عرض مشاركة واحدة
قديم 16-12-2010, 03:04 AM   #9
ابو مشعل الحريري
شاعر
قلم مميز
 







 
ابو مشعل الحريري is on a distinguished road
افتراضي رد: أجمل ما قاله الشعراء في رثاء أحبابهم من ادم الى عصرنا

دالّية دريد بن الصمة


دريد بن معاوية بن بكر، وَدُرَيْد: تصغير أدرد وهو الذي كبر حتى سقطت أسنانه.. والأنثى درداء. أما

الصَّمة فهو لقب أبيه ويعني الرجل الشجاع أو هو مأخوذ من التصميم.

ودريد فارس مغوار وحكيم من حكماء العرب وشاعر متفوّق. يقال إنه غزا أكثر من مئة غزوة

فحالفه النصر فيها كلها. لا نعرف سنة ولادته على وجه التحقيق وقيل إنه عاش مئة وعشرين سنة

وقيل مئة وستين وقيل مئتين حتى سقط حاجباه على عينيه. قُتل في معركة حنين في السنة الثامنة

للهجرة على يد ربيعة بن رفيع السُّلمي. شعره متناثر في ثنايا المصادر القديمة وقد جمعه محمد

خير البقاعي وأخرجه في ديوان لا بأس به.


قال قصيدته التي تناقشها هذا المقالة، في رثاء أخيه الشقيق عبدالله (= خالد، عارض)، وقد قتلته

عبس حين أدركته على مقربة من مضاربها. وكان قد غزاها فنصحه دريد بألا يتوقف ليشرب ويأخذ

نصيبه من الغنائم، لكنه خالفه مخافة أن يكون له ذكر في هذه الغزوة، فاضطر دريد للغزو معه

ودفاعا عن جسده حتى أُثْخِن بالجراح.

يعدّ دريد بن الصمة من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية. وألفاظ شعره سهلة إذا قورنت بألفاظ

شعراء الجاهلية، نظرا لنمط الحياة الفروسي الذي لم يتح له فرصة التصنّع في شعره.

وغزّية قبيلةُ الشاعر، وهي من قبائل جُشَم، وجُشَم هي من هوازن، وهوازن بطن من بكر. وتعد

أبياته (8، 9، 10) أشهر ما قيل في العصبية الجاهلية، وفي انصياع العاقل للأرعن حرصا على

وحدة الجماعة.

من الملاحظ أن الشاعر يستهل قصيدته بأفعال ماضية تفيد الانبتات والانقطاع (أَرَثَّ، أخْلَفَتْ، بانَتْ)،

وهي أفعال مسندة لأم معبد زوجته التي طلّقها جراء لومها له لحزنه الشديد على مقتل شقيقه

عبدالله. ومن الضروري التعامل مع أم معبد في هذه القصيدة على مستويين: بوصفها زوجته على

المستوى الواقعي، وبوصفها الحياة على المستوى الرمزي، الحياة التي كلّما بدا له أنها صفَتْ له

رثّ حبلُ وصلها من جديد.

وإذ يؤكد الشاعر في البيتين (3، 4) حتمية الموت وقصر حياة الإنسان وضرورة أن ينفق الإنسان

ماله عن طيب خاطر، كغيره من شعراء الجاهلية، فإنه يعنى بسرد ما حدث من وجهة نظره، فلا

نسمع إلا ما يقوله هو (فقلت لهم، وقلت لهم، نصحت، أمرتهم)، مما جعل الحوار ناقصا. والشاعر

يستخدم الفعل الماضي التام نظرا لقناعته بأن شقيقه عبدالله لن يعود. أما الفعل المضارع والفعل

الماضي المقترنان بالجزم والشرط فيستخدمهما الشاعر حين ينقل وجهة نظر قومه (فلم يستبينوا،

فلمّا عصوني، تنادوا).


ونقف في هذ القصيدة على صور شعرية متفوقة ومؤثرة جدا. كما في قول الشاعر:

فجئت إليه، والرّماح تنوشه

كوقع الصياصي في النسيج الممدد

وكنت كذات البوِّ ريعت، فأقبلت

إلى جلد من مسْك سقب مقدّد .

فقد نجح في إبراز القسوة التي اتسم بها مقتل شقيقه عبدالله، من خلال التقابل الذي أقامه بين

الرّماح بصلادتها وحدّتها وجسد أخيه الطري الهش، فشبّه صوت الرماح وهي تخترق جسد أخيه

بصوت مسلة النسّاج وهي تدخل وتخرج من البساط الممدّد. وقد وُفّق كثيرا في استخدام الفعل

تنوشُ لما يوحي به من تكرار ورتابة مؤلمة، ولما ينطوي عليه حرف الشين من محاكاة صوتية

دقيقة لما كانت تفعله الرماح بجسد شقيقه.


كما نجح في إبراز مبلغ الحنوّ والفجيعة اللذين اجتاحاه وهو يحامي عن جسد شقيقه المخرّق. فشبّه

نفسه بتلك الناقة التي فجعت بقتل صغيرها الذكر وسلخه، لكنها مع ذلك لازمت جلده المسلوخ وقد

حشي قشا.. استدرارا لحليبها. أما الشاعر –كما نستنتج– فقد ظل يدّر الدمّ رغم تيقنه من مقتل

شقيقه.

ومن البديهي أن يعدد دريد مناقب أخيه وهو يرثيه، فيصفه بأنه لم يكن مترددا أو طائش السهم أو

ضجرا، وبأنه كان عاقد العزم مبادرا معتادا على صعود المرتفعات، قليل الشكوى، حمولا للمصائب،

حافظا للأسرار، عفيف البطن زاهدا في الزاد، سمح الخلق.. كريما.. صادقا. كما لا يفوت الشاعر أ

ن يمدح نفسه تذكيرا للآخرين بأنه ما يزال الفارس المغوار، ويجرّد من حصانه معادلا موضوعيا

لنفسه فيصفه بالرشاقة والقوة والارتفاع.


1- أَرَثَّ جديد الحبل من أمّ معْبَدِ بعاقبةٍ، أم أخلفت كلَّ موْعِدِ

2- وبانت، ولم أحْمد إليك جوارها ولم ترجُ منَّا ردَّة اليوم أَو غدِ

3- أَعاذِلتي، كلُّ امْرىءٍ وابنُ أُمِّهِ متاعٌ كزادِ الرَّاكبِ المتزوَّدِ

4- أعاذلَ، إن الرُّزءَ في مثلِ خالدٍ ولا رُزْء في ما أهْلَك المرءُ عن يدِ

5- نصحت لعارضٍ، وأصحابِ عارضٍ،

ورهطِ بني السوداءِ، والقوم شُهَّدي 6- فقلت لهم: ظُنُّوا بألفيْ مُدجَّجٍ

سراتُهمُ في الفارسيّ المسرَّدِ 7- وقلت لهم إن الأحاليفَ أصْبحت

مُطنِّبةً بين السّتار فَثَهْمَدِ 8- أمرتُهُمُ أمري بمنقطِع الِّلوى،

فلم يستبينوا الرُّشد إلا ضحى الغدِ 9- فلما عصوني كنتُ منهم، وقد أرى
غِوايَتَهم، وأنني غيرُ مُهْتَدِ

10- وهل أنا إلا من غَزيَّة، إن غوتْ غَويْتُ، وإن ترشُد غزيةُ أرشُدِ

11- دعاني أخي، والخيل بيني وبينهُ، فلما دعاني لم يجدني بقُعْدُد

12- أخي، أرضعتني أمُّهُ بلبانها، بثديَيْ صفاءٍ بيننا لم يُجدَّدِ
13- تنادوا، فقالوا: أرْدَتِ الخيلُ فارساً فقلت: أعبدُ الله ذلكُمُ الرَّدي
14- فجئتُ إليه، والرّماحُ تنوشُهُ كوقعِ الصَّياصي في النَّسيجِ المُمدَّدِ

15- وكنت كذات البوِّ رِيعت، فأقبلت إلى جَلَدٍ من مَسكِ سقْبٍ مُقدَّدِ
16- فطاعنتُ عنه الخيل، حتى تنفَّستْ، وحتى علاني حالك اللون أسْوَدِ
17- فما رمتُ حتى خرَّقتني رماحُهُمْ، وغودرت أكبو في القنا المتقصِّدِ

18- قتال امرئ آسى أخاه بنفسه، ويعلم أن المرءَ غيرُ مخلَّدِ

19- فإن يك عبدُالله خلَّى مكانَه فما كان وقَّافا، ولا طائشَ اليدِ
20- ولا برما، إذا الرياح تناوحت برطْب العضاهِ والهشيم المعضَّدِ
21- كميشُ الإزار، خارجٌ نصفُ ساقِه، بعيدٌ عن الآفاتِ، طلاَّع أنجُدِ
22- قليل التشكي للمصيبات، حافظٌ من اليومِ أعقاب الأحاديثِ في غدِ

23- وكم غارة باللَّيلِ، واليوم قبلهُ، تداركتها منّى بنهدٍ عمرَّدِ

24- سليم الشَّظى، عبلِ السوابحِ والشَّوى طويل القرا، نهدٍ، نبيلِ المُقلَّد
25- يفوت طويلَ القومِ عقَدُ عِذارِه، مُنيفٍ كجذعِ النخلة المتجرِّدِ
26- وكنت كأني واثِقٌ بِمُصدَّرٍ تمشَّى بأكنافِ الجبالِ فثهمُدِ

27- له كل من يلقى من الناس واحداً، وإن يلْق مثنى القوم، يفرح ويزددِ

28- تراه خميص البطن، والزَّاد حاضرٌ عتيدٌ، ويغدو في القميص المقدَّدِ
29- وإن مسَّه الإقواءُ والجَهْدُ، زاده. سماحاً وإتلافاً لما كان في اليد.

30- صبا ما صبا، حتى علا الشيبُ رأسَه؛ فلمّا علاه، قال للباطل: ابعُدِ

31- وطيَّب نفسي أنني لم أقُل له: كذبتَ، ولم أبْخُلْ بما ملكت يدي


منقول بتصرف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

قُلْ للحياةِ، كما يليقُ بشاعرٍ متمرِّس:
سيري ببطء كالإناث الواثقات بسحرهنَّ
وكيدهنَّ. لكلِّ واحدةْ نداءُ ما خفيٌّ:

هَيْتَ لَكْ / ما أجملَكْ!
أخر مواضيعي
ابو مشعل الحريري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس