المواطنة نجاة . . ابن وحيد وساق واحدة وألم متعدد الوجوه
وراء باب الشقة رقم 702 في بناية "مايا" بمنطقة بوطينة في الشارقة، قصة ألم متكاملة، متعددة الفصول وفريدة من نوعها، تعيشها، بمرارتها وقسوتها، مواطنة، (55 عاماً)، مبتورة الساق، ما جعلها تكمل حياتها بساق واحدة، مع ابنها الوحيد من زوجها السوداني .
حكاية "نجاة" ذات الوجوه المتعددة للألم والمعاناة، بدأت عند عدد من أطباء الكلى، ممن شاركوا في مؤتمر برأس الخيمة مؤخراً حول أمراض الكلى، باعتبار أن "الفشل الكلوي" أحد مصادر معاناتها، إذ كشف الأطباء عن جوانب مما وصفوه ب"الحالة المتردية"، التي تعيشها "نجاة" وابنها الوحيد، بصورة تثير الأسى والدهشة، في ظل أمراض متعددة تصيبها، وكونها "مقطوعة من شجرة" بعد وفاة والديها قبل سنوات طويلة، فيما كانت هي أيضاً وحيدة والديها، وعدد من أقاربها فارقوا الحياة .
قبل أن يفتح "باب الألم" في قصة المعاناة المزمنة للمواطنة "نجاة سبيل الماس علي المازم"، عند زيارة "الخليج" لها في منزلها المتواضع والمستأجر، وهو شقة مكونة من حجرة واحدة فقط وصالة، كان علم الدولة، وصورة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، يتصدران باب شقة المواطنة المغلوبة على أمرها، في رسالة رغبت أن تؤكدها، فحواها أن حب أبناء الإمارات لوطنهم وانتمائهم لهذه الأرض الطيبة وولائهم لقيادتهم الرشيدة، يسمو على كل أشكال الألم والمعاناة .
"نجاة"، كما تروي مع إحدى جاراتها، التي رافقتها في المستشفى، أوصت وحيدها، حين كانت في حالة خطرة داخل "العناية المركزة" قبل أيام قليلة، تنبأ خلالها أطباء بأن تفارق الحياة، بأن "يبقى الصغير ويعيش على أرض الإمارات ولا يغادرها، في حال فارقت هي الحياة"، وأردفت في وصيتها لابنها، بأن "يعمل في الشرطة، أو القوات المسلحة، ليساهم في الدفاع عن هذا الوطن العزيز" .
الحديث إلى نجاة"، التي تتقاضى من "الشؤون" 4 آلاف و400 درهم، وألف و400 درهم أخرى من "الخدمة الاجتماعية"، وفق تعبيرها، ليس سهلاً، بسبب ضعف السمع لديها، وضياع إحدى سماعتي الأذن، اللتين تستخدمهما . لم تفلح محاولات الأم المفجوعة بفلذة كبدها، كما تروي قصتها، في إقناع والده خلال السنوات الماضية باستخراج شهادة ميلاد لابنهما، حفاظاً على مستقبله وفرصه في التعليم وممارسة حياته الطبيعية، إذ أصر الأب على تأجيل ذلك، قبل أن يعاقب بإبعاده إدارياً عن الدولة .
المصائب لا تأتي فرادى، ما ينطبق على حكاية "نجاة"، التي تعاني جملة أمراض، بينها السكري والضغط والفشل الكلوي وجلطة في القلب وضعف في حاسة السمع وبتر إحدى ساقيها قبل نحو 5 سنوات وسواها، إلى جانب كسر في ظهرها بسبب حادث مروري تعرضت له سابقاً، وهي لا تغادر المستشفى إلا وتعود إليه سريعاً، حسب تعبيرها .
ليس هذا فقط، بل إن الكرسي المتحرك، الذي تتنقل بواسطته، قديم وأصيب بعطل، وتتمنى أن تحصل على كرسي جديد يعمل ب"الكهرباء"، وسماعتي أذن جديدتين تستعين بهما لسماع الآخرين، بعد أن ضاعت إحداهما، فيما تكالبت معاناتها الصحية مع وحدتها وضعفها وغياب الأهل والأقارب من حياتها، بعد أن غيبهم الموت أو ظروف الحياة، إلى جانب أنها كانت، كحال ابنها، وحيدة والديها، مع افتقارها لمسكن خاص وملائم لها، وهو ما قادها للعيش في الطابق السابع من بناية سكنية مع ولدها الوحيد .
"نجاة" تقول: إن كل طريق تمشي فيه تجده مسدوداً في وجهها، كما لو كانت تسير في نفق مظلم، وهو ما واجهته في سعيها للحصول على مسكن شعبي في السنوات الماضية، رغم أنها حصلت على رسالة حكومية تعود إلى العام ،2004 تقضي بإقرار حصولها على مسكن شعبي، لكن ذلك لم ينفذ، وبقيت تركض ب"ساق واحدة" من جهة إلى أخرى، على أمل أن تنال حقها في المسكن من دون جدوى، لأنه "ما عندها غير الله"، كما تقول، و"لا أحد يسعى لي"، بحسب تعبيرها، ما اضطرها للعيش في مساكن مستأجرة منذ 10 سنوات، منها حالياً شقة في الطابق السابع، تفاقم معاناتها، لصعوبة تنقلها بساقها الوحيدة وأمراضها العديدة .
تستدرك المواطنة الخمسينية: بعد قطع ساقي بسبب "السكري" وجلطة في القلب، أصبح "محمد"، ابني الوحيد، يدي وساقي، الذي أمشي وأتنقل وأتواصل مع العالم بواسطته، يبقى معي ويصحبني إلى كل مكان، ويأخذني إلى المستشفى للخضوع لغسل الكلى والعلاج الدوري . وتؤكد أنها تخشى على مستقبل ابنها، الذي منحها الخالق، سبحانه، إياه بعد 20 عاماً من الزواج، مؤكدة أنها مستعدة للتخلي عن مساعدته ومرافقته في كل مكان، رغم صعوبة ذلك، مقابل أن يلتحق بالدراسة، حفاظاً على ما تبقى له من مستقبل . وتناشد "نجاة" المعنيين بأن ينقذوا ابنها الوحيد، ويقودوه إلى المدرسة والمستقبل .
''نجاة" تعاني أيضاً في الوصول إلى المستشفى لإجراء غسل الكلى الدوري لها، الذي مضت عليه 8 سنوات، وابنها الوحيد هو من يصحبها ولا أحد يحل محله في حال التحق بالدراسة، لكن ذلك يهون في سبيل مستقبله، كما تقول .
تقول "نجاة"، وهي ترفع إشارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بأصابع يدها الثلاث (الإبهام والسبابة والوسطى)، حباً للإمارات وقيادتها وشيوخها: أحب دولتي ووطني وشيوخ الإمارات، تشربت حب الإمارات منذ الصغر، وحاولت الاتصال بوسائل الإعلام، لكي تصل معاناتي إلى شيوخنا، من دون أن أوفق في ذلك .