عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-2010, 12:23 AM   #6
شاعر المهجر
 
الصورة الرمزية شاعر المهجر
 







 
شاعر المهجر is on a distinguished road
افتراضي سبحانية جمعان اليوفورية !

(3)

( الله أكبر الله أكبر.. أشهد ان لا اله الله .. أشهد أن محمداً رسول الله .. حي على الصلاة .. حي على الفلاح .. الصلاة خير من النوم.....) وصوت صرير الجنادب يغطي على نوم الحارة.. وما عدا ذلك هو صوت الأذان يرتفع من تلك المنارة ذات اللون الأخضر يشق عباب السماء في لحظة تجلي.

لكن وحده النائب معتوق نائب الفتوّة يتسلّل بين أزقة الحـارة الضيّقـة والتي يغطيها الظلام الا من نورٍ خافت ويطرق الباب مرة.. يصحو صديقنا من النوم على فزعٍ ويداه ترتعشان وكان لا يدري هل سبب ذلك قلبه المفجوع أم ان أجواء البرد الصقيعة هي السبب, فتح الباب بعد أن استفسر: " ماذا ورائك أيها الغبي؟؟؟ " رد عليه : " جئتك من أجل الموعد " , تململ وأخذته الرعدة فقد كان رعديداً في الحقيقة! لكنه قرر أن لا يتقدم خطوة واحدة حتى يسير معه معتوق وسمير , لكن بهلول كان لا يعوّل عليه سوى في الخدمات المحليّة!!!

اتفق في تلك الليلة الباردة على الخطة وهي أن يتخفوا إلى حارة العبيد ويضربون بالعصاة رأس القاتل السفاك ( طلبة ) كان هذا هو اسمه المستعار الذي شج رأس صديقهم السابق حتى بات متخشباً! كان الفتوّة طلبة زنجياً أتى وهو صغير في بعثة حجٍ ثم تخلف عن العودة بغرض تأمين لقمة العيش لكنه انحرف في بيع الممنوعات والسرقة ثم بشكل أو بآخر أصبح أمير العبيد!

كانت تبعد الحارة الأولى عن الأخرى مسافة ليست بالبعيد ؛ مسافة مشي نص ساعة >> يعني زمان السيارات كانت قليلة << كانوا يغذون في السير الا جمعان لم يكن يقو على السير وفرائصه تخذله! لكنه يتصنّع المشي الجاد وليس معه غير ذلك وإلا فسوف يفتضح أمره أمام القبائل! ووصلوا أخيراً على مشارف الحارة التي تغط في صمت مطبق , تجرأ جمعان وسألهم : " لكني لا أعرف تحديداً بيت ( طلبة ) !" وحاول الرجوع لولا أن دله معتوق ( معتوق كان كالجرذ يعرف خبايا الحواري ), تقدّم جمعان من البيت >> طبعاً البيت لا تفكرون انه مسلّح << كان عبارة عن عشّة يوصدها باب من الحطب ! أعطوه حطب من الحطب الذي كان يرمى على قارعة الطرقات وقالوا له بالحرف الواحد: " ما عليك سوى أن تتقدم من طلبة وهو نائم وتشجّه بهذه العصاة على هامته حتى تتأكد من نزيف الدم من أنفه حينئذ تكون مهمّتك قد نفّذت والا فإن الفشل سوف يلحق بنا ويضربنا طلبة حتى الموت كما فعل مع زميلك الرّاحل ....

كان الرعب يدب في أوصال صديقنا لدرجة أن قلبه كان يحاول الخروج من قوّة النبض ؛ كان فعلاً هرعاً ؛ لكنه أمام الملأ يتصنّع الشجاعة والفتونة.. تقدم قليلاً حتى دخل العشّة وهو لا يعي بنفسه هل هو لا زال حيّاً أم لا .. أحسّ بدوار يعتريه لكنّه تمالك نفسه واقترب من هذا الجسم الملقيّ أمامه وما كان من صاحبنا سوى أن هوى بقطعة ( الحطب ) بأقصى جهد تستطيعه ذراعاه المليئة بالدهون على رأس غريمه ( طلبة ) فانفرط رأس المسكين الزنجي الى عدة أقسام وسقط على صديقنا مغشيّاً بجانب الجسم الميّت.

أفاق صديقنا الطيّب من غيبوبته المخزية على الماء البارد يرشّ على وجهه؛ ويسمّون باسم الرحمن على رفيق دربهم ؛ ويكادون يطيرون من الفرحة الغامرة ... يا اللــــــه انهم قد انتقموا لزميلهم الرّاحل بقتل غريمه الهارب من وجه العدل؛ وحملوا صديقهم على الأكتاف وطاروا به في سرعة البرق إلى حارة الزيود يريدون أن يعدوا حفل تتويج ( الناصر جمعان ) واتفق أعيان الحارة أصحاب الكلمة على تغيير النك نيم حق جمعان التقليدي والمكرر إلى ( النّـاصـر ) , يبرز من بين الجمهور العريض شباب كله طاقة وحيويّة ويصيح باسم الناصر المجدّد الخليفة الأمير الفتوّة الذي أعاد مجد حارة الزيود والذي حفظ ماء وجهنا >> على قولة هذا الشباب المتحمّس....

في اليوم الثاني كان كل شيءٍ قد جهّز, خشبة المسرح والأضواء >> شموع قديمة<< ومايك قديم مصدّي , وكراسي قليلة تنازع عليها دشير الحارة ولا ريب فالناصر يجب أن يحضر له ولو من مكان قصيّ , يجب أن نستمع إلى حديثه وماذا سوف يصرّح به ... ربما يباشر علينا بعصير والا يعشينا على حسابه... ربّما سيتوعّد المارقين بمزيد من الضربات الموجعة في حواريهم ....

طبعاً لم يكن الحفل بذلك التنظيم الذي تتخيّلون , يعني كان أشبه بمأتم إلا أنما كان يميّزه هو ذلك النّوع من الفرحة المشوبة ببعض الهيجان والثوران العاطفي.. هناك من كانت أعينهم تسبل بالدموع للإنتقام ... وهناك من يعتلي المنصّة لكن شباب الحارة أمثال بهلول يمنعونهم من ذلك... يخرج النّاصر من بين الجمهور وكأنه في حفل اعتزال يركض – على باله جاب الذيب من ذيله – وأمسك بالمايك قائلاً :
"أحترم فيكم إكباركم لي , وأقدر هذا التكليف الذي حظيتموني به , أنا لا أستحقّ ذلك, أنا فقط أديت واجبي تجاه حارتي التي حبتني بكل خيراتها , أنا فقط عضو منكم أهتم لكم وما يصيبكم يصيبني , وما يفرحكم يفرحني , أنا أخذت بثآآركم من طلبة بمساعدة شباب خيّر أمثال معتوق وسمير >>> قلنا أن بهلول لا يعتمد عليه <<<
أنا أعتذر عن الاستمرار في هذا المنصب الذي لا أستحقّه.. أنا شخص لي شؤوني الخاصة وأشغالي .. أمي لا أستطيع أن أرفض لها طلباً لكني فعلت ذلك بمجرد التحاقي بهذا السوسة معتوق والباقين...." يقاطعه أحد المتحمّسين من الجمهور العريض:
" أنت أميرنا يا ناصرنا ووليّ أمرنا.." وآخر من خلف الصفوف : " سوف نهاجر معك حيث تهاجر حتى لو ذهبت إلى جزر الواق واق .. " وامرأةٌ من خارج الحفل تتحسّر على تفريطهم في هذا الفتوّة الذي ما إن أعاد لهم كرامتهم حتى توارى وكأن أهل الخير – كما تقول – لا يظلون في الواجهة.........
طبعاً كان ناصرنا هذا متردّداً لكن ما دفعه على تصريحه الخطير هذا هو ما ذكرناه من تردد وقلبه الرهيف الذي لا يقوى على الأحداث الجسيمة, وحبه لأهله الذين يشاركهم المسرّات والملذّات....
" أنا أعتذر عن مواصلتي معكم بأكثر من سبب وأتمنّى أن تعذروني .. أريد أن أكمل دراستي الجامعيّة انتساباً في أحد الجامعات .. وأريد أن أتفرّغ لحياتي الخاصة>>> اللي بيسمعه يقول تشومسكي<<< وقفل حديثه الناصر جمعان بهذا الحديث الجاف والمقتضب, وأصوات نواح واضح يفوح من الحارة الشرقيّة.


يتبع.....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
ɷ ڜـۉێّـڅ ݦـن أٱٱږڞ ټـڪڛـٱٱٱښ

ۅڜ ؏ـڷۓ ٱڶڹٱښ ݦڼۍ ؟ɷ
أخر مواضيعي
شاعر المهجر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس