الموضوع: حكاية باب !
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-11-2010, 02:35 AM
الصورة الرمزية مـ ـخـ ـرِبـ ـهـ ـآ
مـ ـخـ ـرِبـ ـهـ ـآ مـ ـخـ ـرِبـ ـهـ ـآ غير متواجد حالياً
 






مـ ـخـ ـرِبـ ـهـ ـآ is on a distinguished road
Unhappy حكاية باب !




حكاية باب !
مثل كل الأبواب الخشبيّة .. كنت ( مقطوعاً من شجرة ) !
لم أشعر بـ اليتم ، ولم أشعر بـ الغضب من الجرّافة التي اقتلعتني ، أو من فأس الحطّاب الذي انتزعني من أهلي ..
من موطني الأولـ / الغابة .
حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون " الباب الرئيسي " لـ هذا المنزل الريفي الصغير .
في البداية كنت أنظر لـ سكانه بريبة ، وكانت خطوات الصغيرة " سارة " تـُشعرني بـ الرعب
لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بـ عنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي ...
وحدها " سيدة " المنزل ستعاتب " سارة " لـ تصرفها غير المهذب معي
فيما يكتفي " السيّد " بـ الضحكات العالية لـ شغب طفلتهما المدللة .
شعرت أن هناك علاقة ما بدأت تنمو بيني وبين " السيدة " ..
كانت لمستها لي مختلفة ..
كنت أشعر بـ الدفء والأمان عندما تفتحني وتغلقني .
قامت بـ تزييني من الداخل بعمل فني على شكل سجادة أنيقة ..
ومن الخارج كانت تـُعلـّّق على صدري كل فترة بعض الأزهار التي تقطفها من الحديقة الصغيرة ..
كنت أقنع نفسي أن هذه الأزهار عُلقت على صدري لأجلي ..
لا لأجل الضيوف !
كم أكره بعض الضيوف والزوار الثقلاء وطرقاتهم الغبية ..
ولكن : أصدقاء وصديقات " السيدة " أحبهم ..
حتى وإن " طرقوني " بـ عنف أحياناً .
تمر السنوات ، وأشعر أنني أصبحت جزءا ً من هذه العائلة .
كنت أرى " السيدة " وهي تكبر .. وأرى الطفلة " سارة " وهي تنزع ثياب طفولتها وتتحوّل إلى صبيّة فاتنة .
ذات عام - [mark=#FF0000]وكم كان حزينا ً هذا العام[/mark]- رحل " السيّد " الذي خطفه الموت ،

ورحلت " سارة " لـ تكمل دراستها الجامعية في المدينة البعيدة.
بقينا وحدنا : أنا و" السيدة " ..
كنت أراها وهي تذبل أمامي وتفقد نضارتها ،

ومع هذا كنت – كل يوم – أنتظر بـ فارغ الصبر لمستها لي عندما تفتحني في الصباح ..
كانت تلك اللمسة تشبه " صباح الخير " .
اعتادت في الفترة الأخيرة أن تشرب قهوتها بـ جانبي ..
تسحب كرسيا ً خشبيا ً وتجلس بـ الشرفة .. ( كم أحسده ، وكم تمنيت لو أنهم صنعوني كرسيا بدلاً من باب !! ) ..
أظنها تفكر بـ" سارة ".. وتتذكر " السيّد " ...
ورغم أنني نصف مفتوح إلا أنني أنشغل عن داخل المنزل بـ النظر إلى خارجه .. إليها !
في ليالي الشتاء ، كانت تجلس في الصالة تقرأ كتابا ً، وكنت أبتهج لرؤيتها بـ قربي ..
ورغم العواصف والبرد والأمطار التي تضرب ظهري من الخارج إلا أنني كنت من الداخل أشعر بـ الفرح والدفء .
في أحد الأعوام ( لا أدري متى بـ الضبط ، فـ ذاكرتي توقفت في ذلك اليوم )
أتى بعض الغرباء – وبعد سلسلة طرقات عنيفة – ضربوني بـ قوة ..
وبعد همهمات وحوار مرتبك ..
دخلوا غرف المنزل يفتشونها ..
بعد دقائق خرجوا من المنزل وهم يحملون " السيدة " على نقالة ..
خرجت دون أن تلتفت لي أو تلمسني أو تودعني بأي شكل ..
مرّت سنوات لم يطرقني أحد .
ولم تـُعلّق الأزهار على صدري .
كبرت .. وصار صوتي بشعا ً لكثرة الصرير الذي يحدثه .
ضعفت مفاصلي .. وصار العث يأكل أطرافي ..
وتآكلت من البرد والوحشة والوحدة وتبدل الفصول .
و.. ذات صباح ربيعي بارد : أقبلت نحوي سيدة يرافقها شاب أطول منها وأصغر من عمرها .
" كأنني أعرف هذه الملامح " ..
اقتربا .. " كأنني أعرف إيقاع هذه الخطوات " ..
و.. ما أن لمستني حتى سقطت على الأرض !
الأشياء حولي تظن أنني سقطت لأن أطرافي تآكلت ومفاصلي أصابها الصدأ ..
لا .. بل لأنني عرفت هذه اللمسة .. إنها تشبه لمسة " السيدة " ..
ولم لا ؟ ..
طالما أنها من ابنتها " سارة " والتي يرافقها ابنها الشاب .
أتت به لـ تزور منزل العائلة المهجور .
بعد جولة صغيرة في أرجاء المنزل , وبعد أن هب هواء شديد البرودة ..
جمع الشاب بعض الأوراق المتناثرة ورمى بها في المدفأة القديمة لـ يشعل نارا ً تجلب الدفء لأمه نظر حوله ..
واتجه صوبي .. وأخذ يـُكسّر أطرافي ويرمي بها في النار !!






محمد الرطيان


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
لا ينكسـر خاطرك يا صاح
لا شـفت دمعي يغالبني

بعض الوجع لا بغى يرتاح
يرسـل دموعي تعاتبني !
أخر مواضيعي
رد مع اقتباس