نكاح الشغار....؟

[عذبة الاوصاف]

يرتبط الأشخاص أحياناً بعضهم ببعض، لدرجة أنهم يكونون شراكة بينهم في المال والعمل والتجارة، وربما تتقوى العلاقة إلى حد أن يقول أحدهم للآخر: زوجني بنتك وأنا أزوجك ابنتي، ولا مطمع مادي بيننا، فنتزوج على أن لا يكون بيننا مهر .



- هذا الاتفاق قد يرى بعضهم أنه شأن داخلي بينهم، وبما أنه بالتراضي فإنه جائز، وقد يستشهدون بالحديث: “المسلمون عند شروطهم” (أخرجه الترمذي) .


- لكننا نقول لهم: وأين أنتم من قوله عليه الصلاة والسلام: “الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات” الحديث (رواه البخاري ومسلم) .


- ثم إن هذا النكاح بهذه الصورة، ورد فيه نص صريح بالتحريم، حيث قال عليه الصلاة والسلام: “لا شغار في الإسلام” (رواه مسلم) .


وفي حديث آخر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق (رواه البخاري ومسلم) .


- والشغار في اللغة العربية من شغر الكلب يشغر شغراً أي رفع إحدى رجليه ليبول، ونجدهم في الأسواق يكتبون على بوابات مواقف السيارات: مواقف شاغرة أي فارغة، أو يطلبون وظائف شاغرة أي خالية من الموظفين .


- وهكذا هذا النكاح يبدو شاغراً أي خالياً من المهر، وكان أهل الجاهلية يفعلون هذا فيزوج الرجل ابنته أو اخته لرجل آخر من غير مهر، ليزوجه الآخر ابنته أو اخته من غير صداق .


- يقول ابن عبدالبر: أجمع العلماء على عدم جواز نكاح الشغار، وأن مثل هذا الشرط باطل، لكن اختلفوا في تأثير مثل هذا الشرط، بمعنى أنه هل يؤثر في صحة العقد فيفسخ أم أن العقد صحيح، والشرط باطل لا ينفذ، ويجب عندئذ مهر المثل لكل من الزوجين؟


- فالجمهور أجمع على أن النكاح باطل نظراً لوجود هذا الشرط في العقد، واستدلوا بالحديث الذي أوردناه قبل قليل وهو صريح في بطلان الشغار، وقد فهم الجمهور من هذا الحديث أن علة النهي هي التشريك في البضع .


وبالعقل يعرف أن فيه تمليك البضع لغير الزوج، عندما يجعله يزوجه ابنته مهراً للأخرى، وكأن كل واحد منهما يشترط على الآخر انتزاع ابنة الآخر منه، انظر نهاية المحتاج للرملي ج 6 ص 215 .


- والرأي الآخر وهو رأي الحنفية ومن وافقهم، أن نكاح الشغار إذا وجد، فإنه يصح ويبطل الشرط، بمعنى أن الشرط الفاسد لا يؤثر في صحة العقد .


- وحجة أصحاب هذا الرأي أن شرط البضع مكان الصداق شرط فاسد، والفاسد من الشروط لا يفسد عقد النكاح، بل يفرض لكل منهما مهر المثل .


- ورغم أن لكل من الرأيين حجته، إلا أن رأي الجمهور أقوى ولا سيما أن الحديث صريح وواضح في بطلان نكاح الشغار .


ويقول الدكتور محمد عبدالرحمن محمد الضويني أستاذ الفقه المقارن بالقاهرة ومعهد دبي القضائي بدبي في كتابه “الشروط المقترنة بعقد النكاح وتطبيقاتها” ص 96: “بعد عرض المسألة والنظر في أقوالها وأدلتها، يتبين لي رجحان القول الأول، وهو بطلان نكاح الشغار وفساده، لقوة الأدلة، ولأنه من أنكحة الجاهلية التي أبطلها الإسلام لما فيه من ظلم للمرأة” .


- إذن الأحوط هو رأي الجمهور، والأحوط أيضاً أن يحكم ببطلان العقد إذا لم يكن قد دخل بها، وبفساد الشرط مع بقاء العقد صحيحاً إذا كان قد دخل بها، لأن الشرع مع مراعاة المصلحة العامة، والقاعدة تقول: “يرتكب أخف الضررين” . وبذلك نكون قد أخذنا بالقولين معاً، لكن بضوابط وفي نطاق ضيق .

[ابو احمد العدواني]

[محمد الساهر]

الف شكر بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد جعله الله في موازين حسناتك نتمنى منك المزيد

[الدوسـي]