وقفت أمام القاضي تطلب الطلاق من زوجها بعد عشر سنوات من الحياة المشتركة، والتي كان زوجها يعتبرها أسعد أيام حياته، أما هي فقد قررت أن تنهي هذه الشراكة وتغادر مع طفلتها حياته إلى الأبد، قالت للقاضي إن عشر سنوات من العطاء باتجاه واحد استنزفتها ولم يعد لديها شيء لتقدمه .
عندما تقدم لها زوجها خاطباً قبل أكثر من عشر سنوات، كانت لا تزال في الثامنة عشرة من عمرها، وقد تربت كغالبية فتيات مجتمعها على أن المرأة هي المسؤولة الوحيدة عن صنع السعادة للأسرة الناشئة، قالت للقاضي إنها كانت تتخيل وكأنها جنية تدخل إلى بيتها الجديد ذي الألوان الرمادية، فتمرر لمساتها السحرية عليه ليضج المنزل بالألوان والفرح،
ولكن ورغم أنها عرفت في ما بعد أن الأمر لن يتم بلمسة عصا سحرية، وأنه يحتاج جهداً ووقتاً على مدى ساعات كل يوم من حياتها، إلا أنها لم تبخل بذاك الجهد والوقت لتقوم بمسؤولياتها وتحقق ما تربت على أنه واجبها الذي لا يقبل قيامها به نقاشاً أو جدلاً .
فسعادة هذه الأسرة بنظر زوجها ونظر أسرتيهما وكل من حولهما هي مسؤوليتها وحدها، أما هو فلا يتوجب عليه إلا أن يقدم جهده خارج المنزل لينفق على هذه الأسرة، أما داخل المنزل فهو الملك الذي لا تناقش طلباته أو يطلب منه أي مقابل، حتى إن كان هذا المقابل ابتسامة أو كلمة شكر .
وكما وجدت أمها وكل النساء حولها، كانت تعطي السعادة دون أن تكون شريكة فيها، فإن كان سعيداً فهذا إنجازها، ويكفيها أن يعتبرها المجتمع قائمة بواجباتها، هكذا عاشت عشر سنوات إلى أن طلب منها زوجها في أحد الأيام أن تحضر له هاتفه المتحرك الذي لم تحاول يوماً أن تنظر في محتوياته أو تعرف ما فيه،
ولكن في تلك اللحظة كانت الشاشة الرئيسية تعرض رسالة لزوجها من امرأة أخرى، كانت الرسالة تؤكد أن هناك علاقة بين الطرفين، وما إن قرأت تلك الكلمات حتى تذكرت مكالمات زوجها المطولة والمملوءة بالضحكات التي طالما ضن بها عليها، وتبددت الغمامة عن عينها، فنظرت إلى حياتها فوجدتها خالية إلا منه، ووجدت أنها في عشر سنوات لم تحقق شيئاً لنفسها، بل هجرت حياتها ودراستها ومجتمعها من أجل إسعاده وخدمته، فكانت بالنسبة له مجرد خادمة، أما مشاعره وكلماته فقد اعتاد أن يهبها لأخريات، فقررت الرحيل .
أما زوجها فقد وقف أمام القاضي وهو يبكي يرجوها ألا تهدم منزله، فهي الركن الأساس فيه، ولكن دموعه لم تحرك فيها شيئاً، بل قالت له "أنت تبكي لأنك ستخسر كل ما أقدمه لك من لحظة استيقاظك صباحاً حتى سباتك ليلاً، أما أنا فلم تقدم لي ما يمكن أن أفتقده بغيابك، فأنت لم تعطني حتى نظرة امتنان أو كلمة مما تغرق به الأخريات، لا أريد لابنتي الوحيدة أن تكبر وهي ترى الزواج على هذه الصورة التي نعيشها، أريدها عندما تتزوج أن تصنع سعادة مشتركة، وأن تتعلم الحياة كما يجب أن تعاش" .
سألها القاضي إن كان زوجها يعتدي عليها بالضرب أو الكلمات، فأكدت أنه لم يقل لها يوماً كلمة جارحة، كما أنه لم يقل لها كلمة حلوة تشعرها بأنوثتها، وأنه لم يشتمها يوماً كما أنه لم يقل لها كلمة شكر، وتساءلت إن كانت الإساءة تكون فقط بالضرب والشتائم، أليس التجاهل إساءة، أليست الخيانة أوجع من أي اعتداء جسدي، أم هل عليها أن تعلم ابنتها أن الزوج يكون جيداً فقط إن لم يضرب زوجته ويشتمها، وكأن الإساءة إلى المرأة أمر عادي مألوف، فإن لم يقم به الرجل كان عليها أن تكون ممتنة له .
كانت جلسة المحكمة طويلة، حاول خلالها القاضي أن يثني المرأة عن طلبها الطلاق، ولكنها كانت مصرة، قالت "أريد لابنتي أن تعيش كما كنت مع والدها، لا أريدها أن تتعلم مني العطاء من طرف واحد، يجب أن تتعلم أن تكون شريكة في السعادة" .
أما زوجها فأصر على عدم التطليق، مؤكداً حبه لزوجته وتمسكه بها، فاقترح القاضي على الزوجة أن تأخذ وقتاً أطول للتفكير في الأمر، ولكي تتمكن من الشفاء من الجرح الذي سببه لها زوجها، فوافقت على ألا يحاول إجبارها بأي وسيلة على العودة إليه مكرهة، وأن يعطيها كل الوقت الذي تحتاجه للخروج من الحالة النفسية التي تعيشها، على أن يضع في اعتباره أن عودتها إلى الدراسة والحياة الاجتماعية هو قرار نهائي لن تتراجع عنه حتى إن عادت إليه، فوافق الزوج، وبناء عليه قرر القاضي شطب القضية