الموضوع: قبيله بلا جذور
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-05-2008, 05:02 PM
مناكب رابعه مناكب رابعه غير متواجد حالياً
موقوف
 






مناكب رابعه is on a distinguished road
افتراضي قبيله بلا جذور

قبيلة بلا جذور



كانت طويلة ممشوقة القوام، ملامحها شرقية إلى حد بعيد، ومع أن الصيف صديق العري في أوروبا قد ألقى وهجه فقد كانت ملابسها تستر أكثر مما تكشف، جلست بجوارها في القطار المتجه إلى لندن، ركزت نظرتها عليّ برهة ثم عادت إلى كتاب تلصصتُ لمعرفة عنوانه، كان كتاباً في التربية وخططها أو هكذا ظننته، كان لا بد أن أمارس الطقس نفسه فالجميع يقرأ حد الثمالة ولا وجود لراكب بلا كتاب أو لنقل: لا وجود لكتاب بلا قارئ، فتحت حقيبتي لأخرج كتاباً صغيراً في حجمه ثقيلاً في قيمته، كان كتاباً في الفلسفة ذلك العلم الذي لا يعطي قياده لأحد وإن أعطى فهو شحيح. لفت نظرها عنوان الكتاب الذي أحمله، يبدو أن عدوى التلصص المتصلة بقراءة العناوين أصبحت شائعة.

دفعها الفضول بعد ساعة من القراءة الجادة أن تتساءل إن كنت من أصول شرقية، أجبتها دون أن أحول عينيّ عن صفحات كتابي، كانت إجابة جافة لم تتوقعها حسناءُ مثلها من رجال كثيراً ما يتطلعون إلى جمالها الأنثوي الشرقي الأخاذ، كررت سؤالها بطريقة مختلفة هذه المرة: من أي البلدان أنت؟ أجبت رافعاً رأسي إليها لأمنحها بعض الاهتمام الذي فقدته في تساؤلها الأول: أنا من السعودية، كنت أتوقع إجابات كما عرفتها من قبل تتصل بأسامة بن لادن والقاعدة والتفجيرات وغيرها، لكنها صمتت قليلاً ثم قالت: أنا أيضاً تعود أصولي إلى الشرق الأوسط، لم تكن إجابة صادمة فأوروبا تعج بملايين الشرق أوسطيين، لكن علي أن أخمن البلد الذي تنتمي إليه تبعاً لملامحها الأنثوية الفاتنة، واصلت حديثها: أنتمي إلى اليمن وتعيش أسرتي المهاجرة هنا منذ مايزيد على مائتي عام، سألتها إن كانت لازالت تتحدث العربية، فأجابت بصعوبة، أخبرتني أن جدها الأكبر قد فر إلى أوروبا هرباً من قبيلته التي تطارده بعد جريمة قتل، أوصلته الظروف إلى هناك ومن ثم بدأ بالعمل والزواج من أسرة شرقية، كانت تشعر بالأسى لفقد جذورها مع أنها تعمل خبيرة تربوية وتعيش حياة سعيدة.

تذكرت على المستوى الجماعي تلك القبيلة التي تقيم على مشارف مكة المكرمة وهم ينتسبون إلى قرية الحكمان في زهران، وعلى المستوى الفردي ذلك الزميل السعودي الذي خرج من السجن البريطاني ليقيم إلى الأبد هناك، أدركت مدى فداحة أن يوقف الإنسان عقله ولو لحظة، كان السبب في كلا المثالين استرجاع تلك اللحظة التي قتل فيها قابيل أخاه هابيل وتغيرت تبعا لها ملامح الانسانية.

سمعت صوتها ثانية: لقد وصل القطار هذه بطاقتي! مددت يدي إلى جيبي لأعطيها بطاقتي، مع ثقتي أن تلك اللحظة ستكون الأولى والأخيرة للقاء أنثى من نسل قابيل، كان السؤال الذي ظل يتردد في ذهني: أيحق لنا عقاب الأبناء بما قعل الآباء؟

دكتور / معجب العدواني الزهراني