عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-2010, 10:52 PM   #10
شاعر المهجر
 
الصورة الرمزية شاعر المهجر
 







 
شاعر المهجر is on a distinguished road
افتراضي سبحانية جمعان اليوفورية !

موسم الهجرة إلى مكّـة




إن الهجرة ومفهومها قد يبدو لنا عاماً لكننا نريد أن نستخدم مصطلحات أكثر عمليّة مثل الذهاب أو العودة, من يخرج من ديرته إلى ديرة أخرى هل يقال عليه أنه مهاجر؟ هل الهجرة تقتصر على من يخرج من موطنه القطريّ كعرب بالنسبة لنا أم أن مجرد انتقالك من بيتك إلى بيت آخر يدخل في ذلك؟ أسئلة لا إجابة عليها وسوف نستمرّ في البحث حتى تنسدّ نفوسنا ونحن لم نجد بعد الإجابة .. ما علينا .. في خلال العشرين سنة الماضية أو الثلاثين تحديداً هاجر أو انتقل غالبيّة سكان المنطقة الجنوبيّة للمملكة العربيّة السعوديّـة إلى مكة وجدة والطائف والرّياض بل ومنهم من أعرفه من سافر إلى المنطقة الشرقيّة لأنه وحسب كلامهم يقولون : من لم يصبح ثريّاً في تلك الآونة ( عهد الملك خالد ) فسوف لن يصبح ثريّاً الشيء الذي لم يكن ينرك أي أثراً في النفوس كانت فقط تعبيرات عابرة لا تجد أيّ صدىً والحقيقة أن من يشغّل مخه يمديه يصبح مليونيراً في هذا البلد بس النّاس فضّلت النّوم والتسدّح... غالبيّة الشباب في تلك الفترة انتقل من موطنه الأصلي ودوّر له على وظيفة >> عسكريّة ما كان فيه غيرها << الكل ذهب وخرج يبحث عن لقمة العيش التي يسدّ بها نفسه وعياله .. هناك من استوطن وهناك من صار يذهب ويجيء على ديرته التي لا يمكن أن ينساها ويشعر بالألم لمجرّد الخروج منها ..
ومع ازدياد الكثافة السّكانيـة وتقدم العمران والعلم الذي أخذ في الانتشار بدأت الحارات الشرقية بما فيها حارتنا المذكورة تتّسع وتستقبل أكثر من عائلة ؛ لدرجة أنّه لم يعد هناك أي اهتمام لمقدم أحد حتى لو كان جاراً للآخر لا أحد يدري عنه من أين هو ومن فين فصله! وهذا كان ما يقلق رجالات الحارة كيف لهم ان يجهلوا الجار وقد وصّى به الرسول صلى الله عليه وسلم.

لكن ما يحدث هو ان خضر الأب الروحي لحارة الزيود يتقاعد من عمله ذو الراتب الزهيد ثم يقرر لأبنائه ويقترح عليهم أن يخرجون من بيتهم ويؤجره - حتى يسكنون في الديرة- على المهاجرين من المنطقة الجنوبية فإنهم لا يترددون في الاستئجار ولو كان ذلك فوق المعقول! لكن أهله لا يستحسنون فكرة أبيهم وتنعته زوجته بالمعتوه الآبق ,, أما أبنائه فإنهم يحاولون اقناع أبيهم بأنه لا يوجد في الديرة غير ( العقارب )! , يلعب أبناؤه دور الفاهمين والمتحضرين: " ياآآآبونا انتا شيبا كبير ما تجوز لك الديار هآآآآدي" ! يرضخ أبيهم أخيراً بعد التوسّلات من بناته المطيعات واقتراحات أولاده المثقفين والذين تخرجوا من أعرق المدارس!
" يآآآآبويا النّاس هربت من الديرة حقّونا وانتآآآ تبغآآآآ تروح فين احنا عآآآآيشين"! يهزّ برأسه أخيراً ويردف: " لكن لن يمنعني آحد من تربية الغنم فهذه هوايتي وهوّيتي مذ كنت يافعاً! رعيت الغنم وأنا طفل لم أدر بعد ماذا يراد بأي شيء, يا عييلي أنا أكبر منكم وأعرف منكم المدن ما تصلح لنا , المدن ما وراها غير وجع الرآآس , اسمعوا كلامي ترا بكرة الأيـام ما تقدرون تواصلون حياتكم لا في المدن هذي ولا في ديرة أبوكم وجدكم, يختم خضر كلامه الجاد بالتهليل والتكبير والتعوّذ من الشيطان الرجيم ", وخضريّة تهز برآسها علامة التصديق لكن الحال لا يعني إلا أن نساير العصر ونواكبه.

لا ندري حتى الأن ماذا تخبّئ لنا الأيام والأيام حبلى, وصديقنا جمعان يلتزم ويطيل لحيته التي تتوزّع على وجهه , لكنّه ما يلبث أن ((يطرشها)) على حسب كلامه وكأن لحيته شيئاً ليس ذو أهمّية! يلتزم ثمن يفصخ يلتزم ثمن يفصخ وماذا يعني ذلك غير أن صاحبنا متأزّم؟ وماذا يعني ذلكم إن لم يكن مريضاً نفسياً؟؟؟ لم يعد يخرج مع الشلّة القديمة فهو معلّم ومن العيب أن يرافق المعلّمين سلاتيح! بدأ صديقنا يصير ثقيل مرّة واحدة >> نسينا << واشترى من أوّل راتب له سيّارة كدلك أمريكي طولها تسعة أمتار موديل خمسة وسبعين >> زمان كانت هاي كلاس<< وبدأ يذهب ويجيء ويجول الأسواق بسيارته ويتمشّى لكنه افتقد لأصحابه وفي نفس الوقت من المستحيل أن يرافقهم ثانية لما يسبّبونه له من مشاكل وإحراجات , ترك الفتونة وترك البلطجيّة لكن الشيء الوحيد الذي لم يستطع أن يتركه هو الشمّة! افتقد للرفقاء وافتقد معهم كلّ بهجة وسرور.. كانت تحدثه نفسه بالاسرار لأمه بنيّة الزواج ولكنّه كان يتلاشى من الخجل, لا لا لا انها فكرة سيّئة ثم هل أتزوج وأترك بزارين الحارة الذين نظمت فيهم الكسرات ؟ هذا ما يأباه طين الأرض وينكره!


سكنت في الحارة عائلة من المنطقة الجنوبيّـة وتحديداً من عسير, كانوا هؤلاء عائلة تصعّر خدّهـا ولا تعترف بغيرهم من أهل الأرض يعني كانوا متكبرين.. كانت هذه العائلة كبيرة جداً لدرجة أنك لن تصدّقني! من غير الأب والأم كانوا اثنان وعشرين نسمة داخل المنزل .. أحد عشر من الأولاد وأحد عشر من البنات! .. كانت هذه العائلة مشكلجيّة لدرجة أنهم لا يدفعون الحساب في الرّد الموية ولا يسددون فاتورة الكهرباء بمعنى آخر كانت عائلة غير مبالية ولا تهتم إلا بنفسها >> أنانيّة<<
وبدأت الحارة تعجّ بالسّكان الذين كما قلنا من كل حدبٍ وصوب, العائلات الجنوبيّة تمتهن الوظائف العسكريّة.. والعائلات البدوية تحتكر المحلات التّجاريّة والأســواق .. والوظائف المدنيّة والتعليمية كانت مشتركة بنسبة متفاوتة بين الشباب الذين كان لهم طموح وهو مواصلة التعليم وحب التعليم.. ففي الحارة الواحدة تجد السعودي القبيلي مثلاً يعمل محاسباً أو طباخاً .. لم تعد لعنة الوظائف موجودة بين الشباب كان كل شيءٍ قد تغيّر.. صارت البنات ترتاد المدارس بشكل يفوق ( الذكور ) بشكل ملموس.. وصارت المرأة في خلال فترة بسيطة تعمل معلمة , مصرفيّة.... لا شكّ أنها فترة انتقاليّة من الظلام الى التنوير..

يبدو لي ويترائى من بعيد أن ذلك الذي يحمل فوق ظهره كرتوناً كبيراً هو جمعان >> رجعنا << مرّ من جنبي ومعه عامل أجنبي يقود به وضحكت في نفسي وقلت: " ما هذا الذي تحمله على ظهرك يا معلّمـي؟؟؟" .. سكت قليلاً وحاول الاجابة وبشيءٍ من التردّد ردّ عليّ: " هذا جهاز لجلب القنوات الفضائية, اشتريته لكي أشاهد الأخـبـار!" لكن الحقيقة أن جمعان هذا كان خجلاً من رؤيتي له وهو يحمل فوق ظهره اللاقط الفضائي.. في تلك الحقبة كان مجرّد جلب جهاز التيليفيزيون الى البيت يظل حديث الحارات المكاوية أجمعها .. كان مجرد العلم أن فلاناً من الناس قد أدخل التلفاز الى بيته يقاطعونه ويلعنونه وينعتونه بالمجنون والأوصاف التي تعرفونها.. كانوا لا يتزوّجون من عائلته ولا يزوّجون! كان بمعنى أصح منبوذاً .. علمت الحارة عن خبر الدش اللاقط الفضائي عن طريق بهلول الذي يتردّد على ((عمّه)) طبعاً بهلول صار الواد حق جمعان .. علمت الحارة وقامت الدّنيا على نفسها وشمّرت الحارة عن ساعد الجدّ فجمع أعيان الحارة إلى مؤتمر تفصل فيه من أمر تلك العائلة التي خرجت على القانون والعرف السّـائد.. >> طبعاً تاريخ العائلة هذي المسيكينة لم يشفع لها عند أعيان وشيوخ الحارة << وتقرّر المؤتمر إلى مقاطعة جمعان وأبوه خضر آل مرارة .. وكان يخرج الشيبة المسيكين إلى المسجد فلا يلتفت إليه أحد ولا يسلّم عليه أحد.. طبعاً استغرب شيخنا ما يجري ولكنّه علل ذلك بأنه النفوس التي تتفاوت درجات الحميميّة لديها.. وفي الأول والأخير هم من البعيدين حاشا الملايكة والسّـامعين.. ويبدو أن حارتنا العشوائيّـة هذي على بركان من التغييرات الجديدة التي سوف تشهدها على المستوى السطحى على الأغلب .. لكن جمعان وحده من لا يأبه بما يجري ولا يعلم أصلاً لأنه تحت التليفيزيون أربعة وعشرين ساعة لا يطلع ولا يخرج.. عيونه ما تغمض من ما يشوف والله يصلحه أعتقد أنه سوف يمرّ بأحداث تغيّره لا ندري.

يتبع......

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
ɷ ڜـۉێّـڅ ݦـن أٱٱږڞ ټـڪڛـٱٱٱښ

ۅڜ ؏ـڷۓ ٱڶڹٱښ ݦڼۍ ؟ɷ
أخر مواضيعي
شاعر المهجر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس