عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-08-2016, 01:15 AM
الصورة الرمزية حصن الوادي
حصن الوادي حصن الوادي غير متواجد حالياً
 






حصن الوادي is on a distinguished road
افتراضي النّفوس الغنيّة ..






أجساد نحيلة جافة تُزهر حُباً وفرحاً ،، و وجوه متجعّدة شاحبة تقطر وقاراً وحياءً ،، وأكُفٌ متقطّعة متشقّقة تندى بالعطاء.

أمانيهم الأجر والجنة ،، وآمالهم القالات والأمداح ،، وطموحاتهم إكرام ضيف ونصرة ضعيف وإيواء جار وطرد عار.

ليس لديهم من متاع الدنيا إلا المُتعة والفرح ،، فالزير صديقهم ،، والرقص لغتهم ،، والغناء أنفاسهم.

في تلك الأيام الشداد الملاح ..
كان ذلك الابن النحيل ذو الثمانية عشر ربيعاً (ككل الأبناء في زمن الهكبة).
سافر واغترب عن الديره بحثاً عن لقمة عيش يسد بها رمقه ،، وتوفير ما يستطيع من مال ليرسله إلى (الشيبه) في الديرة ،، لعلّه يتفكّك (الركايب) المرهونة في (أمداد شعير) ،، ولعلّه يحفظ ما تبّقى من (ماء وجه الشيبه المتصحّر) من غلبة الدين و من شدة الفقر والفاقة.

توجه إلى بطحان (بيدة) وما عنده إلا وجه الله الكريم ثم (ثوبه في حلقه) ،، ليجد في قرية بيدة من (يكري عليه بالآجل) مع أصحاب السيارات.

سافر إلى الرياض ،، فأراد الله أن يفتح عليه بعمل بسيط جمع منه بعض المال الذي بدأ به تحقيق الحلم ومشروع العمر ونقطة التحول ،، قبل أن يقتل (الشيبه) تلك الطموحات والأمنيات.
.................

كانوا الناس بمثابة (الإتصالات والبريد) ،، فأخبار أبناء الجماعة يعرفونها زهران من قاصيها إلى دانيها ،، فالناس قليلين و قلوبهم على بعض.

عاد أحد أفراد الجماعة من الرياض ،، وما أن سمع (الشيبه) بالخبر حتى ذهب إليه (مُسلّماً و مُحيّياً) ولعله يلتمس أخبار ابنه المغترب.

وصل الشيبة و أعطى العلوم وأخذ العلوم.
ثم سأل عن ابنه ،، و ما آل إليه أمره!!؟؟

فأخبره ذلك الرجل المسافر بأن أمور ابنه تيسّرت و كربه انفرجت.
و قال: آهو ولدك فلان (بسط له مطعم).

ولكن هذه البشارة لم يتمنّ سماعها الشيبه ،، (خبرٌ كالصاعقة).
بـ صيوان أذنه الكريمة سمعها الشيبه ،، فدقّت طبلة أُذنه طبول الشيمة والكرم إيذاناً بالحرب على هذا (الابن البخيل) كما ترجمها (عقل الشيبه).
....................

أنصرف الشيبه إلى منزله يجر أذيال خيبة الأمل .. خيبة الأمل فيما ربّى عليه ابنه من كرم وشهامة ،، ولسان حاله يقول (بنغدي هروج عصريّة في زهران).

بات تلك الليلة (يفترش جمر الشرهه ،، ويلتحف زمهرير الفشيله) .. في تصوره.

لينطلق صباحاً إلى بيده ،، في رحلة اللحاق بأبنه البخيل.

سافر الشيبه ،، يكابد العناء والألم ووعورة الطريق وطول المسافة إلى الرياض في تلك السيارات المتهالكة.
فقد بلغ من العمر عتيّا .. وجسده النحيل لا يحتمل تلك المطبات والبطانيج (أخذ في حياته نعمه).
تشويه الشمس وتلفحه السموم لمدة 7 أيام حتى وصل الرياض.

وصل وقت الضحى ،، وسأل عن (عزبة الزهارين) .. فأخبروه بمكانها ،، ثم توجها إليها.

لم يجد في تلك العزبة (الصندقة) إلا رجل واحد لم يحالفه الحظ في الحصول على عمل ،، أمّا البقية فكلٌ في فلكه يسبح (اللي يشتغل حمّال ،، واللي يوزع ثلج ،، واللي يسقي ،، واللي سوّاق وما أدراك ما السواق).

سأل الشيبه ذلك الرجل .. وين ولدي فلان!؟
فأجابه الرجل: بأن ابنه في مطعمه.

قال الشيبه: ودّني له .. فذهبوا.
وصلوا المطعم ،، ودخل الشيبة (وانفزر وسط المطعم).
وما إن رآه الابن حتى صرخ (أبيييييييه) .. يالله حيّه .. يا نا فدى من بدى .. ثم انطلق ليصافح ويحتضن والده.

ولكن الشيبه تعزوى وتنحّى عن ابنه وقال: تخسى وتعقب ماني أبوك.
فما كان من الابن إلا أنْ انحنى وبكى .. وسأل أبوه : يبه .. وش سوّيت علشان تتبرّى منّي!!؟؟

قال الشيبه: ((( نحن زهران .. ما نبيع الأكل ))) .. إن جانا ضيف أكرمناه .. وإن جانا فقير تصدقنا عليه.
وأنت تبيع الأكل !!!!؟؟؟؟

فما كان من الأبن إلاّ أن قام بتقبيل المطعم (باع المطعم) ،، رضاءً لله ثم للشيبه.

فرضي الشيبه .. ثم عاد أدراجه إلى الديرة في صباح اليوم التالي ،، بعد أن ذبّ عن سمعته وسمعة العائلة وسمعة زهران كافة.
عاد (الشيبه) منتصراً على البخل والعار ،، ولكنّه يعلم يقيناً بأنه سيواصل معركته مع (الدّاينة) من جديد ولكن في ساحة الشرف.

***انتهى***
..............................

بطل قصتنا (الأبن) ترك تلك التجارة المُباحة شرعاً .. والمُحرمة عُرفاً في قانون الكرماء الأصخياء .. كل ذلك لرضى الله ثم رضى الشيبه.
فعوّضه الله خيراً منها ،، فأصبح بعد فترة من الزمن تاجر ذهب و وكيل إحدى شركات الساعات العالمية في السعودية (يعني مليونير).
....................

لم أبالغ في هذه القصة .. و أبطالها من الديرة الشرقية لزهران.
فليست غريبة على أولائك الكرماء الأصخياء في زمن الجوع .. أولائك الذين يدّخرون أجود ما تنتجه مزارعهم ليكرموا به ضيوفهم .. بينما يأكلون وأهليهم أردأ ما تنتجه تلك المزارع .. فكانوا يستشعرون الآية الكريمة {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.

وليست غريبة على من كان (الحجاج) يربطون (أكياس زادهم) منذ دخولهم لبلاد زهران حتى الخروج منها .. فهم في ديار الكرم والجود ،، فلقد قرأت هذه المعلومة في أكثر من كتاب وسمعتها من أكثر من رجل.
................

كل الود والحب ،، وأطيب الأماني..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

أغداً ألقاك !!؟؟
يا خوف فؤادي من غدِ
يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعدِ
آآآه كم أخشى غدي هذا ،، وأرجوه اقترابا
أخر مواضيعي
رد مع اقتباس