عرض مشاركة واحدة
قديم 05-03-2010, 10:27 PM   #10
ابو اسامة الزهراني
موقوف
 







 
ابو اسامة الزهراني is on a distinguished road
افتراضي سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله


سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن قوم داوموا على الرياضة مرة، فرأوا أنهم قد تجوهروا ، فقالوا لا نبالى الآن ما علمنا وإنما الاوامر والنواهى رسوم العوام ولو تجوهروا لسقطت عنهم ، وحاصل النبوة يرجع إلى الحكمة والمصلحة والمراد منها ضبط العوام ، ولسنا نحن من العوام ، فندخل فى حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة ، فهل هذا القول كفر من قائله أم يبدع من غير تكفير وهل يصير ذلك عمن فى قلبه خضوع للنبى ؟!


فأجاب رحمه الله : لا ريب عند أهل العلم والايمان ان هذا القول من أعظم الكفر وأغلظه ، وهو شر من قول اليهود والنصارى ، فان اليهودى والنصرانى آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض وأولئك هم الكافرون حقا كما ذكر أنهم يقرون بان لله أمرا ونهيا ووعدا ووعيدا وان ذلك متناول لهم إلى حين الموت هذا ان كانوا متمسكين باليهودية والنصرانية المبدلة المنسوخة وأما ان كانوا من منافقى أهل ملتهم كما هو الغالب على متكلمهم ومتفلسفهم كانوا شرا من منافقى هذه الأمة حيث كانوا مظهرين للكفر ومبطنين للنفاق فهم شر ممن يظهر إيمانا ويبطن نفاقا.

والمقصود ان المتمسكين بجملة منسوجة فيها تبديل خير من هؤلاء الذين يزعمون سقوط الأمر والنهى عنهم بالكلية فان هؤلاء خارجون فى هذه الحال عن جميع الكتب والشرائع والملل لا يلتزمون لله امرا ولا نهيا بحال بل هؤلاء شر من المشركين المستمسكين ببقايا من الملل كمشركى العرب الذين كانوا مستمسكين ببقايا من دين إبراهيم عليه السلام فان أولئك معهم نوع من الحق يلتزمونه وان كانوا مع ذلك مشركين وهؤلاء خارجون عن التزام شىء من الحق بحيث يظنون أنهم قد صاروا سدى لا أمر عليهم ولا نهى .

فمن كان من قوله هو أنه أو طائفة غيره قد خرجت عن كل أمر ونهى بحيث لا يجب عليها شىء ولا يحرم عليها شىء فهؤلاء أكفر أهل الأرض ، وهم من جنس فرعون وذويه وهم مع هذا لا بد أن يلتزموا بشىء يعيشون به إذ لا يمكن النوع الانسانى ان يعيش الا بنوع امر ونهى فيخرجون عن طاعة الرحمن وعبادته الى طاعة الشيطان وعبادته ففرعون هو الذى قال لموسى ( وما رب العالمين ) ثم كانت له آلهة يعبدها كما قال له قومه ( ويذرك وآلهتك )



ولكن كثير من هؤلاء لا يطلقون السلب العام ويخرجون عن ربقة العبودية مطلقا بل يزعمون سقوط بعض الواجبات عنهم أو حل بعض المحرمات لهم فمنهم من يزعم أنه سقطت عنه الصلوات الخمس لوصوله إلى المقصود وربما قد يزعم سقوطها عنه إذا كان فى حال مشاهدة وحضور وقد يزعمون سقوط الجماعات عنهم استغناء عنها بما هو فيه من التوجه والحضور ومنهم من يزعم سقوط الحج عنه مع قدرته عليه لأن الكعبة تطوف به أو لغير هذا من الحالات الشيطانية ومنهم من يستحل الفطر فى رمضان لغير عذر شرعى زعما منه استغناؤه عن الصيام ومنهم من يستحل الخمر زعما منه انها انما تحرم على العامة الذين إذا شربوها تخاصموا وتضاربوا دون الخاصة العقلاء ويزعمون انها تحرم على العامة الذين ليس لهم اعمال صالحة فأما أهل النفوس الزكية والاعمال الصالحة فتباح لهم دون العامة


وهذه الشبهة كانت قد وقعت لبعض الأولين فاتفق الصحابة على قتلهم ان لم يتوبوا من ذلك فان قدامة بن عبد الله شر بها هو وطائفة وتأولوا قوله تعالى ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طمعوا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ) فلما ذكر ذلك لعمر بن الخطاب اتفق هو وعلى بن أبى طالب وسائر الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جلدوا وان اصروا على استحلالها قتلوا

وقال عمر لقدامة اخطأت استك الحفرة اما أنك لو اتقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشرب الخمر ، وذلك ان هذه الآية نزلت بسبب ان الله سبحانه لما حرم الخمر وكان تحريمها بعد وقعة احد قال بعض الصحابة فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر فأنزل الله هذه الآية يبين فيها ان من طعم الشىء فى الحال التى لم تحرم فيها فلا جناح عليه إذا كان من المؤمنين المتقين المصلحين .


وهذا كما انه لما صرف القبلة وامرهم باستقبال الكعبة بعد ان كانوا مأمورين باستقبال بيت المقدس فقال الله تعالى ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أى صلاتكم إلى بيت المقدس فبين سبحانه ان من عمل بطاعة الله أثابه الله على ذلك وإن نهى عن ذلك فى وقت آخر ومن استحل ما لم يحرمه لم يكن عليه جناح إذا كان من المؤمنين المتقين وإن حرم الله ذلك فى وقت آخر فأما بعد ان حرم الخمر فاستحلالها بمنزلة الصلاة إلى الصخرة بعد تحريم ذلك وبمنزلة التعبد بالسبت واستحلال الزنا وغير ذلك مما استقرت الشريعة على خلاف ما كان والا فليس لأحد ان يستمسك من شرع منسوخ بأمر ومن فعل ذلك كان بمنزلة المستمسك بما نسخ من الشرائع فلهذا اتفق الصحابة على ان من استحل الخمر قتلوه ثم ان أولئك الذين فعلوا ذلك ندموا وعلموا انهم اخطأوا وايسوا من التوبة فكتب عمر الى قدامة يقول له ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ) ما أدرى أى ذنبيك أعظم استحلالك المحرم اولا ام يأسك من رحمة الله ثانيا


وهذا الذى اتفق عليه الصحابة هو متفق عليه بين أئمة الاسلام لا يتنازعون فى ذلك ومن جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة كالصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت العتيق أو جحد تحريم بعض المحرمات الظاهرة المتواترة كالفواحش والظلم والخمر والميسر والزنا وغير ذلك أو جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة كالخبز واللحم والنكاح فهو كافر مرتد يستتاب فان تاب والا قتل وان اضمر ذلك كان زنديقا منافقا لا يستتاب عند اكثر العلماء بل يقتل بلا استتابة إذا ظهر ذلك منه


ومن هؤلاء من يستحل بعض الفواحش كاستحلال مؤاخاة النساء الأجانب والخلو بهن زعما منه انه يحصل لهن البركة بما يفعله معهن وإن كان محرما فى الشريعة وكذلك من يستحل ذلك من المردان ويزعم ان التمتع بالنظر إليهم ومباشرتهم هو طريق لبعض السالكين حتى يترقى من محبة المخلوق ( الى محبة الخالق ) ويأمرون بمقدمات الفاحشة الكبرى وقد يستحلون الفاحشة الكبرى كما يستحلها من يقول ان التلوط مباح بملك اليمين فهؤلاء كلهم كفار باتفاق المسلمين . مجموع الفتاوىجـ11 ص405
ابو اسامة الزهراني غير متواجد حالياً