عرض مشاركة واحدة
قديم 28-11-2013, 09:01 AM   #6
عذبة الاوصاف
مشرفة مجلس الامارات
مشرفة القسم الرياضي
 
الصورة الرمزية عذبة الاوصاف
 







 
عذبة الاوصاف is on a distinguished road
افتراضي رد: (( مقـــــالات أماراتية محلية يومية في شتى المجالات ))

دع هاتفك الغبي جانباً.. الآن .. (1-2)

بقلم // جمال بن حويرب المهيري // جريدة البيان الاماراتية

28 / 11 /2013م


أزمة العصر الحديث ليست في كثرة تقنياته وسرعة أحداثه وتقارب أيامه ولا اختصاره في قريةٍ صغيرةٍ تجمع المليارات من البشر ولكنها أزمة عظيمة وكربة أصيب بها جميع الناس صغيرهم وكبيرهم وغنيهم وفقيرهم وكافة طبقات المجتمع من متعلمين ومن هم دونهم، إنها باختصار أيها الأعزاء: أزمة "اللا تواصل"

العجيبة، فترى الناس مجتمعين وليسوا بمجتمعين، وجلساء ندماء وليسوا بجلساء ولا ندماء، ويتحدثون وقلوبهم في أماكن أخرى من العالم وينظر بعضهم إلى بعض ولكنهم في حقيقة الأمر ينظرون إلى الشاشات الصغيرة التي في أيديهم من أجهزة الهاتف والآيباد وغيرها التي فرضت نفسها علينا وجعلتنا تحت أمرها ورهن إشارتها لا نستطيع دفعها عن حياتنا ولا يمكننا التخلّص منها لأنها أصبحت كالطعام والشراب.


ومن باب الطرفة وتأثير هذه التقنيات على قلوب الساذجين أذكر قصة عندما بدأت أجهزة الهاتف باستخدام "البلوتوث" وكان الشباب آنذاك مولعين بإرسال لقطات الفيديو والصور فيما بينهم وكنا نظنها فتحاً عظيماً من العلم بعد تقنية نقل البيانات عن طريق الأشعة تحت الحمراء المتعبة، ولم نكن نظن أنّ هناك تقنيات ستأتي بعدها تضعفها حتى لا يكاد أحد يستعملها، وكان لنا صديق كبير في سنه من البدو يسمع الشباب يقولون: أرسل لي بلوتوث الآن، وهي عادة تكون مقاطع فيديو مضحكة والبدوي الكبير يراهم يضحكون ولا يدري ما هو الداعي لهذا الضحك، وحدث مرة أنه قدم بعد صلاة العصر: ووجدهم صامتين فقال لهم متعجباً بلهجته: أيهاه (للتنبيه).. لا فواله (فواكه وحلويات تقدم للضيوف) ولا بلوتوث، فضحك أصحابه منه لأنه ظنّ بأنّ البلوتوث نوعا من الحلوى.


لعلّ تعجب كبير السن هذا وظنه أنّ البلوتوث من الفاكهة والحلوى لا يستغرب منه لأنّ ولع الشباب في ذلك الوقت به جعله يظن هذا الظن، ولم تكن هواتفنا ذكية في ذلك الوقت كما نراه اليوم، والتي جمعت العالم كله في حجم كف الإنسان، وهذا لو فكرنا فيه قليلا لوجدناه من أعجب العجائب، وهو نفسه الذي جعل الناس في كل أقطار الدنيا مشغولين به ولا يحزنون على ضياع أوقاتهم أو أموالهم ولا حتى فقدان أصدقائهم إذا بقي هذا الهاتف الجوال موجوداً عندهم لأنهم صاروا معلّقين به حد الإدمان بعد استيقاظهم مباشرة من الصباح الباكر حتى خلودهم للنوم مساء لا يفترقون عنه ولا يملون.


أزمة "اللا تواصل" خرق يزيد اتساعه كل يوم بل فجوة تزيد بين الأجيال والأهل والآباء والأبناء، وهنا يكمن الخطر الأعظم الذي يهدد المجتمعات خاصة المجتمعات المحافظة التي تمتاز بعاداتها وتقاليدها، مثل مجتمعات الخليج العربي الذي لم يتغير طيلة القرون الأولى، وخلال عقدين من الزمان قفز قفزات كبيرة في كل شيء من غير دراسة للعواقب التي قد تترتب على نفسيات الناشئة والمجتمع الذي اجتاحته حالة من الذهول والعجز والفرقة ودخول عادات غريبة عليه لم تعرفها الأجيال السابقة حتى بدأت الأجهزة المعنية تنادي بقوة للعودة إلى الأصالة والعادات، ولكن كم نسبة الاستجابة لهذه الدعوات وقد اختلط الحابل بالنابل وزاد الماء على الطحين كما نقول في لهجتنا؟


تقول كاثرين ستينر أدير في كتابها القيّم "أزمة اللا تواصل" : شهدت العقود القليلة الماضية توجهاً ملحوظاً نحو عالم الشاشات والإلكترونيات لتجوب الثورة التكنولوجية أنحاء العالم وتخترق الصفوف والروابط الأسرية ما بين أبناء يراسلون ويغرّدون وآباء يبحثون ويتصفحون، وقد أطاحت تلك الثورة المعلوماتية الاجتماعية بالحواجز والدروع الأسرية الواقية التي طالما تسلح بها الآباء ليحصّنوا الصغار ضد آفات عالم البالغين الكبار".


قد يثير هذا العنوان كثيراً من الأسئلة، أو يرسم كثيراً من علامات التعجب، على وجوه القرّاء الكرام، فكيف يكون ما يسمّيه العالم كلّه بالهاتف الذكيِّ - لديك يا صاحب المقالة - هاتفاً غبيّاً؟ بل سيزيدون ويقولون: إنّ هذا إجحاف عظيم، بحق كل المخترعات والمخترعين في مجال الاتصالات، وكل ما تم اكتشافه من التقنيات الحديثة، وما أُنفق عليها في البحث والتطوير وتأسيس الشركات العملاقة،التي تقدر رؤوس أموالها، بما لا يحصى من المال، إنّ هذا لبهتان كبير!


وأجيب عن ذلك بقولي: ومن قال إنّ هذه الهواتف ليست ذكية، ومفيدة، وتحتاج إليها البشرية في كل أعمالها، وأنا صاحب هذه الكلمات منهم، وممن يستخدم كل جديد في هذه التقنيات، وأحث عليها وأتمنى أن تصل عقولنا العربية إلى ربع عقول هؤلاء المخترعين الأفذاذ في العالم المتقدم، ولكني عنيت بوصفي هذه الهواتف بالهواتف الغبية موضوعاً خطراً، ألا وهو التواصل وعدمه بين الناس والأهالي والأصدقاء، فقد بلغ الأمر من السوء غاية قد ينطق منها الحجر، بسبب ما يحدث بيننا من فرقةٍ واختلافٍ،

ونحن نجلس سوياً في مجلس واحد، فلا غرابة أن يكون هذا الهاتف غبياً، ومذنباً في هذه الحالة، لأنه يفرق بيني وبين من عشت طيلة حياتي، وأنا أحدثه ويحدثني، ونسمر سوياً ونتقاسم هموم الحياة معاً، ولكنا الآن أصبحنا نشاطر الأغراب ما يهمّنا، ونراقب البعداء، ونخطب مودتهم، بدلاً عن مودة أهلنا وأصدقائنا الأدنين.



لقد فرقتنا التقنيات الحديثة، وجعلتنا أبعد ما نكون عن بعضنا البعض، ونحن في بيتٍ واحدٍ، من دون أن نفطن لهذه المصيبة الكبرى، ونحن في نفس الوقت في حاجة ماسة،لاستخدام هذه الهواتف الذكية في حاجاتنا اليومية، خاصة أنّ حكومتنا الرشيدة بأمر سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، تقوم بالانتقال السريع إلى الحكومة الذكية، التي تجعل جميع خدماتها في جهازك الجوّال.


أيها الأعزاء نحتاج إلى موقف شجاعٍ منّا، ومن جميع مستخدمي الهاتف الذكيٍّ، أن نخصص لأهلنا وأبنائنا وأصدقائنا أوقاتاً، لا يشاركنا فيهم أحد من العالم الافتراضي، لكي تكون هواتفنا حقّاً ذكيةً، كما نحب ويحب آباؤنا وأمهاتنا وأخواتنا، ومن نقدّر من الناس، وتقول عن ذلك كاثرين ستينر أدير في كتابها "أزمة اللا تواصل": "لكي تكون أباً جديراً بالمسؤولية، لا بد أولاً أن تفصل ما بين عاداتك التكنولوجية وواجباتك التربوية، حيث همشت التكنولوجيا احتياجات الأطفال في هذه المرحلة، من ترفيهٍ وعطلاتٍ وقصصٍ وروايات، والجدير بالذكر أنّ الكثير من الآباء يعترفون بتنحية احتياجات ومتطلبات أطفالهم جانباً، مبررين ذلك بحاجاتهم الماسة إلى إرسال الرسائل الرقمية، أو التغريد، أو التصفح".


وفي الختام أقول لكم: نستطيع بأيدينا تحويل هذه الأجهزة الذكية إلى غبيةٍ، إذا أسأنا استخدامها، في غير وقتها، أو بالغنا في الاستعانة بها، في غير وجهها الحقيقي.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
عذبة الاوصاف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس