د. خالد بن صالح المنيف
من الجمل الدارجة والأمثلة السائرة في مجتمعنا عندما يبلغ الحب مداه والمودة أقصاها أن يقول أحدهم لمن يحب: الله لا يبين غلاك وفي أحد تفسيراته أن هذا المحب سينطلق لسانه ويجري بالثناء على من يحبهم ذاكرا فضائلهم ومستحضرا إيجابياتهم بعد رحيلهم وبعد أن يواري الثرى أجسادهم رغم المشاعر الجياشة وحديث النفس عنهم الدائم!
فكيف تنكر حبا بعد ما شهدت به عليك عدول الدمع والسقم
وللأسف أن هذا سلوك الكثير في مجتمعنا حيث الصمت التام والتجاهل العجيب للتعبير عن مشاعر الحب تجاه الآخرين فما أقساها من لحظات عندما يقضي من نحب ويحكم الدهر بالنأي ويقضي القدر بالفراق وترمي الأيام بسهام الفراق دون أن نبوح ونتحدث بما نكنّ لهم من حب وتقدير وامتنان وما كان هذا لولا الاطمئنان والاستنامة الدائمة في أنهم لن يفارقوننا في يوم وأنهم سيظلون معنا للأبد! ما أحوجنا جميعا إلى أن نجعل من فكرة التعبير عن المشاعر عادة دائمة نستمد منها طاقة داخلية من الراحة والاطمئنان والرضا الداخلي، يقول الروائي البرازيلي الرائع باولو كويلهو: (زارنا الحب ذات يوم مقبلا علينا ولكننا أدرنا ظهورنا له بسذاجة!).
فكم مرة حال الخوف أو الحرج أو الاستكبار أو الاستسلام للعادة فأدرنا ظهرنا لتلك المشاعر فحالت بيننا وبين أن نقترب للشخص وان نقول له نحبك!
وقد محا الحبيب اللهم صل وسلم عليه الأمية العاطفية وعلّم النفوس كيف تروي ورود القلب وذلك بالحث على إشاعة ثقافة الود في المجتمع وتجلى هذا في جملة من تصرفاته اللهم صل وسلم عليه، ومنها عندما أمر أحد الصحابة أن يعبر عن حبه ويبوح بمكنوناته لشخص يحبه وقد فعل هذا بأبي هو وأمي مع الكثير ومنهم معاذ وأسامة وغيرهم، أعقد العزم وتوكل على الله واكشف عن مكنون ودك وأخبر عن صفاء حبك، قلها ولا تخف فالحبيب لا يريد من محبوبه سوى همسة ود تروي الغليل وكلمة حب تشفي العليل ونظرة حنان تطفئ الجوى.
وهي أعظم ما تهديه إلى من علقت حبالهم بحبالك وتعارفت روحك على أرواحهم وتأكد أن اعتياد التعبير عن الحب الصادق والتناجي بنبض القلب ونطق اللسان لمن حولنا أيا كانوا أمر ليس بالمعجز مجرد رياضة نفسية وطبيعة نؤسسها في ذواتنا وسوف تنمو وتقوى متى ما استشعرنا أهميتها وفائدتها لنا أولا ثم للآخرين. وسوف لن تنفك من طباعنا عندما نتذوق شهد نتائجها.
ومضة قلم
لا تنتظر حتى يقضي الناس نحبهم لتلقي بالزهور على قبورهم