عرض مشاركة واحدة
قديم 31-10-2007, 11:32 AM   #2
هريري

شاعر
 
الصورة الرمزية هريري
 







 
هريري is on a distinguished road
افتراضي

[align=center]الجزء الثاني

- شجاعته الأدبية (الجرأة في الحق):

ومن المواقف التي تذكر للشيخ، موقفه من الدعوة التي وجهت إليه في عهد الرئيس عبدالناصر؛ إذ وجه إليه أحد الوزراء الدعوة قائلاً له: سيكون لك الشرف الكبير بحضورك حفلاً بحضرة الرئيس عبدالناصر، فما كان من الشيخ إلا أن أجابه قائلاً: ولماذا لا يكون الشرف لعبد الناصر نفسه أن يستمع إلى القرآن بصوت محمد صدّيق المنشاوي. ورفض أن يلبي الدعوة قائلاً: لقد أخطأ عبدالناصر حين أرسل إليَّ أسوأ رسله.

5- طفولته:

التحق الشيخ بكُتَّاب القرية وعمره أربع سنوات، ورأى شيخه أبومسلم (محمد النمكي) فيه نبوغاً مبكراً وذكاءً وقّاداً لسرعة حفظه وقوة حافظته وحلاوة صوته، فكان يشجعه ويتعهده بالرعاية والعناية، فأتم حفظ القرآن قبل أن يُتِمَّ الثامنة من عمره.

مسوغات حفظه للقرآن ولما يبلغ الثامنة:

1- العامل الوراثي:

فالتحقيقات العلمية الدقيقة أثبتت أن لعالم الرحم دوراً مهماً في تقرير سعادة الإنسان أو شقائه، ويمكن القول بأن الطفل كما يرث الصفات الجسمية والعقلية يرث أيضاً الخصائص الأخلاقية التي تعمل كتربة مساعدة لسلوك الطفل بعد خروجه إلى البيئة الخارجية؛ فإما أن تعمل التربية على إظهار تلك الصفات الكامنة أو إخفائها.

ثم اعلم - أخي القارئ - أن المعنى الذي يستفيده علماء الوراثة اليوم من كلمة (الجينة) هو نفس المعنى الذي أفادته الأخبار من كلمة (العِرْق)، فقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: " تخيروا لنطفكم فإنَّ العرق دسّاس" رواه ابن ماجه من حديث عائشة.وحينما نراجع المعاجم اللغوية في معنى كلمة (دسّاس) نجد أن بعضها - كالمنجد مثلاً - تعلق على ذلك بالعبارة التالية: "العِرْق دساس" أي أن أخلاق الآباء تتصل إلى الأبناء.

فالرسول – صلى الله عليه وسلم – يوصي أصحابه أن لا يغفلوا عن قانون الوراثة بل يفحصوا عن التربة الصالحة التي يريدون أن يبذروا فيها، لكي لا يرث الأولاد الصفات الذميمة.

بعد هذه المقدمة نستطيع أن نقرر أن العامل الوراثي كان سبباً مساعداً لحفظ محمد صدّيق القرآن في سن مبكرة؛ فجدُّه (ثابت) كان من أشهر قراء القرآن الكريم في مصر، ثم توارثت عائلة الشيخ ثابت حفظ القرآن جيلاً بعد جيل، حيث تولى ثابت تحفيظ ابنه (سيد) القرآن الكريم في سن مبكرة، وتولى سيد تحفيظ ابنه (صدّيق) القرآن، فأكمل حفظه وهو يبلغ من العمر تسع سنوات، ثم حفظ الشيخ محمد صدّيق المنشاوي القرآن قبل أن يبلغ الثامنة من عمره، فكان هو نبت هذا الفضل القرآني.

2- التربية الأبوية:

فقد بدأ الشيخ محمد صدّيق حفظ القرآن على يد والده صدّيق الذي ساعده كثيراً في حفظه كتاب الله، ولكن وقته المزدحم بالعمل دفعه لإحضار قارئين ومحفظين لهذه المهمة. ثم كان أبوه (صدّيق) كثيراً ما يصطحب أولاده معه في جولاته ينمّي فيهم حب القرآن. فكانت هذه التربية الإيمانية هي الوعاء الذي احتضن الشيخ محمد صدّيق، وأمَّن له المناخ الملائم حتى حفظ القرآن في سن مبكرة.

3- ما كان يتميز به الطفل محمد صدّيق من ذكاء رباني مفرط؛ وجودة في القريحة، وقوة في الحافظة، وسرعة في الحفظ، مع إقباله بشغف ونهم على حفظ كتاب الله، حتى إن شيخه النمكي أخبر والده بأن هذا الفتى سيكون له شأن .. فأتم حفظ القرآن قبل أن يكمل الثامنة من عمره؛ فأصبح أصغر من يحمل لقب (الشيخ) الذي يطلق في الغالب على من أتم حفظ القرآن في صعيد مصر.

3- حياته العلمية:

قرأ الشيخ المنشاوي القرآن الكريم في سرادق عام لأول مرة في قرية " أبار الملك " التابعة لمركز (أخميم)، وكان ذلك أول مؤشر على أن شهرة الشيخ الصغير قد تجاوزت منطقة (المنشأة). ثم انتقل الشيخ مع والده وعمه أحمد السيد إلى القاهرة ليتعلم القراءات وعلوم القرآن، ونزل في ضيافة عمه، وعند بلوغه الثانية عشرة درس علم القراءات على يد الشيخ محمد أبوالعلا، والشيخ محمد سعودي الذي انبهر به وبنبوغه المبكر، فأخذ يقدمه للناس، وظلّ الصبي محمد صدّيق على هذه الحال حتى بلغ الخامسة عشرة وصارت له شخصيته المستقلة.

و في عام (1953م) كتبت مجلة الإذاعة والتلفزيون في مصر إحدى أعدادها عن الشيخ محمد صدّيق المنشاوي أنه أول مقرئ تنتقل إليه الإذاعة. وبعد اعتماده مقرئاً في الإذاعة عينته وزارة الأوقاف قارئاً بمسجد الزمالك بحي الزمالك بالقاهرة، وظل قارئاً لسورة الكهف به حتى توفاه الله.

4- رحلاته:

في عام (1955م) قام بزيارة إلى أندونيسيا برفقة الشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمد بدعوة من الرئيس الأندونيسي أحمد سوكارنو، ثم أرسل خطاباً من هناك لابنه الأكبر محمد سعودي قال فيه: لم أر استقبالاً لأهل القرآن أعظم من استقبال الشعب الأندونيسي الذي يعشق القرآن، بل ويستمع إليه في إنصات شديد، ويظل هذا الشعب واقفاً يبكي طوال قراءة القرآن؛ مما أبكاني من هذا الإجلال الحقيقي من الشعب الأندونيسي المسلم وتبجيله لكتاب الله.

وفي العام التالي استضافته سوريا ومنحته وساماً رفيعاً، ثم تسابقت البلدان الإسلامية لاستضافته لقراءة القرآن خلال شهر رمضان؛ فسافر إلى الأردن والجزائر والعراق والكويت وليبيا والسودان، كما سافر إلى السعودية عدة مرات لقراءة القرآن الكريم في موسم الحج.

5- شيوخه:

1- والده الشيخ صدّيق بن سيد بن ثابت المنشاوي الذي كان له الفضل - بعد الله - في تحبيب ابنه لكتاب الله منذ نعومة أظفاره، وكانت البداية معه في تحفيظ محمد صدّيق القرآن، ولكن لما زادت مشاغله أوكل ابنه إلى الشيخ محمد النمكي ليكمل تحفيظه القرآن.

2- الشيخ: محمد النمكي، الذي حفَّظه القرآن بكُتَّاب القرية وعمره أربع سنوات، فأكمل حفظه معه قبل بلوغه الثامنة من عمره.

3- عمه الشيخ أحمد السيد، الذي كان يرافقه في معظم الجولات التي كان يقرأ فيها القرآن الكريم.

4- الشيخ محمد أبوالعلا، تلقى عليه علم القراءات وعلوم القرآن.

5- الشيخ محمد سعودي إبراهيم، درس عليه علم القراءات، وكان ذلك عند بلوغه الثانية عشرة. والشيخ محمد سعودي الذي أحبه محمد صديق حبّاً خالصاً لمِا لقيه منه من رعاية واهتمام، حتى إنه سمى أول أولاده " محمد سعودي ".

6- القراء الذين تأثر بهم:

تأثر المنشاوي – رحمه الله – بالشيخ محمد رفعت - رحمه الله -، وكان محبّاً له، ومن المعجبين بصوته وتلاوته، وكان كذلك يحب الاستماع إلى أصوات كبار المقرئين الذين عاصروه، كالشيخ عبدالفتاح الشعشاعي، وأبي العينين شعيشع، ومحمود علي البنا، وغيرهم.

7- تسجيلاته:

بلغت تسجيلات الشيخ محمد صدّيق المنشاوي في الإذاعات الإسلامية أكثر من (150) تسجيلاً، كما سجّل القرآن كاملاً مرتلاً لإذاعة القرآن الكريم في القاهرة.

8- القيمة الجمالية لصوته:

امتاز في قراءته القرآنية بعذوبة الصوت وجماله، وقوة الأداء وجلاله، إضافة إلى إتقانه تعدد مقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية.

9- ثناء العلماء عليه:

ومن عاجل بشرى المؤمن ثناء الناس عليه بعد موته، فقد قالوا قديماً: " ألسنة الخلق أقلام الحق ". ومن العلماء الذين أثنوا علىالشيخ – رحمه الله – فضيلة العالم الرباني الشيخ محي الدين الطعمي حفظه الله؛ فقد جاء في كتابه (الطبقات الكبرى) ج3/472 ما نصه: رأى له سيدي محمد أبوبطانية – رحمه الله – رؤى صالحة تدل على ولايته وصلاحه. وكان إذا قرأ القرآن أحس المستمع أن صوته كصوت الحور العين، يؤثّر تأثيراً ربانيّاً في ذات الجالسين، وينقلهم إلى عالمٍ لاشيء مثيله في الماديات.

10- الأوسمة والجوائز التي حصل عليها:

منحه الرئيس الأندونيسي أحمد سوكارنو وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، وحصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الثانية من سوريا. ولكنه لم يحصل على أي تكريم من مصر حتى الآن، وإن كانت الدولة كرمت والده الشيخ صدّيق السيد – رحمه الله – بعد وفاته عام (1985م) فمنحته وسام الاستحقاق من الطبقة الثانية.

11- وفاته:

في عام (1966م) أصيب - رحمه الله - بدوالي المريء، وقد استطاع الأطباء أن يوقفوا هذا المرض بعض الشيء بالمسكنات، ونصحوه بعدم الإجهاد وخاصة إجهاد الحنجرة، إلا أنه كان يصر على الاستمرار في التلاوة وبصوت مرتفع، حتى إنه في عامه الذي توفي فيه كان يقرأ القرآن بصوت جهوري؛ الأمر الذي جعل الناس يجلسون بالمسجد الذي كان أسفل البيت ليستمعوا إلى القرآن بصوته دون علمه، ولما اشتد عليه المرض نقل إلى مستشفى المعادي، ولما علمت الدولة بشدة مرضه، أمرت بسفره إلى لندن للعلاج على نفقتها إلا أن المنية وافته قبل السفر، وكان ذلك سنة (1388هـ - 1969م)، ولما يتمّ الشيخ الخمسين سنة.

رحم الله الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمة واسعة، فلم يورّث درهماً ولا ديناراً، ولكنه ورّث تلاوة مجودة وترتيلاً خاشعاً عذباً لكتاب الله يأسر القلوب، ويخرج بها كوامن الهموم، ويستجلب بها العبرات من العيون.

رحمه الله، فقد وهب حياته لتلاوة القرآن الكريم حق تلاوته، وتجويده أحسن ما يكون التجويد، فعاش بالقرآن، وعاش مع القرآن. ثم إنه مع هذا وذاك أحسن تربية أولاده عندما حفّظهم كتاب الله، وغرس في نفوسهم حبه. اللهم أحي قلوبنا بحب كتابك الكريم، واحشرنا في زمرة أهل القرآن، والحمد لله رب العالمين.

,
,
,
,

السيره مجموعه ومنقوله
[/align]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

---
أخر مواضيعي
هريري غير متواجد حالياً