يزخر التراث الثقافي العربي بالكثير من الفنون التي تعكس توجهات وميول الإنسان العربي قديماً وحديثاً، وما راكمه من معارف ثرّة في شتى مجالات الحياة، اختزلت أنماط عيشه وممارسته وسلوكه ونظرته للبيئة التي عاش فيها وتوظيفه لمفرداتها ووسائلها وما أتاحته له من فرص للعيش في ذلك الوسط الصحراوي .
يتحدث الباحث العراقي محمد رجب السامرائي في كتابه (صيد الصقور في الحضارة العربية) الصادر عن نادي تراث الإمارات، عن جزء مهم في ذلك التراث من خلال استعراض رحلة رياضة صيد الصقور في الحضارة العربية الإسلامية، وهي رحلة جمعت بين الفن الذي يعني المتعة وعشق الصيد والقنص، وبين العلم الذي سعى العرب إلى مراكمته من خلال الممارسة والتعلّم . يقع الكتاب في 119 صفحة، وهو مقسم إلى مقدمة وأربعة فصول .
تحدث المؤلف في مقدمة الكتاب عن شغف العرب بالصيد ورياضة الصقور وتراثه وتقاليده وضوابطه وآدابه، لمعرفة طباع الحيوان والطير، ومواطن قوتها وضعفها، وما حباها الله من غريب المعرفة، فلكل منها احتياط وتدبير وخصوصية، وجميعها تحتال لما هو دونها لتصيده، وتحتال لما هو فوقها لتسلم منه، ولكلّ منها نوع من الطرائد تعشقه وتهواه، ونوع تخافه وتخشاه .
يتناول الفصل الأول الصيد في القرآن والحديث واللغة، وأشار فيه المؤلف إلى السور القرآنية الكريمة التي تناولت الصيد، ثم لطائفة من الأحاديث النبوية الشريفة، حيث عرضت للصيد في كتب الحديث الصحيحة كصحيحي الإمام البخاري والإمام مسلم، ثم عرّج على معاجم اللغة العربية مثل لسان العرب “لابن منظور”، و”معجم العين” للخليل بن أحمد الفراهيدي، و”القاموس المحيط” للفيروز أبادي، و”الصحاح” للرازي، مستخرجاً منها مفردات الصيد مثل: القنص، الطرد، الجوارح، والبيزرة .
وفي الفصل الثاني تحدث المؤلف عن الصيد في ذاكرة التاريخ القديم وعرض مسيرة صيد الصقور والجوارح في الحضارات القديمة، متوقفاً عند الصيد في التاريخ القديم، لبيان أقدم مصدر عن رياضة الصيد بالصقور، وأول من كتب من الغربيين عنها، ولمكانة الصقور وتقديسها في بعض الدول، وفي حضارة العراق القديم خاصة عند الحضارة الآشورية حيث كان ملوكهم أول من سنّ الزينة في احتفالات الصيد الباذخة لإرضاء الإله نابو .
وتطرق في الفصل الثالث إلى الصيد عند العرب وقدّم فيه معلومات وافية عن الصيد بوصفه الرياضة المحببة للعربي منذ الجاهلية، ثم في الإسلام وفي العصرين التاليين الأموي في دمشق، والعباسي في بغداد، مستظهراً بما اشتملت عليه بعض الآثار والمصادر العربية عن الصيد ورياضة الصقور من خلال ما ورد في مؤلفات الجاحِظ والدميريّ، و”جمهرة الأمثال” للعسكري، وفي الحكايات التي يزخر بها التراث عن هواة الصيد بالطيور الجوارح وعرض لنماذج وشواهد تاريخية عن الخلفاء والحكام الذين أحبوا رياضة الصيد بالصقور والجوارح الأخرى .
أما الفصل الرابع فقد تناول فيه صيد الصقور عربياً مستحضراً ثقافة الصيد ورياضة الصقور من خلال استعراض نماذج من خمس دول عربية اهتمت بالصيد ورياضة الصقور وهي: الإمارات، السعودية، قطر، العراق، تونس . وركز في هذا الفصل على تراث الصيد ورياضة الصقور في الإمارات، متوقفاً عند أنواع الطرائد مثل الحبارى، الكروان، القطا، الغزال، الأرنب . كما تحدث عن أدوات الصيد والقنص وهي: البرقع، المِرْسَل، السّبق، التّلْواح، الخيط واشْبِكه أو “اشْبِجِه” . وختم المؤلف مبحث الإمارات بالحديث عن تأثير التكنولوجيا في الصيد ورياضة الصقور، حيث أفسحت المجال لظهور أدوات ووسائل جديدة أسهمت في تسهيل تلك المهمة منها هاتف الثريا الذي يرافق الصقارين في الصحراء، وسيارة الرماية للقنص، وماكينة لتدريب وتأهيل الصقور وإعدادها بشكل احترافي في الصيد والقنص .