا نجد أن هذه التكاملية الحية التي يضيفها الزمن ـ كبعد رابع للصورة ـ فيجعلها صورة نابضة بالواقع والحقيقة. لقد حاول اينشتاين أن يتصوره الكون على صورة جديدة, وكان لرفض اينشتاين فكر الجاذبية قوة, بل تخلق حولها مجال من الطاقة, وهذا المجال إنما هو نتيجة التعديلات التي تحدث في الزمان والمكان حوله, وهكذا فكل شيء يخضع لخواص المجال المغناطيسي كما شرح ذلك اينشتاين في حركة الضوء, فالضوء طاقة ويسير في خطوط منحنية شأنه شأن أي طاقة خاضعة للمجال, فاغري بذلك المنطق النسبي كل شيء وسقط الحاجز بين المادة والطاقة, أصبحت المادة هي الطاقة والعكس. ومن هنا ظهرت المفردات التشكيلية في التكوينات المعاصرة في أوضاع تتخلص فيها من الجاذبية الأرضية, كأنها نسيج في الفضاء كما في أعمال السرياليين أمثال مارك شاجال, ووماجريت, وفرانسيس بيكون, وسلفادور دالي, الذي أخذت أعماله سمة عامة في تطاير أشكالها في الهواء لتجسد جانب من الحلم والخيال ـ وفي هذه اصورة مثال لتفكير الفنان دالي الذي جعل من عناصر عمله الفني أشكالا هلامية طائرة يشكل كل شكل عنصرا مستقلا عن الآخر,



لوحة سلفادور دالي ـ مادونا لميانا ـ زيت على كانفس ـ 1950م

فلخص ذلك للجميع أن إدراكنا للأشياء نسبيا, وليس حقيقيا نظراً لمحدودية حواسنا ولهذا نجد الفنان يحاول التعبير عما يراه على طريقة فهو يدرك بالفطرة أن ما يراه بعينه ليس هو كل الحقيقة وبالتالي فهو ليس ملزما به, فبإمكانه أن يتلمس الحقيقة لا بعينه بل بعقله أو ربما بعقله الباطن أو وجدانه, وبالتالي أتت تجديدات الفنان موازية في منطقها الفكري بمغامرة اينشتاين ومعادلاته الرقمية وحدوده الرياضية, ومحاولة هزيمة العلاقات المألوفة لأشياء وإزاحتها.
لقد عكس الفنان مدى تأثره الشديد بهذه المكتشفات والنظريات الهامة وأبدى إعجابه الشديد بها, ومن ذلك ما حوته التجارب والتوجهات الفنية لكثير من الفنانين ابتداء بتأثر لوحات الانطباعيين بموجة الحداثة الصناعية وانتهاء بالنظرية الفلسفية, وما النسبية إلا مثال بسيط حلق الفنان في فضائه باحثا عن كل مالا يستطيع إدراكه ومحاولا التكيف مع محيطه وأحيانا تكييف هذا المحيط والتأثير فيه, كما أشرنا سابقا إلى أعمال السرياليين والتجريد الهندسي.
أن تبع هذه التحولات العلمية دافع النقاد عن استقلالية العمل النقدي وابتعاده عن تمثيل الواقع الصرف وبما دخل عليه من وسائط تقنية وفنية, فقد نادى الأمريكي كليمنت جريننبرج في الابتعاد عن المنظور وعدم تجسيد الشكل من خلال النور والظل والتأكيد على استخدام الأشكال الهندسية والابتعاد عن استخدام المزج اللوني الرقيق واستبداله بضربات فرشها قوية وبطريقة قاصدة. وإذا عدنا إلى الوراء قليلا في العام 1914 كتب الناقد الانجليزي كليف بيل, يقول: لكي نقدر العمل الفني علينا أن نجلب معنا لاشيء من الحياة. ولعله بتأثير كلمنت وجرينبرج قدم مجموعة من الفنانين أمثال وليم ديكونينج وجاكسون بولك ومارك رنكو, لوحات هي من محاكاة الواقع الباطني غير المستقر للفنان, وبتأثير كليف بل أنتج مجموعة من الفنانين في الستينات لوحات تسمى (مونوكورم) أي أحادية اللون مثل أعمال ايف كلاين وبيرومانزوني والذي قدمت بطريقة تهكمية بدون انفعال يذكر, كما أشار ناقد الفن هافتمان إلى أن كثيراً من الفانين صرحوا بأن الاكتشافات العلمية أوضحت لهم الرؤية وأيدت اتجاهاتهم الفنية وفتحت لهم آفاق جديدة, وإنه بتعدد تلك الاكتشافات أمكن للتصوير المعاصر أن ينوع تكويناتها ومذاهبها. وهنا يمكن القول بصورة عامة أن التصوير المعاصر يبحث عن حصول التأثير النهائي بصورة فورية , والاتجاه إلى الانفتاح إلى المفاجآت, وأصبح من الضرورة التي عايشها الفنان المعاصر البحث عن الطرافة والتشويق وأحداث الصدمة والغرابة لدى المتلقي. ويمكن أن نرى أثر التطور التقني في المجال الطبي في تشريح جثث الأموات كما في هذه الصورة .


von Hagens - 2006

لقد كان أكبر إسهامات الاكتشافات التكنولوجية والعلمية, أنها اخترقت العوالم الخفية داخل الأشياء وبل وبثت صورة شبه مستحيلة لحقائق أشياء قد يصعب تصديقها فمن صورة البلورات والذرات, إلى تصوير ضوء لنجم قد انفجر من آلاف السنين يسير في مدار ولم يصل إلى الأرض بعد فأدرك الفنان نتيجة لهذا الإدراك العلمي العام أنه لا يمكن التعرف على ماهية أي شي, ولكن يمكن معرفة وإدراك سلوك الشيء وعلاقته بمحيطه و الكيفيات التي يوجد بها في الظروف المختلفة.
فظهرت السمات اللا تمثيلية التجريدية لتعبر عن مضامين جوهرية والبحث في مكونات الأشياء الداخلية, وهنا بدأت الصورة الفنية تصدر الألوان والأشكال والضوء والحركة والصوت كأساس تشكيلي تعبيري دون البحث في إطار موضوع بعينه لصورة متحركة أصبحت قوام مذاهب التصوير المعاصر.

اما في إطار النظرية الفلسفية نجد اتفاق نظرية سارتر الوجودية مع فكر فناني الواقعية الجديدة كاتجاه فني يميل إلى التحرر, والتعبير عن روح الجماعة, وحرية التفكير والذاتية المطلقة والاحتكام إلى رأي الفنان الخاص, فارتبطت الواقعية الجديدة كمذهب بصري مع الفلسفة الوجودية في نظرتها للحياة العادية التي لا تفهم إلا بالإشارة إلى الظروف المعيشية ولا تقرأ إلا تحت ضوء الحوادث التي هي صورة لمجتمع يعبر عن أفكاره وأحلامه ومدى تقدمه الحضاري والثقافي, فكانت الصورة في فن الواقعية الجديدة مسايرة فلسفيا للفكر الوجودي المبشر بما يمكن أن يكون عليه المستقبل, فالفنان يصور تلك العلمية التي يثور بها كفرد في صورة عمل فني يفرضه عليه الواقع, وهذه الصورة لها دورها الهام في تكوين المجتمع كأي عمل آخر سياسي كان أو اجتماعي أو اقتصادي. لقد ارتبطت الأعمال الفنية لفن الواقعية الجديدة بفلسفات فكرية هي المعادل الطبيعي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية, فالمكتشفات العلمية وما أتاحته التكنولوجيا من الاهتمامات الإنسانية والمنطلقات الفكرية, وما عكسته على الأيدلوجيات والعلوم الإنسانية والفنون.







ان تبني صورة العمل الفني في فنون ما بعد الحداثة كل تلك التغيرات من مفاهيم فلسفية ومناهج فكرية واختصت بترجمة الواقع فطرحت قضايا مستمدة من وراء الأشكال التي تحيل إلى تصورات ذهنية مرتبطة بالواقع ليصبح الفن جميعا يرتكز على المحاكاة التهكمية والمشاركة الجماهيرية ولا يضيف إلى الواقع نفسه بل يعكس الواقع , في ظل هذا التصور الوجودي ظهرت هذه التعوجات الفنية كمعادل فني لفهم الثقافة الجديدة فعكست الصورة واقع الإنسان والثقافة والمجتمع و برزت في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية, دراسات الأنثربولوجيون (علماء علم الإنسان) في نظرية المادية والثقافية Clalrura Marerialism والتي وضعها الأمريكي مافين هاريس, والتي أوضحت أن الأوضاع المادية للحياة الإنسانية لها أولويتها, بل تفوق أهميتها النظم الاجتماعية وأنساق الفكر والمعتقدات. وقد فسر هاريس المادية الثقافية, على أنها استراتيجية أو طريقة بحث تجعل الهدف الأول لها هو تقديم تفسيرات لأوجه الاختلاف والتشابه في الأنماط الفكرية والسلوكية للجماعات البشرية. لقد أثرت هذه النظريات في تشكيل الفكر الثقافي لمجتمع ما بعد الحداثة في ما بعد الحرب العالمية الثانية, وأعطت هذا التصورات لفكرة الاتصال الثقافي تدعيما نظريا ومعرفيا لما أنتجته الفنون من حيث التعبير عن الطبيعية الإنسانية الجديدة, لقد شرحت صورة العمل الفني لفناني الواقعية الجديدة المجتمع بصيغ نقدية وأثارت هذه الأعمال دراسة لواقع الظواهر الثقافية والاجتماعية بل واعترفت بها ووثقتها كظواهر ووقائع تاريخية, فحفلت الصورة بالقيم النقدية, وحرصت على انتقاء وإظهار الحقيقة الحافلة بالتناقض والازدواجية, وذلك بغية الكشف عن الجوهر الموضوعي لهذه الظواهر, وكان الخروج من إطار اللوحة المسندة والاتصال بساحة الحياة نفسها وما تحفل به من العبث والسخرية, وأصبح نقد المجتمع من خلال النماذج الحية دون الحاجة إلى إعادة تمثيله , فجاءت بعض الصور تسخر من الحياة اليومية بمناقضاتها من حروب وانتحار وفلسفة الاستهلاك وحوادث الاغتصاب والدعايات السياسية ومواضيع البيئة والمكتشفات الكونية. وأحداث الثورة الالكترونية والتكنولوجية, لقد حفلت صورت العمل الفني للواقعية الجديدة بتعدد استخدام الوسائط المكتشفة في ذلك الوقت ابتداء من ألوان الأكريلك ألوان الطباعة والأحبار وانتهاء بالمواد البترولية المصنعة من اللدائن والألياف البصرية, فعكست في جانبها المحسوس دلالات المجتمع الصناعي الحديث وانتقلت من مرحلة المعرفة النظرية والتقنية للفنان إلى مرحلة التطبيقات العلمية والتكنولوجية فأصبح الخيال الفني خيالا ابتكاريا, انتقل من مرحلة المبدأ الإستاطيقي الذي يركز على جماليات العمل الفني, إلى مبدأ يتجاوز التجربة الحسية, ويكشف عن خصائص الواقع المادي , فتحرر الفنان من المنطق العقلي القديم ذو النزعة التجريبية, وبدأت صورة العمل الفني في الجدية في مناقشة البديهيات الموروثة سعيا لابتكار واقع جديد.


.


.
اسف على الاطالة.
انتهى.
ـــــــــــــ
الحقوق محفوظة لبراااق الحازم
.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي

التعديل الأخير تم بواسطة شذى الريحان ; 22-10-2012 الساعة 11:45 PM.
براااق الحـــازم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس