عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-03-2011, 10:31 PM
عبد الكريم العدواني عبد الكريم العدواني غير متواجد حالياً
 






عبد الكريم العدواني is on a distinguished road
افتراضي ما بعد التقاعد ...

ما بعد التقاعد ...


التقاعد من العمل الوظيفي الرسمي ، سواء أكان وفق رغبة الشخص ، أو بقوة النظام كما هو معروف ، هو انفكاك من الارتباطات الرسمية ، ومن مسئولياتها وعلاقاتها التي تجعل المرء مقيدا في حركته ودخوله وخروجه ، ونومه وأكله وشربه ، بل حتى في تفكيره ومشاعره وآماله وطموحاته ، ونظرته لمن حوله ، ونظرته للمستقبل ، ولذلك فإن من يسعى وراء الحصول على التقاعد المبكر فهو غالبا ما يهدف إلى الإبقاء على شيء من الحيوية ، واستثمار ما تبقى لديه من طاقات ذهنية ، وقدرات عقلية ، وما يتوفر لديه من وقت وحرية حركة ليستمتع بها في ما تبقى له من أيام أو سنوات من عمره.
والناس في مرحلة ما بعد التقاعد أصناف ، فمنهم من جهز لهذه المرحلة متطلباتها مسبقا منذ فترة الطفولة والشباب من استثمار للوقت وتنمية للمهارات والمواهب والميول ، وتمكن بتوفيق الله من الاستفادة من الوقت بطريقة سليمة ، تجعله لا يشعر بخطورة الإحساس بالفراغ القاتل ، وهول الفوضى التي تعقب التقاعد ، ومن المتقاعدين من لم يكن لديه في أيام صباه ما يصرف فيه أيامه ولياليه ، ولا أتيحت له الفرصة ليتعرف على ما لديه من قدرات ، ومواهب وطاقات ، فهذا يفاجأ بهذه المرحلة ، ويجد نفسه كمن ألقي به في اليم وهو مكتوف اليدين معصب العينيين، ليس لديه خبرة في السباحة أو الغوص ، ولم يتعلم كيف ينقذ نفسه من المخاطر، وكم من الناس قضى عليه المرض وهو ( مت – قاعد ) ، فهو لا يدري كيف يقضي وقته بطريقة سليمة ، فما بين أكل ونوم وجلوس في البيت دون أي مهام ، أو تصلب أمام شاشة التلفزيون والفضائيات ، وفي يديه الشيشة أو السيجارة التي تلوث أنفاسه، وتدمر صحته ومن حوله ، وهو في خضم هذا الفراغ الموحش يصرخ في أهل البيت لتوفير احتياجاته ولو كانت تافهة ولا يريد التحرك من مكانه ، ولو لم يكن به عرض أو مرض ..!!
هذه بعض صور البشر في مرحلة ما بعد التقاعد ، ومن المؤسف أن الصورة الثانية هي الأكثر شيوعا ، لأسباب عديدة ، وفيها تتراكم على أصحابها الأمراض والمشكلات النفسية والاجتماعية والمالية غالبا ، ومن المعروف أن هذه العينة ينطبق عليهم المقولة الشائعة ( مت – قاعدا ) ، أما الصورة الأولى فهي تحمل بين ثناياها إشراقات عديدة ، وتحمل أصحابها إلى آفاق جديدة ، وانطلاقات جميلة في الحياة ، أي أن التقاعد بالنسبة لهم بداية حياة، لا نهاية حياة ، وولادة لإنسان جديد ، ولذلك فإن الكثيرين ممن يجدون في أنفسهم طاقات وقدرات مكنوزة ، وإمكانات مهدورة خلال العمل الوظيفي ، فإنهم يتلهفون للوصول إلى اليوم الذي يحيلون أنفسهم على التقاعد ، وقد يكون لدى أكثرهم خططا واضحة ، وصورا مشرقة لما تبقى لهم من أيام أو سنين في هذه الحياة ، و من النادر أن تجد أحدهم يشعر بالغربة ، أو يعاني من الأمراض النفسية ، أو اختلاق المشكلات العائلية فيما بعد التقاعد ، وهم يعيشون حياتهم مستمتعين بها ، ويتمنون التقاعد لمن يحبون ، ولكل من يجد المكدرات في عمله الوظيفي .
كنت أظن نفسي خبيرا ، وصاحب رؤية متميزة في هذه القضية ، ولذلك كنت أتحدث لمن يسألني عن التقاعد وما بعده وما قبله مسديا إليه النصيحة بأن يضعوا لأنفسهم برامج عمل ، وخططا مستقبلية كي يستمتعوا بالتقاعد ، ويعيشوا حياة سعيدة لا نكد فيها ، ولا نصب ، وكنت أحرص على الربط بين مرحلة الطفولة والشباب ، وأهمية استثمارها ، واكتشاف القدرات والميول لدى الطفل والشاب ، ومساعدتهم على تنميتها وتشجيعها ، لأن ذلك يعين المرء بتوفيق الله على تخطي مشكلات ما بعد التقاعد ، وأن من لم يضع في حسبانه هذه الرؤية ، فإنه سيخسر كثيرا ، وسيموت واقفا ، أو قاعدا ، أو نائما ، متخما بالأمراض والعلل ، مكبلا بالهموم والمشكلات العائلية والاجتماعية والنفسية ، لأنه لا يجد بين يديه ما يصرف فيه وقته ، ويستثمر فيه ما تبقى له من قدرات عقلية وطاقات نفسية وجسمية ، فهو كالتائه في بيداء ممتدة لا يرى لها نهاية ، أو الضائع في غابة مظلمة موحشة ، يتخبط يمنة ويسرة ، لا يعرف ليلا من نهار ، ولا صيفا من شتاء ، لا يلتذ بنومه ، ولا يلذ له طعام ولا شراب ، و قد وجدت أن ما توصلت إليه في هذا الموضوع قد سبقني إليه أناس كثيرون ، وقد ألف في هذا كتب ومقالات ودراسات ، وهذا مما أكد لدى صحة زعمي ، و ما توصلت إليه من نتيجة الخبرة الشخصية المتواضعة ، ولذلك فإنني أؤكد على أهمية توجيه واكتشاف مواهب وقدرات وميول الناشئة ، وتشجيعهم على الإفادة منها ، وحمايتهم من أخطار الفراغ سواء خلال أيام الدراسة أو في الإجازات ، ومساعدتهم على تخطي طفولتهم وشبابهم بتوفير ما يحتاجون إليه من إمكانيات سواء في المدرسة ، أو البيت أو المؤسسات التي ترعاهم وتعني بشئونهم ، و إلا فإنهم سيواجهون مستقبلا كئيبا ، وسيجدون أنفسهم أمام حياة مغتمة لا بصيص أمل فيها.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
بي شهوة الحلم القديم..
وضحكةً..
بعد التنائي..
قد اختفتْ !
أخر مواضيعي
رد مع اقتباس