الموضوع: حرب الماء
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22-09-2008, 03:21 PM
الصورة الرمزية ابو عادل العدواني
ابو عادل العدواني ابو عادل العدواني غير متواجد حالياً

إداري أول
 






ابو عادل العدواني is on a distinguished road
افتراضي حرب الماء



الحرب المقبلة، حسبما يقول الأشخاص الذين يتوقعون حدوث الكوارث، ستدور حول النفط. لكن هل ستكون المياه، وليس النفط، هي الشرارة التي تشعل فتيل تلك الحرب؟ هناك علامات في مختلف أنحاء العالم على أن التنافس على موارد المياه المتناقصة هو مصدر من مصادر الصراع أو خطر يهدد بالوقوع فيه.

فالمياه تقع في قلب صراع الشرق الأوسط الذي يمس إسرائيل والمناطق الفلسطينية وسورية ولبنان والأردن، وهي جميعاً لها حقوق في نهر الأردن، وتعتمد عليه في الزراعة والشرب والصرف الصحي.

ويقول ديفيد فيليبس، وهو بريطاني ومستشار شؤون المياه للسلطة الفلسطينية: "لو رجعت بنظرك إلى الوراء خلال 50 عاماً، لوجدت أن هذه الأطراف جميعاً كانت تتنافس على الموارد فيما بينها. وكانت هناك بعض الاتفاقيات، لكنهم كانوا يتنافسون أساساً على لعبة لا يربح فيها طرف إلا من خلال خسارة الطرف الآخر".

وهناك بؤر أخرى تعاني من المخاطر نفسها، مثل المناطق المحيطة بنهر النيل (6677 كيلو مترا)، والمناطق المحيطة بنهري النيجر (4183 كيلو مترا) وزامبيزي (2735 كيلو مترا) في إفريقيا، ونزاع سورية مع تركيا بسبب العدد الكبير من السدود التي بنتها تركيا على نهري دجلة والفرات. وحتى في المناطق التي لا تنطوي على مخاطر نشوب عنف، فإن الدول تعاني من حالات نقص، أو كما يقال بلغة أهل الاختصاص ’المناطق التي تعاني بسبب المياه‘ تدفع الثمن من خلال الإنتاجية الضائعة وتوقف النمو.

وفي ظل الاحتمالات القاتمة والكارثية لنقص المياه التي تلقي بظلها ليس فقط على إفريقيا، وإنما على معظم أنحاء أوروبا هذا الصيف، بدأ السباق للتوسط إلى إيجاد حلول دولية، قبل أن ينقلب القحط إلى كارثة تهدد الاقتصاد العالمي.

والإحصائيات كفيلة بأن تصعق الاقتصاديين وعلماء البيئة على حد سواء. فنقص الماء النظيف، والموارد الصحية الأساسية، الذي يبتلى به نحو 40 في المائة من سكان العالم، يتسبب في فاقد في النمو الاقتصادي العالمي يبلغ 556 مليار دولار سنوياً على الأقل، حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية. وهذا الرقم يعادل نحو 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ويبين تقرير أعده البنك الدولي حول القحط والجفاف في كينيا بين عامي 1998 و2000 أن الجفاف أدى بشكل مباشر إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي في ذلك البلد بنسبة 16 في المائة. وكانت آثار الخسارة الناجمة عن عدم تحقق النمو الاقتصادي واضحة للعيان في جميع جوانب الاقتصاد.

مثلا، الجفاف الذي تعاني منه إفريقيا في الوقت الحاضر، والذي يهدد حياة 11 مليون شخص في الصومال وإثيوبيا والبلدان المجاورة، يضر كذلك ببائعي الأسماك في بلدان مثل تنزانيا، لأن نقص الثلج يعني أن الأسماك ستفسد قبل أن تشحن إلى الخارج.

وحتى في الدول المتطورة، فإن نقص المياه يمكن أن تكون له آثار اقتصادية مدمرة. وتقول الإدارة القومية للمحيطات والضغط الجوي في الولايات المتحدة إن الخسائر الاقتصادية السنوية للولايات المتحدة بسبب الجفاف تقدر بنحو ستة مليارات إلى ثمانية مليارات دولار. وتتركز الخسائر في بضع مناطق منكوبة. وفي أوروبا كلفت حالات النقص الحاد في المياه عام 2003 اقتصادات المنطقة 13 مليار دولار، وهي خسارة تعود في معظمها إلى الانخفاض في الناتج الزراعي بنسبة بلغت 30 في المائة.

فلماذا برز الماء فجأة ليشكل نقطة توتر منذرة بالخطر بالنسبة للاقتصاد العالمي؟ هناك تفسير لذلك يعرفه الاقتصاديون الذين يدرسون ظاهرة المجاعة، ينص على أنه حتى في المناطق التي توجد فيها كميات مناسبة من المياه، فإن سوء الإدارة، وغياب الحكم الرشيد، وعدم العدالة في التوزيع، كل ذلك يعني أن بعض الناس سيعانون من العطش، في حين يستمتع البعض الآخر بشرب مياه "إيفيان" المعدنية وهم مستلقون حول برك السباحة.

وهناك متهم آخر في هذه القضية، هو التغير المناخي الذي يعمل على تقليص كميات المياه في بعض المناطق، مثل جنوب الصحراء الإفريقية، لكنه يؤدي إلى حدوث فيضانات في المناطق التي تذوب فيها الجبال الجليدية.

ومطالب الزراعة الحديثة لا ترحم، إذ نحتاج إلى 1000 طن من الماء لإنتاج طن من الحبوب. كذلك تحتاج الصناعة إلى كميات كبيرة من الماء. فالنشاطات الصناعية من تصنيع المواد الغذائية إلى صناعة أشباه الموصلات وصناعة الأقمشة تتطلب كميات هائلة من الماء، وهو عامل كبير في الدول ذات التطور الصناعي السريع.

وهناك مشكلة حادة من نوع آخر، هي تلويث موارد المياه النظيفة، إما عن طريق الأملاح، أو الفضلات الإنسانية والحيوانية، أو عن طريق السموم المتخلفة عن عمليات التصنيع. وهذه المشكلة حادة على وجه الخصوص في الصين، بسبب تلوث مياه الشرب التي يستخدمها 300 مليون شخص، أو نحو ربع السكان، بالمواد الكيماوية الضارة، حسب وكالة الأنباء الرسمية "زينهوا".
ويقول بيورن ستيجسون رئيس مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة، إن نقص المياه العذبة والنظيفة يمكن أن يكون أحد المشاكل التي تكبح جماح النمو المندفع في الهند والصين. ويضيف: "من الواضح بالنسبة لي، من خلال محادثاتي مع المسؤولين الصينيين، أن هذه المشكلة هي على الأرجح أكبر مشكلة تواجه الصين".

ومع ذلك تشعر المصالح التجارية بوجود فرص متوافرة. ويبدو أن موجة تخصيص مؤسسات المياه العامة حول العالم في تسعينيات القرن الماضي أصابها الفتور حاليا، لكن الضغوط الموجودة الآن على استخدام المياه أثارت اهتمام الشركات. ونسبة خدمات المياه التي يديرها القطاع الخاص في العالم لا تتجاوز في الوقت الراهن 7 ـ 8 في المائة، حسب إحصائيات شركة سويز إنفايرونمنت Suez Environnement، التابعة لمجموعة شركات الخدمات الفرنسية.

لذلك السوق المحتملة في هذا المجال تصل إلى مئات المليارات من الدولارات. لكن إذا أحسن استخدام قوى السوق وقوة رأس المال الخاص، فهل تكون النتيجة تحسن كفاءة التوزيع والاستخدام في الموارد المائية للعالم؟ أم هل تؤدي فورة ثراء القطاع الخاص إلى استقطاب الموارد، التي هي أصلاً منحازة لصالح الأغنياء، وجعل الفقراء يموتون لعدم وجود النظافة الصحية؟

وأثا هذا الموضوع جدلاً في المؤتمر العالمي للمياه الذي عقد الشهر الماضي الأسبوع في مكسيكو سيتي. وتقاوم بعض المنظمات إدراج القطاع الخاص في هذا الموضوع على أسس أيديولوجية.

ونشر معهد العولمة، وهو جهاز يضم مجموعة من المفكرين اليمينيين، تقريراً يطالب بإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في إدارة المياه. وحجته في ذلك هي أن هذا من شأنه زيادة سبل الحصول على الماء النظيف والصرف الصحي. لكن حركة التنمية العالمية، وهي جماعة تشن حملات ضد الفقر، تجادل في تقرير مستقل بوجهة نظر مضادة وبأن "القول بأن تخصيص المياه أدى إلى زيادة سبل الحصول على المياه وإلى تقليل التكاليف إنما هو خرافة".

ويقول توم لوكين المسؤول عن سياسة المياه العذبة في منظمة WWF، التي تدافع عن البيئة، إن كل طرف محق إلى حد ما. ويضيف: "الموضوع متوقف تماماً على طبيعة البلد. فبالإمكان الحصول على عدد من الخطط التي يمكن أن تنجح، لكن هناك مناطق في العالم يعتبر تخصيص الماء فيها مثار جدل واسع".

والعامل الذي يحول بين التدخل الفعال للقطاع الخاص وبين الفشل هو البيئة التشريعية القوية، حسبما يقول ديفيد ردهاوس المسؤول عن السياسات في المنظمة الخيرية "ووترإيد" WaterAid. ويضيف: "حين يكون لديك قطاع تشريعي قوي، بإمكانك ضمان أن تؤخذ مصالح الجميع في الاعتبار، بمن فيهم أفقر الناس".

ويقول جان - لوي شوساد كبير المديرين التنفيذيين لشركة سويز إنفايرونمنت، إنه فضلاً عن ذلك، فإن تدخل القطاع الخاص يمكن أن يضع حداً لبعض من أبشع التشوهات في أسعار المياه. ويستشهد بحالة السقائين في شوارع بلدان مثل الهند وبعض مناطق أمريكا الجنوبية، ويقول: "الفقراء ينتهي بهم المطاف حين يريدون الحصول على الماء إلى دفع عشرة أضعاف السعر الذي يدفعه الأغنياء، والذين يستطيعون الحصول عليه من الحنفية".

ويرى شوساد أن من الممكن التخفيف إلى حد كبير من عدم التوافق بين الطلب والعرض على الماء، باللجوء إلى عدد من الأساليب الفنية البسيطة، أهمها إعادة استخدام الماء، أي معالجة مياه الصرف الصحي ليعاد ضخها بشكل مأمون إلى الأنهار، لتستخدم في الري وفي العمليات التصنيعية. بل من الممكن إعادة حقنها في الأرض لإعادة تكوين المياه الجوفية.

مثلا، فإن معمل معالجة مياه الصرف الذي انتهى العمل فيه هذا العام في سان لويس بوتوسي في المكسيك سيجعل من الممكن معالجة 80 ألف متر مكعب يومياً من مياه الصرف التي تنتجها المدينة. وبعد ذلك سيجري توزيع 60 في المائة من المياه التي عولجت بوسائل فيزيائية وكيماوية على الزراع، ويخضع الباقي لمعالجة أحيائية ويستخدم عامل تبريد في محطة توليد الطاقة في بلدة ريس المجاورة.

واهتمام كثير من الصناعات بإعادة استخدام مياهها لا يكاد يذكر. وتثقيف مستخدمي المياه يمكن أن يسهم بشكل كبير في تقليص الطلب، ذلك أن معظم الاستخدامات العالمية للمياه هي في مجال الزراعة، ويمكن تعليم الزراع أساليب أفضل لإدارة المياه. وهذه الأساليب يمكن أن تكون بسيطة، مثل بناء الخنادق في المواقع السليمة، وتحسين أساليب تجميع مياه الأمطار، أو حرث الحقول على خطوط المناسيب بدلاً من حرثها صعوداً وهبوطاً، حتى لا تذهب المياه والتربة السطحية سدى تحت الأخاديد وقت هطول المطر.

وتحلية المياه هي من الخيارات الفنية الأخرى لتوليد مياه عذبة من البحر، لكنها تظل مكلفة نسبياً. وتعتزم إسبانيا بناء أكثر من 20 معمل تحلية خلال الأعوام المقبلة في الساحل الجنوبي الجاف، سيتم تشغيلها في فترات ذروة الطلب، مثل الموسم السياحي. لكن التحلية التي تتم في العادة بتقنية التناضح العكسي، أو بدفع الماء خلال أغشية رقيقة تمنع نفاذ الأملاح، تتطلب كميات كبيرة من الطاقة. وهذا بدوره يؤدي إلى انبعاث الغازات التي تؤدي إلى مفعول البيوت الخضراء، الأمر الذي يزيد من تعقيد مشكلة المياه بتعجيل التغير المناخي.

وكانت الشركات تتوصل إلى طرق للالتفاف حول هذه المشكلة، مثل استخدام الحرارة الناتجة عن محطات الطاقة لتوليد البخار، الذي يمكن بعد ذلك تكثيفه، أو استخدام موارد الطاقة القابلة للتجديد لتوليد الطاقة اللازمة. وتستخدم مدينة بيرث في أستراليا توربينات الرياح لتزويد الطاقة إلى معمل تحلية المياه هناك.

وهناك إمكانية أخرى لتقليل الطلب على المياه، وهي من النوع الذي يتجنبه المدافعون عن البيئة، إذ يمكن تعديل المحاصيل الزراعية جينياً لجعلها أكثر ملاءمة للزراعة في المناطق التي تتلقى كميات قليلة من الأمطار أو التي تكون ملوحة المياه عالية فيها.

ويمكن أن تصبح هذه الأساليب جميعاً ذات أهمية فائقة حين يصبح عدد سكان العالم تسعة مليارات شخص بحلول عام 2050. إذ ستعتمد على ذلك صحة أعداد لا تحصى من البشر. ليس هذا فحسب، وإنما سيعتمد عليها كذلك الاقتصاد العالمي.
المصدر: الاقتصادية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع



أخر مواضيعي
رد مع اقتباس