بعد ما عانيت الأمرّين في الدخول لمكتب وزارة الخارجية بجدة ظننت أن معاناتي انتهت عند أولئك الحرس بالباب !
فأخذت بطاقة " زائر " .. و اتجهت لموظف الاستقبال بالبهو الرئيسي أستأذنه في الدخول لأحد المكاتب المعنية بما أُريد !!
فقال لي : تفضل .. المكتب الثاني على اليمين
فذهب حيث أشار عليّ .. و إذا بالباب موصداً !
طرقت الباب مرة .. لم يفتح أحد !
ثم طرقته ثانية .. ففتح الباب - باستغراب - شابُ نحيل الجسم وسيمُ ..
و إذا بتلك الرائحة النفّاذة تفوح و تتغلغل في خياشيمي .. و هي ليست محبذةً لدي إطلاقاً !
لأنها كانت رائحة " خميرة " التميس الذي كان يأكله هو وصاحبه .. أو هو و زميل عمله .. لا أدري !
إلا أن المشكلة لم تكن في تلك الرائحة القوية المستغربة في مكتبٍ كهذا فحسب ..
بل تعدّى الأمر ذلك إلى أن الشاب .. كان عابس الوجه .. قائلاً لي : ماذا تريد ؟!
فظننت أنني قصدت المكان الخطأ .. أو أنني أمام شقة بإحدى العمارات السكنية !!
و قلت له في الحال : أريد .. أريد التأشير على جواز سفر الخاص
فقال لي : انتظر في الخارج !
فعًدت أدراجي .. مستغرباً مما شاهدت و سمعت !!
و تبوأت مكاني في البهو الرئيسي للمكتب
و بعد أن أخذت راحة بسيطة .. خاطبني أحد الجالسين ممن كان له نفس حاجتي : ما بك يا أخ ؟
فقلت له ما حدث !
فقال : اصبر يا صاحبي .. " الصبر مفتاح الفرج "
فقلت له : هو كذلك
[align=right]و نتيجة لعناء السفر الذي كان يلفّني ، و الراحة التي وجدتها على تلك الأريكة في ذلك البهو ، و نسيم المكيف البارد ..
خالجني شعورُ بالراحة .. فتفوقت على تعبي و استرخيت قليلاً !!!
< و إذا بموظفٍ يسير قادماً إليّ مبتسماً .. فرمقته بعيني حتى وقف أمامي .. قائلاً :
أهلاً و مرحباً بك في مكتبنا الموقر .. كيف لي أن أخدمك ؟
فوقفت له احتراما ممزوجاً بالدهشة .. فقال مرةً أخرى : كيف أخدمك ؟ و لماذا أنت مندهش ؟!
فقلت له : هناك تباين واضح بين ما حصل لي ( قبل دقائق ) .. و بين ما أعايشه الآن !!
فتبسّم و علامات الدهشة تعلو محيّاه قائلاً :
هذا يحتّمه عليّ عملي .. و هكذا يجب أن أكون .. أولسنا مسلمين ؟!
قلت : بلى !
قال : فديننا يدعو للإخلاص في العمل ، و التواضع و لين الجانب .. و غيرها من حميد الصفات
فقلت : جزاك الله خيرا .. لله درُّك من فتى .. لا فُض فوك
فقال : تعال معي !
فذهبت معه .. و دخلنا للمكان الذي يعمل فيه ، و إذا برائحة العنبر و العود تفوح من كل أرجاء ذلك المكتب ..
متفوقةً و طامسةً لتلك الرائحة البغيظة التي شممتها من قبل ، و التي كانت معششةً برأسي !
فقال لي : تفضل بالجلوس ، و نادى لي بكوب عصيرٍ طازج و بارد !
فأخذ مني جواز سفري .. و أنهى ما أريد ببساطةٍ وسرعةٍ كبيرتين !!
و بعد أن تجاذبنا أطراف الحديث عن كل ما هو سار و بنّاء ..
قدّمت له كل عبارات الشكر و الامتنان .. لأنه " يستحق "
و استأذنته و غادرت مكتبه فرِحاً مسروراً .. و أنا أردد : الحمد لله - شكراً لك - كثر الله من أمثالك !>[/align]
و إذا بصاحبي ( الأول ) الذي قال لي : " الصبر مفتاح الفرج " .. يناديني و يقول لي : ما بك يا رجل ؟!
هل أنت تحلم ؟!
و عندما فتحت عيناي .. وجدت أنني بالفعل كنت أحلُم .. فيا ليته تركني أستمتع بذلك الحلم الذي ..
يقف امام تحقيقه العديد من ( المتقاعسين عن العمل ) !!
و أردف قائلاً : لقد انهيت أموري .. إذهب للداخل و لتُنهي أمورك أيضاً ..
فذهبت للداخل .. و إذا برائحة " خميرة التميس " لا تزال سارية المفعول
و قام المتسبب بهذه الرائحة - ذو الوجه المكفهرّ - بأخذ جواز سفري مني .. و وضع عليه الختم و التأشيرة و أعاده لي
< لكنه لم يناولني كوباً من العصير > !!!
فغادرت المكان و أنا أدعو الله أن تصبح مؤسساتنا بلا رائحة خميرة ..
و أن يشغلها المخلصين من العاملين
* * *
دمتم في حفظ الرحمن
///