منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > الإسلام حياة

أمراض القلوب وشفاؤها > فَصَلِّ أنواع مرض القلب


الإسلام حياة

إضافة ردإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 09-04-2016, 03:10 PM
((يوسف)) ((يوسف)) غير متواجد حالياً
 






((يوسف)) is on a distinguished road
افتراضي أمراض القلوب وشفاؤها > فَصَلِّ أنواع مرض القلب

ابْنِ تيمية

رِسَالَة في أمراض القلوب وشفاؤها
فَصَلِّ أنواع مرض القلب
فَصَلِّ أنواع مرض القلب
فَصْل حد الحسد وأنواعه
فَصْل حد الحسد وأنواعه
فَصْل الْبُخْلُ وَالْحَسَدُ مَرَضٌ يُوجِبُ بُغْضَ النَّفْسِ لِمَا يَنْفَعُهَا
http://ebntaymiah.midad.com/view/23.html

أمراض القلوب وشفاؤها > فَصَلِّ أنواع مرض القلب

متن:
فَصْلٌ وَكَذَلِكَ " مَرَضُ الْقَلْبِ " هُوَ نَوْعُ فَسَادٍ يَحْصُلُ لَهُ يَفْسُدُ بِهِ تَصَوُّرُهُ وَإِرَادَتُهُ فَتَصَوُّرُهُ بِالشُّبُهَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُ حَتَّى لَا يَرَى الْحَقَّ أَوْ يَرَاهُ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَإِرَادَتُهُ بِحَيْثُ يُبْغِضُ الْحَقَّ النَّافِعَ وَيُحِبُّ الْبَاطِلَ الضَّارَّ ; فَلِهَذَا يُفَسَّرُ الْمَرَضُ تَارَةً بِالشَّكِّ وَالرَّيْبِ . كَمَا فَسَّرَ مُجَاهِدٌ وقتادة قَوْلَهُ : { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أَيْ شَكٌّ . وَتَارَةً يُفَسَّرُ بِشَهْوَةِ الزِّنَا كَمَا فُسِّرَ بِهِ قَوْلُهُ : { فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } . وَلِهَذَا صَنَّفَ الخرائطي " كِتَابَ اعْتِلَالِ الْقُلُوبِ " أَيْ مَرَضِهَا وَأَرَادَ بِهِ مَرَضَهَا بِالشَّهْوَةِ وَالْمَرِيضُ يُؤْذِيهِ مَا لَا يُؤْذِي الصَّحِيحَ فَيَضُرُّهُ يَسِيرُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْعَمَلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَقْوَى عَلَيْهَا لِضَعْفِهِ بِالْمَرَضِ . وَالْمَرَضُ فِي الْجُمْلَةِ يُضْعِفُ الْمَرِيضَ بِجَعْلِ قُوَّتِهِ ضَعِيفَةً لَا تُطِيقُ مَا يُطِيقُهُ الْقَوِيُّ وَالصِّحَّةُ تُحْفَظُ بِالْمِثْلِ وَتُزَالُ بِالضِّدِّ وَالْمَرَضُ يَقْوَى بِمِثْلِ سَبَبِهِ . وَيَزُولُ بِضِدِّهِ فَإِذَا حَصَلَ لِلْمَرِيضِ مِثْلُ سَبَبِ مَرَضِهِ زَادَ مَرَضُهُ وَزَادَ ضَعْفُ قُوَّتِهِ حَتَّى رُبَّمَا يَهْلَكُ . وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَا يُقَوِّي الْقُوَّةَ وَيُزِيلُ الْمَرَضَ كَانَ بِالْعَكْسِ . وَ " مَرَضُ الْقَلْبِ " أَلَمٌ يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ كَالْغَيْظِ مِنْ عَدُوٍّ اسْتَوْلَى عَلَيْك فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْلِمُ الْقَلْبَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ } { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } فَشِفَاؤُهُمْ بِزَوَالِ مَا حَصَلَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْأَلَمِ وَيُقَالُ : فُلَانٌ شُفِيَ غَيْظُهُ وَفِي الْقَوَدِ اسْتِشْفَاءُ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَهَذَا شِفَاءٌ مِنْ الْغَمِّ وَالْغَيْظِ وَالْحُزْنِ وَكُلُّ هَذِهِ آلَامٌ تَحْصُلُ فِي النَّفْسِ . وَكَذَلِكَ " الشَّكُّ وَالْجَهْلُ " يُؤْلِمُ الْقَلْبَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { هَلَّا سَأَلُوا إذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعَيِّ السُّؤَالُ } . وَالشَّاكُّ فِي الشَّيْءِ الْمُرْتَابِ فِيهِ يَتَأَلَّمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ الْعِلْمُ وَالْيَقِينُ وَيُقَالَ لِلْعَالِمِ الَّذِي أَجَابَ بِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ : قَدْ شَفَانِي بِالْجَوَابِ . وَالْمَرَضُ دُونَ الْمَوْتِ فَالْقَلْبُ يَمُوتُ بِالْجَهْلِ الْمُطْلَقِ وَيَمْرَضُ بِنَوْعِ مِنْ الْجَهْلِ فَلَهُ مَوْتٌ وَمَرَضٌ وَحَيَاةٌ وَشِفَاءٌ وَحَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ وَمَرَضُهُ وَشِفَاؤُهُ أَعْظَمُ مِنْ حَيَاةِ الْبَدَنِ وَمَوْتِهِ وَمَرَضِهِ وَشِفَائِهِ فَلِهَذَا مَرَضُ الْقَلْبِ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ أَوْ شَهْوَةٌ قَوَّتْ مَرَضَهُ وَإِنْ حَصَلَتْ لَهُ حِكْمَةٌ وَمَوْعِظَةٌ كَانَتْ مِنْ أَسْبَابِ صَلَاحِهِ وَشِفَائِهِ . قَالَ تَعَالَى : { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } لِأَنَّ ذَلِكَ أَوْرَثَ شُبْهَةً عِنْدَهُمْ وَالْقَاسِيَةُ قُلُوبُهُمْ لِيُبْسِهَا فَأُولَئِكَ قُلُوبُهُمْ ضَعِيفَةٌ بِالْمَرَضِ فَصَارَ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لَهُمْ وَهَؤُلَاءِ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ قَاسِيَةً عَنْ الْإِيمَانِ فَصَارَ فِتْنَةً لَهُمْ . وَقَالَ : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ } كَمَا قَالَ : { وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } لَمْ تَمُتْ قُلُوبُهُمْ كَمَوْتِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَلَيْسَتْ صَحِيحَةً صَالِحَةً كَصَالِحِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ فِيهَا مَرَضُ شُبْهَةٍ وَشَهَوَاتٍ وَكَذَلِكَ { فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } وَهُوَ مَرَضُ الشَّهْوَةِ فَإِنَّ الْقَلْبَ الصَّحِيحَ لَوْ تَعَرَّضَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْقَلْبِ الْمَرِيضِ بِالشَّهْوَةِ فَإِنَّهُ لِضَعْفِهِ يَمِيلُ إلَى مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْمَرَضِ وَضَعْفِهِ فَإِذَا خَضَعْنَ بِالْقَوْلِ طَمِعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ . وَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ أَمْرَاضُ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ فَفِيهِ مِنْ الْبَيِّنَاتِ مَا يُزِيلُ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ فَيُزِيلُ أَمْرَاضَ الشُّبْهَةِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعِلْمِ وَالتَّصَوُّرِ وَالْإِدْرَاكِ بِحَيْثُ يَرَى الْأَشْيَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مِنْ الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْقَصَصِ الَّتِي فِيهَا عِبْرَةٌ مَا يُوجِبُ صَلَاحَ الْقَلْبِ فَيَرْغَبُ الْقَلْبُ فِيمَا يَنْفَعُهُ وَيَرْغَبُ عَمَّا يَضُرُّهُ فَيَبْقَى الْقَلْبُ مُحِبًّا لِلرَّشَادِ مُبْغِضًا لِلْغَيِّ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُرِيدًا لِلْغَيِّ مُبْغِضًا لِلرَّشَادِ . فَالْقُرْآنُ مُزِيلٌ لِلْأَمْرَاضِ الْمُوجِبَةِ لِلْإِرَادَاتِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى يَصْلُحَ الْقَلْبُ فَتَصْلُحُ إرَادَتُهُ وَيَعُودُ إلَى فِطْرَتِهِ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا كَمَا يَعُودُ الْبَدَنُ إلَى الْحَالِ الطَّبِيعِيِّ وَيَغْتَذِي الْقَلْبُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ بِمَا يُزَكِّيهِ وَيُؤَيِّدُهُ كَمَا يَغْتَذِي الْبَدَنُ بِمَا يُنَمِّيهِ وَيُقَوِّمُهُ فَإِنَّ زَكَاةَ الْقَلْبِ مِثْلُ نَمَاءِ الْبَدَنِ . وَ " الزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ " النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ فِي الصَّلَاحِ . يُقَالُ : زَكَا الشَّيْءُ إذَا نَمَا فِي الصَّلَاحِ فَالْقَلْبُ يَحْتَاجُ أَنْ يَتَرَبَّى فَيَنْمُو وَيَزِيدُ حَتَّى يَكْمُلَ وَيَصْلُحَ كَمَا يَحْتَاجُ الْبَدَنُ أَنْ يُرَبَّى بِالْأَغْذِيَةِ الْمُصْلِحَةِ لَهُ وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ مَنْعِ مَا يَضُرُّهُ فَلَا يَنْمُو الْبَدَنُ إلَّا بِإِعْطَاءِ مَا يَنْفَعُهُ وَمَنْعِ مَا يَضُرُّهُ كَذَلِكَ الْقَلْبُ لَا يَزْكُو فَيَنْمُو وَيَتِمُّ صَلَاحُهُ إلَّا بِحُصُولِ مَا يَنْفَعُهُ وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ لَا يَزْكُو إلَّا بِهَذَا . وَ " الصَّدَقَةُ " لَمَّا كَانَتْ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ صَارَ الْقَلْبُ يَزْكُو بِهَا وَزَكَاتُهُ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى طَهَارَتِهِ مِنْ الذَّنْبِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْفَوَاحِشِ يَزْكُو بِهَا الْقَلْبُ . وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْمَعَاصِي فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَخْلَاطِ الرَّدِيئَةِ فِي الْبَدَنِ وَمِثْلُ الدَّغَلِ فِي الزَّرْعِ فَإِذَا اسْتَفْرَغَ الْبَدَنُ مِنْ الْأَخْلَاطِ الرَّدِيئَةِ كَاسْتِخْرَاجِ الدَّمِ الزَّائِدِ تَخَلَّصَتْ الْقُوَّةُ الطَّبِيعِيَّةُ وَاسْتَرَاحَتْ فَيَنْمُو الْبَدَنُ وَكَذَلِكَ الْقَلْبُ إذَا تَابَ مِنْ الذُّنُوبِ كَانَ اسْتِفْرَاغًا مِنْ تَخْلِيطَاتِهِ حَيْثُ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا فَإِذَا تَابَ مِنْ الذُّنُوبِ تَخَلَّصَتْ قُوَّةُ الْقَلْبِ وَإِرَادَاتُهُ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَاسْتَرَاحَ الْقَلْبُ مِنْ تِلْكَ الْحَوَادِثِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ . فَزَكَاةُ الْقَلْبِ بِحَيْثُ يَنْمُو وَيَكْمُلُ . قَالَ تَعَالَى : { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } وَقَالَ : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } وَقَالَ تَعَالَى : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى } وَقَالَ تَعَالَى : { فَقُلْ هَلْ لَكَ إلَى أَنْ تَزَكَّى } { وَأَهْدِيَكَ إلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى } فَالتَّزْكِيَةُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا النَّمَاءُ وَالْبَرَكَةُ وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ فَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِإِزَالَةِ الشَّرِّ ; فَلِهَذَا صَارَ التَّزَكِّي يَجْمَعُ هَذَا وَهَذَا . وَقَالَ : { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ } { الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } وَهِيَ التَّوْحِيدُ وَالْإِيمَانُ الَّذِي بِهِ يَزْكُو الْقَلْبُ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ إلَهِيَّةِ مَا سِوَى الْحَقِّ مِنْ الْقَلْبِ وَإِثْبَاتَ إلَهِيَّةِ الْحَقِّ فِي الْقَلْبِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ . وَهَذَا أَصْلُ مَا تَزْكُو بِهِ الْقُلُوبُ . وَالتَّزْكِيَةُ جَعْلُ الشَّيْءِ زَكِيًّا : إمَّا فِي ذَاتِهِ وَإِمَّا فِي الِاعْتِقَادِ وَالْخَبَرِ ; كَمَا يُقَالُ عَدَّلْته إذَا جَعَلْته عَدْلًا فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي اعْتِقَادِ النَّاسِ قَالَ تَعَالَى : { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } أَيْ تُخْبِرُوا بِزَكَاتِهَا وَهَذَا غَيْرُ قَوْلِهِ : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } وَلِهَذَا قَالَ : { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } وَكَانَ اسْمُ زَيْنَبَ بَرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } أَيْ يَجْعَلُهُ زَاكِيًا وَيُخْبِرُ بِزَكَاتِهِ كَمَا يُزَكِّي الْمُزَكِّي الشُّهُودَ فَيُخْبِرُ بِعَدْلِهِمْ . وَ " الْعَدْلُ " هُوَ الِاعْتِدَالُ وَالِاعْتِدَالُ هُوَ صَلَاحُ الْقَلْبِ كَمَا أَنَّ الظُّلْمَ فَسَادُهُ وَلِهَذَا جَمِيعُ الذُّنُوبِ يَكُونُ الرَّجُلُ فِيهَا ظَالِمًا لِنَفْسِهِ وَالظُّلْمُ خِلَافُ الْعَدْلِ فَلَمْ يَعْدِلْ عَلَى نَفْسِهِ ; بَلْ ظَلَمَهَا ; فَصَلَاحُ الْقَلْبِ فِي الْعَدْلِ وَفَسَادُهُ فِي الظُّلْمِ وَإِذَا ظَلَمَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَهُوَ الظَّالِمُ وَهُوَ الْمَظْلُومُ كَذَلِكَ إذَا عَدَلَ فَهُوَ الْعَادِلُ وَالْمَعْدُولُ عَلَيْهِ فَمِنْهُ الْعَمَلُ وَعَلَيْهِ تَعُودُ ثَمَرَةُ الْعَمَلِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ . قَالَ تَعَالَى : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } . وَالْعَمَلُ لَهُ أَثَرٌ فِي الْقَلْبِ مِنْ نَفْعٍ وَضُرٍّ وَصَلَاحٍ قَبْلَ أَثَرِهِ فِي الْخَارِجِ فَصَلَاحُهَا عَدْلٌ لَهَا وَفَسَادُهَا ظُلْمٌ لَهَا قَالَ تَعَالَى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا } وَقَالَ تَعَالَى : { إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : إنَّ لِلْحَسَنَةِ لَنُورًا فِي الْقَلْبِ وَقُوَّةً فِي الْبَدَنِ وَضِيَاءً فِي الْوَجْهِ وَسَعَةً فِي الرِّزْقِ وَمَحَبَّةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ وَإِنَّ لِلسَّيِّئَةِ لَظُلْمَةً فِي الْقَلْبِ وَسَوَادًا فِي الْوَجْهِ وَوَهَنًا فِي الْبَدَنِ وَنَقْصًا فِي الرِّزْقِ وَبُغْضًا فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ . وَقَالَ تَعَالَى : { كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } وَقَالَ تَعَالَى : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } وَقَالَ : { وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا } وَتُبْسَلَ أَيْ تُرْتَهَنَ وَتُحْبَسَ وَتُؤْسَرَ ; كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ إذَا صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ قِيلَ قَدْ اعْتَدَلَ مِزَاجُهُ وَالْمَرَضُ إنَّمَا هُوَ بِإِخْرَاجِ الْمِزَاجِ مَعَ أَنَّ الِاعْتِدَالَ الْمَحْضَ السَّالِمَ مِنْ الْأَخْلَاطِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ لَكِنْ الْأَمْثَلُ ; فَالْأَمْثَلُ ; فَهَكَذَا صِحَّةُ الْقَلْبِ وَصَلَاحُهُ فِي الْعَدْلِ وَمَرَضُهُ مِنْ الزَّيْغِ وَالظُّلْمِ وَالِانْحِرَافِ . وَالْعَدْلُ الْمَحْضُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مُتَعَذِّرٌ عِلْمًا وَعَمَلًا وَلَكِنْ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ ; وَلِهَذَا يُقَالُ : هَذَا أَمْثَلُ وَيُقَالُ لِلطَّرِيقَةِ السَّلَفِيَّةِ : الطَّرِيقَةُ الْمُثْلَى . وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } . وَاَللَّهُ تَعَالَى بَعَثَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَعْظَمُ الْقِسْطِ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ثُمَّ الْعَدْلُ عَلَى النَّاسِ فِي حُقُوقِهِمْ ثُمَّ الْعَدْلُ عَلَى النَّفْسِ . وَالظُّلْمُ " ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ " : وَالظُّلْمُ كُلُّهُ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْعَدْلُ صِحَّتُهَا وَصَلَاحُهَا . قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ لِبَعْضِ النَّاسِ : لَوْ صَحَحْت لَمْ تَخَفْ أَحَدًا أَيْ خَوْفُك مِنْ الْمَخْلُوقِ هُوَ مِنْ مَرَضٍ فِيك كَمَرَضِ الشِّرْكِ وَالذُّنُوبِ . وَأَصْلُ صَلَاحِ الْقَلْبِ هُوَ حَيَاتُهُ وَاسْتِنَارَتُهُ قَالَ تَعَالَى : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } . لِذَلِكَ ذَكَرَ اللَّهُ حَيَاةَ الْقُلُوبِ وَنُورَهَا وَمَوْتَهَا وَظُلْمَتَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ . كَقَوْلِهِ : { لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } وقَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } ثُمَّ قَالَ : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ } . وَمِنْ أَنْوَاعِهِ أَنَّهُ يُخْرِجُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الْكَافِرِ وَالْكَافِرَ مِنْ الْمُؤْمِنِ . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ } وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا : { اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا } . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ } وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ آيَةَ النُّورِ وَآيَةَ الظُّلْمَةِ فَقَالَ : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ } فَهَذَا مَثَلُ نُورِ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ قَالَ : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } . ( فَالْأَوَّلُ مَثَلُ الِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَعْمَالِ التَّابِعَةِ لَهَا يَحْسَبُهَا صَاحِبُهَا شَيْئًا يَنْفَعُهُ فَإِذَا جَاءَهَا لَمْ يَجِدْهَا شَيْئًا يَنْفَعُهُ فَوَفَّاهُ اللَّهُ حِسَابَهُ عَلَى تِلْكَ الْأَعْمَالِ . وَ ( الثَّانِي : مَثَلٌ لِلْجَهْلِ الْبَسِيطِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ فَإِنَّ صَاحِبَهَا فِي ظُلُمَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ لَا يُبْصِرُ شَيْئًا ; فَإِنَّ الْبَصَرَ إنَّمَا هُوَ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ . قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى . { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } وَهُوَ بُرْهَانُ الْإِيمَانِ الَّذِي حَصَلَ فِي قَلْبِهِ فَصَرَفَ اللَّهُ بِهِ مَا كَانَ هَمَّ بِهِ وَكَتَبَ لَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ خَطِيئَةً إذْ فَعَلَ خَيْرًا وَلَمْ يَفْعَلْ سَيِّئَةً . وَقَالَ تَعَالَى : { لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ } وَقَالَ : { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلَى الظُّلُمَاتِ } وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ } . وَلِهَذَا ضَرَبَ اللَّهُ لِلْإِيمَانِ " مَثَلَيْنِ " . مَثَلًا بِالْمَاءِ الَّذِي بِهِ الْحَيَاةُ وَمَا يَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ الزَّبَدِ وَمَثَلًا بِالنَّارِ الَّتِي بِهَا النُّورُ وَمَا يَقْتَرِنُ بِمَا يُوقَدُ عَلَيْهِ مِنْ الزَّبَدِ . وَكَذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ لِلنِّفَاقِ " مَثَلَيْنِ " قَالَ تَعَالَى : { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ } وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ } { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . فَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا كَاَلَّذِي أَوْقَدَ النَّارَ كُلَّمَا أَضَاءَتْ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَالْمَثَلُ الْمَائِيُّ كَالْمَثَلِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ وَفِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يُرَى . وَلِبَسْطِ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْأَمْثَالِ مَوْضِعٌ آخَرُ . وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ حَيَاةِ الْقُلُوبِ وَإِنَارَتِهَا وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ { اجْعَلْ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا وَنُورَ صُدُورِنَا } . وَ " الرَّبِيعُ " هُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ فَيَنْبُت بِهِ النَّبَاتُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ } . وَالْفَصْلُ الَّذِي يَنْزِلُ فِيهِ أَوَّلُ الْمَطَرِ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الرَّبِيعَ لِنُزُولِ الْمَطَرِ الَّذِي يُنْبِتُ الرَّبِيعُ فِيهِ وَغَيْرُهُمْ يُسَمِّي الرَّبِيعَ الْفَصْلَ الَّذِي يَلِي الشِّتَاءَ ; فَإِنَّ فِيهِ تَخْرُجُ الْأَزْهَارُ الَّتِي تُخْلَقُ مِنْهَا الثِّمَارُ وَتَنْبُتُ الْأَوْرَاقُ عَلَى الْأَشْجَارِ . وَالْقَلْبُ الْحَيُّ الْمُنَوَّرُ ; فَإِنَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ النُّورِ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ وَيَعْقِلُ وَالْقَلْبُ الْمَيِّتُ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ . قَالَ تَعَالَى : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ } { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذَا إلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } الْآيَاتِ . فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونَ بِقُلُوبِهِمْ وَلَا يَسْمَعُونَ بِآذَانِهِمْ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِمَا رَأَوْهُ مِنْ النَّارِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ حَيْثُ قَالُوا : { قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } . فَذَكَرُوا الْمَوَانِعَ عَلَى الْقُلُوبِ وَالسَّمْعُ وَالْأَبْصَارُ وَأَبْدَانُهُمْ حَيَّةٌ تَسْمَعُ الْأَصْوَاتَ وَتَرَى الْأَشْخَاصَ ; لَكِنَّ حَيَاةَ الْبَدَنِ بِدُونِ حَيَاةِ الْقَلْبِ مِنْ جِنْسِ حَيَاةِ الْبَهَائِمِ لَهَا سَمْعٌ وَبَصَرٌ وَهِيَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ وَتَنْكِحُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً } . فَشَبَّهَهُمْ بِالْغَنَمِ الَّذِي ينعق بِهَا الرَّاعِي وَهِيَ لَا تَسْمَعُ إلَّا نِدَاءً . كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } فَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا كَقَوْلِهِ : { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إلَى ضُرٍّ مَسَّهُ } وَأَمْثَالُهَا مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ فِي عُيُوبِ الْإِنْسَانِ وَذَمِّهَا فَيَقُولُ هَؤُلَاءِ : هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْكُفَّارِ وَالْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ هُنَا الْكَافِرُ فَيَبْقَى مَنْ يَسْمَعُ ذَلِكَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ فِي هَذَا الذَّمِّ وَالْوَعِيدِ نَصِيبٌ ; بَلْ يَذْهَبُ وَهْمُهُ إلَى مَنْ كَانَ مُظْهِرًا لِلشِّرْكِ مِنْ الْعَرَبِ أَوْ إلَى مَنْ يَعْرِفُهُمْ مِنْ مُظْهِرِي الْكُفْرِ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمُشْرِكِي التُّرْكِ وَالْهِنْدِ . وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ لِيَهْتَدِيَ بِهَا عِبَادُهُ . فَيُقَالُ : - أَوَّلًا - : الْمُظْهِرُونَ لِلْإِسْلَامِ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ وَمُنَافِقٌ وَالْمُنَافِقُونَ كَثِيرُونَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَالْمُنَافِقُونَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ . وَيُقَالُ : " ثَانِيًا " الْإِنْسَانُ قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ شُعْبَةٌ مِنْ نِفَاقٍ وَكُفْرٍ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ إيمَانٌ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ : { أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ . وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ } فَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { إنَّك امْرُؤٌ فِيك جَاهِلِيَّةٌ } وَأَبُو ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ إيمَانًا وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ : الْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ } وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ . قَالُوا : الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ : فَمَنْ } وَقَالَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { لَتَأْخُذَن أُمَّتِي مَا أَخَذَتْ الْأُمَمُ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرِ وَذِرَاعًا بِذِرَاعِ . قَالُوا : فَارِسُ وَالرُّومُ قَالَ : وَمَنْ النَّاسُ إلَّا هَؤُلَاءِ } . وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : أَدْرَكْت ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَنْ عَلِيٍّ - أَوْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَا - قَالَ : الْقُلُوبُ " أَرْبَعَةٌ " . قَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ سِرَاجٌ يُزْهِرُ فَذَلِكَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ وَقَلْبٌ أَغْلَفُ فَذَاكَ قَلْبُ الْكَافِرِ وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ . فَذَاكَ قَلْبُ الْمُنَافِقِ وَقَلْبٌ فِيهِ مَادَّتَانِ : مَادَّةٌ تَمُدُّهُ الْإِيمَانَ وَمَادَّةٌ تَمُدُّهُ النِّفَاقَ فَأُولَئِكَ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا . وَإِذَا عُرِفَ هَذَا عُلِمَ أَنَّ كُلَّ عَبْدٍ يَنْتَفِعُ بِمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْإِيمَانِ مِنْ مَدْحِ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَذَمِّ شُعَبِ الْكُفْرِ وَهَذَا كَمَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } . فَيَقُولُونَ الْمُؤْمِنُ قَدْ هُدِيَ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي طَلَبِ الْهُدَى ثُمَّ يُجِيبُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَبِّتْنَا عَلَى الْهُدَى كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ لِلنَّائِمِ : نَمْ حَتَّى آتِيَك أَوْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ أَلْزِمْ قُلُوبَنَا الْهُدَى فَحَذَفَ الْمَلْزُومَ وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ زِدْنِي هُدًى وَإِنَّمَا يُورِدُونَ هَذَا السُّؤَالَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِمْ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الَّذِي يَطْلُبُ الْعَبْدُ الْهِدَايَةَ إلَيْهِ ; فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ . وَالْإِنْسَانُ وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فَأَكْثَرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ بِمَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّهُ وَمَا أَمَرَ بِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ فِي تَفَاصِيلِ الْأُمُورِ وَجُزْئِيَّاتِهَا لَمْ يَعْرِفْهُ وَمَا عَرَفَهُ فَكَثِيرٌ مِنْهُ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ بَلَغَهُ كُلُّ أَمْرٍ وَنَهْيٍ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ إنَّمَا تُذْكَرُ فِيهِمَا الْأُمُورُ الْعَامَّةُ الْكُلِّيَّةُ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ لَا تَذْكُرُ مَا يَخُصُّ بِهِ كُلَّ عَبْدٍ وَلِهَذَا أُمِرَ الْإِنْسَانُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِسُؤَالِ الْهُدَى إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ . وَالْهُدَى إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ يَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ يَتَنَاوَلُ التَّعْرِيفَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مُفَصَّلًا وَيَتَنَاوَلُ التَّعْرِيفَ بِمَا يَدْخُلُ فِي أَوَامِرِهِ الْكُلِّيَّاتُ وَيَتَنَاوَلُ إلْهَامَ الْعَمَلِ بِعِلْمِهِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ لَا يَحْصُلُ بِهِ الِاهْتِدَاءُ إنْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ وَلِهَذَا قَالَ لِنَبِيِّهِ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ : { إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } وَقَالَ فِي حَقِّ مُوسَى وَهَارُونَ : { وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ } { وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ تَنَازَعُوا فِيمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْخَبَرِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ مَعَ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا حَقٌّ وَالْقُرْآنَ حَقٌّ فَلَوْ حَصَلَ لِكُلِّ مِنْهُمْ الْهُدَى إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لَمْ يَخْتَلِفُوا ثُمَّ الَّذِينَ عَلِمُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَكْثَرُهُمْ يَعْصُونَهُ وَ [ لَا ] يَحْتَذُونَ حَذْوَهُ فَلَوْ هُدُوا إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ لَفَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ وَتَرَكُوا مَا نُهُوا عَنْهُ وَاَلَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ حَتَّى صَارُوا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ذَلِكَ دُعَاؤُهُمْ اللَّهَ بِهَذَا الدُّعَاءِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مَعَ عِلْمِهِمْ بِحَاجَتِهِمْ وَفَاقَتِهِمْ إلَى اللَّهِ دَائِمًا فِي أَنْ يَهْدِيَهُمْ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . فَبِدَوَامِ هَذَا الدُّعَاءِ وَالِافْتِقَارِ صَارُوا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ . قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التستري لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ طَرِيقٌ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الِافْتِقَارِ وَمَا حَصَلَ فِيهِ الْهُدَى فِي الْمَاضِي فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى حُصُولِ الْهُدَى فِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : ثَبِّتْنَا وَاهْدِنَا لُزُومَ الصِّرَاطِ . وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : زِدْنَا هُدًى يَتَنَاوَلُ مَا تَقَدَّمَ ; لَكِنْ هَذَا كُلُّهُ هُدًى مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ; فَإِنَّ الْعَمَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْعِلْمِ لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ وَلَا يَكُونُ مُهْتَدِيًا حَتَّى يَعْمَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْعِلْمِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ يَزُولُ عَنْ الْقَلْبِ وَإِنْ حَصَلَ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْعَمَلُ فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مُضْطَرُّونَ إلَى هَذَا الدُّعَاءِ ; وَلِهَذَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَلَيْسُوا إلَى شَيْءٍ مِنْ الدُّعَاءِ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إلَيْهِ وَإِذَا حَصَلَ الْهُدَى إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ حَصَلَ النَّصْرُ وَالرِّزْقُ وَسَائِرُ مَا تَطْلُبُ النُّفُوسُ مِنْ السَّعَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

http://ebntaymiah.midad.com/details/23/0/16115.html
رد مع اقتباس
قديم 22-04-2016, 03:21 AM   #2
Mansour Al-zahrani
مشرف قسم الطب والطب البديل
 
الصورة الرمزية Mansour Al-zahrani
 







 
Mansour Al-zahrani is on a distinguished road
افتراضي رد: أمراض القلوب وشفاؤها > فَصَلِّ أنواع مرض القلب

جزاك الله خيرا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
((أسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ، الحَيُّ القَيُّومُ، وَأتُوبُ إلَيهِ))


أخر مواضيعي
Mansour Al-zahrani غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-04-2016, 09:45 PM   #3
محمد الساهر
عضو مميز
 
الصورة الرمزية محمد الساهر
 







 
محمد الساهر is on a distinguished road
افتراضي رد: أمراض القلوب وشفاؤها > فَصَلِّ أنواع مرض القلب

الف شكر بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد
جعله الله في موازين حسناتك
نتمنى منك المزيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع



MOHAMMED ALSAHER





أتمنى متابعتي ومشاركتي عبر تويتر والفيس بوك

@m5mmm
أخر مواضيعي
محمد الساهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-2016, 09:43 PM   #4
ال يتيم العلي الدوسي
مشرف قسم الاسلام حياة وقسم التغريدات
قسم العام
 
الصورة الرمزية ال يتيم العلي الدوسي
 







 
ال يتيم العلي الدوسي is on a distinguished road
افتراضي رد: أمراض القلوب وشفاؤها > فَصَلِّ أنواع مرض القلب


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع






قوانين منتدىٰ زهران

http://www.zahran.org/vb/misc.php?do=cfrules
أخر مواضيعي
ال يتيم العلي الدوسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : أمراض القلوب وشفاؤها > فَصَلِّ أنواع مرض القلب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
~~~ القلوب أنواع حدد نوع قلبك ~~~ أبو مراد الزهراني الإستراحة 10 03-11-2010 01:50 AM
أنواع القلوب في القران الكريم أبوعدي الإسلام حياة 17 09-03-2010 10:51 PM
أنواع القلوب كما جاء في القرآن الكريم محمد حسن الزهراني المنتدى التعليمي 4 13-11-2009 01:41 AM
الوقاية من أمراض القلب الهيثم 07 الطب و الطب البديل 5 11-03-2009 11:39 PM
احتضان المرأة يحميها من أمراض القلب ....!!! بـنـت الـنـور شقائق الرجال 13 02-02-2009 03:54 PM


الساعة الآن 10:19 AM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved