عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-10-2011, 10:26 PM
سعودي عمري سعودي عمري غير متواجد حالياً
 






سعودي عمري is on a distinguished road
افتراضي من شعر الباشه رحمه الله - قوة الشقر وترابط المعنى

لشعر الجناس (الشقر) نكهه خاصة ، يتذوقها محبوا الشعر الجنوبي الأصيل
منذ أمد الشعر ، والجناس فن تتجول معه الأفكار في فضاءات واسعة وعميقة:

طرقت الباب حتى كلّ متني
فلما كلّ متني (كلّمتني)

رأيت الناس قد مالوا
إلى من عنده مالُ


حلّ المشيب بعارضي ومفارقي
بئس القرين أراهُ غير مفارقي



أطعت ما سن أعدائي وما فرضوا
وشاهدوك بسخطي راضياً فرضوا




هذا النهج الشعري ينتهجه شعراء شعر العرضة الجنوبية في ميدان رجولي جميل تثار به خيول الفن وخيول الحرب في شعر شعبي يسمى شعر الشقر.

هناك من شعراء بني عمر القدامى الشاعر الراحل احمد بن موسى (الباشه) رحمه الله شاعر شقر ومعنى متمكن من الدرجه الأولى ...

وسأتناول في هذا الموضوع نص شعري جنوبي شامخ،قاله في زمن الشقر الجميل يستحق تسليط ضوء التحليل النقدي على الكثير من صوره وقافيته الجناسية...

(ياسلامي عليكم حسبة النو والما منه روج)

شطر تسليمة مقترن بصورة شعرية عملاقة ، فقد جعل الشاعر حجم التسليمة كحجم السحاب الممتلىء بالمطر فقال:
"حسبة النو"
لم يكتفي الشاعر بذلك ولكن نظرته الشعرية تريد إيصال التسليمة إلى الحد الأكبر لصورة السحاب الممطر وهو انحدار السيل العرمرم الذي يرج الأرض فقال:
"والما منه روج"

( وعداد الحيا في ديرة نابته لاباته الرج )

يستمر الشاعر في تضخيم التسليمة وجعلها تمتد إلى مابعد مايعقب السيل وهو إرتواء الأرض وإعتشابها

( نبت ماناشه الا الريح ماهو لبدو ناوجوه )

لابد أن يقوم الشاعر بوصف العشب وتقديسه لأنه لو تركه بدون تسوير لأصبح العشب ملاذا للبهائم وهذا لايليق بالتسليم
فقال:
" ماناشه إلا الريح "
أي لم يقم بإقتطافه او العبث به أي كائن حيّ , فقط هي الريح تلعب به يمنةً ويسرة ، وهذا منظر جميل لصورة يتخيلها العقل ليشعر بالراحة والإنسجام، (صورة عشب أخضر تلعب به النسائم العليلة).

( قلتهامن صفاء العقل متوقّفٍ مامنه روجه)

هنا يعود الشاعر لوصف تسليمته ويقول أنها نبعت من عقل كبير وعاقل وليس به إي جنون إو إرتجاج .

( مايتيّه بنا لو كان فوق التلف يمشي بنا )

يصف الشاعر عقله الكبير الراجح بأنه يستطيع أن يتعامل بسياسة وحنكة حتى مع الصعاب.

( لـ اجل ماهي لنا الدنيا وبعدا نزول وكم مضاها
مالها الا جليل الملك والليل يجري والفجور)

هنا الشاعر يخرج من إطار التسليم ويدخل في تمهيد لفكرة القصيدة التي يرغب الوصول إليها،ويبدو من ظاهر المعنى أن القصيدة مرت بموقف أغضب الشاعر يتمحور في صفات الكبر والبخل والنفاق المنافيه للدّين , لذلك قام الشاعر بالتطرق لدنيا الزوال وان لن يخلّد بها الا الله تعالى.

( مامعه غير يتعبنا بمد وهنداسه وثمنا.
والا ياكم رقاب اققى بها الله بغير اثمانها )

ختم الشاعر الوجه الأول للقصيدة (البدع) بحكمة عظيمة تقول: أن من يتكبر ويتغطرس بما معه من مال لابد أن يموت ويترك كل شيء وراءه.

في هذا البدع الكثير من التمهيدات لفكرة القصيده عن طريق فرش شقري رهيب .

لنتابع اكتمال الفكرة في الوجه الآخر للقصيدة ( الرد)



( صفة ارباطعش خلوني اعجم على مامن هروج )

يخاطب الشاعر -بلهجة نقدية- جيل القرن الرابع عشر ومابعده ويقول: أن في خاطري الكثير لكني ألتزم الصمت وصرت كأني لااعرف الكلام .

( جارت الزعمة والشفات والغيظ والا باتهرج)

يصف الشاعر نفسه بأنه لايرغب في إغاضة أحد من نقده بالرغم من مايراه من صفات سيئة في مجتمعه.

( كل واحد معه تسعين مذهب مع تسعة وجوه )

من هنا يبدأ الشاعر في النقد بعد تمهيدات عميقة دلت على شاعرية ضخمة ,فإن الأدباء والشعراء المتمكين غالباً يبدأون كتاباتهم وقصائدهم بمقدّمات تعتبر مثل الجسر الممدود بين جزيرة وجزيرة في وسط البحر ليتمكن سكانها من الإنتقال الممتع والإنسيابي بين الجزيرة والأخرى.
ينتقد الشاعر اصحاب النفاق والنميمة والذين يعيشون بعدّة وجوه ملوّنة , وهذا يعتبر نقص في شخصية المشّاء بنميم.
انا لم أفهم تماما إصرار الشاعر على وضع الرقم (تسعة) في هجاء أصحاب النميمة متعددي الوجوه فقال: (تسعين مذهب) (تسعة وجوه) لماذا لم يقل ستين أو خمسين أو اربعين .
لا أعلم هل له مغزى مع هذا الرقم ، مثلا أنه يهجو تسعة أفراد أو أنه مجرد رقم مبالغة يدل على كثرة اهل النفاق ,وللمعلومية (تسعين ) أكثر رقم يستطيع البيت الشعري السابق استيعابه بدون ان ينكّسر وزنه .

( ان جلسنا مع الجاهل فيا نجر قلبي من هروجه .
وان جلسنا مع الشيبان أثار البلى من شيبنا )

يستمر شاعرنا في انتقاد شرائح المجتمع صغار السن أو كباره بطريقة طريفة تمهيدية لقوة نقدية ستأتي في الابيات التالية ، وكأني هذه اللحظه بأصوات التصفيق تهز الميدان الذي قالها به.

( ان بدينا بهرجة حق قالوا لنا منكم مظاها.
حبوا الظلم والبهتان والزور وايمان الفجور)

يبدأ الشاعر في جلد المجتمع بسوط النقد حول صفات ممقوتة منها: كره كلمة الحق والظلم والبهتان وشهادة الزور وحلف الفجور.

( ان بغينا نطاوعهم على مثل ذا المعنى وثمنا .
لن وش فايدة حملت روحي بزود اثمانها )

يتضح لنا من هذا البيتين أن الشاعر ذو قلب حنون وذو دين , يرفض الوقوع في الإثم ,وايضا لايرغب في إغاضة أحد ويتضح أيضا أنه محرج جدا من شريحة قريبة تربطه بها وشائج الوطن والقبيلة يحاولون إرغامه على فعل شيء لايريده.

قصيدة جنوبية شقرية عصماء متناسقة الطرح وعظيمة المعنى ومترابطة البدع والرد، تعتبر إحدى قصائد النصح والإرشاد التي خلّدها تاريخ الشاعر الكبير: الباشة العُمري الزهراني رحمه الله .
رد مع اقتباس