منتديات زهران  

العودة   منتديات زهران > المنتديات العامة > الاخبار المحلية والعالمية والمنقولات

د- المقبل يروي لـ عاجل حكايا الإفطار عندأبناء حام الأفريقية ويكشف تقاعس الدعاة.


الاخبار المحلية والعالمية والمنقولات

موضوع مغلقإنشاء موضوع جديد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 04-08-2011, 11:31 PM
الصورة الرمزية محمد الساهر
محمد الساهر محمد الساهر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 






محمد الساهر is on a distinguished road
7 د- المقبل يروي لـ عاجل حكايا الإفطار عندأبناء حام الأفريقية ويكشف تقاعس الدعاة.


د- المقبل يروي لـ عاجل حكايا الإفطار عندأبناء حام الأفريقية ويكشف تقاعس الدعاة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وبعـد :
سأحكي الحكاية في البداية ثم تأتيكم الحاشية في النهاية ، والمرجو من القراء الكرام أن يُركِّزوا في الكلام حتى لا يجازفوا بالأحكام بمجرد النظر العام للمقال ، على أن البحث في مثل هذا الموضوع يطول ؛ لتزاحم الخواطر ، وتشابك الأفكار ، وكثرة الأدواء ، ودقة التشخيص وصعوبة العلاج ، وإن فهم كثير من الظواهر لا يتم إلا بمعرفة الخلفيات والمسببات ، والدخول فيها يتفرع ويطول بما يُشتت المقال ، ويكفي من الكلام ما يمس الجوهر ، واللبيب بالإشارة يفهم ، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق .

والقصة باختصار:

كانت البداية بحساب وجبة إفطار الشخص الواحد ، وذلك بما يُعادل ريالين ونصف تقريبًا ، شاملة لكل شيء ، والفطور في الأغلب مكوّن من (عصير ، وبرتقال ، وموز ، ورز ، ولحم . وبعضهم يزيد القهوة أو الشاي) .
يُسجل أئمة المساجد وأصحاب المدارس ومدراء الجمعيات أسماءهم ، مع تحديد عدد وجبات الإفطار حسب المتوقع في حضور الأشخاص لهذه الأماكن ، ثم أقوم بإرسال رجال يعاينون المواقع ويُصادقون على العدد الذي تم تحديده من قِبَل طالب الإفطار .

وقبل يوم من الإفطار يتم الاتصال بالأشخاص الذين تم تحديدهم ، ونعطيهم مقدار ما تمت المصادقة عليه من المال نقدًا ، مع إفهامهم بأن مندوبنا سيحضر لمعاينة التنفيذ ، فإن تم على المراد قد يعاد الإفطار من جديد في المكان نفسه ، مع الوعد بأشياء أخرى تناسبهم ، وإن لم يكن فسيتم التشهير به عند من وعد بإفطارهم ولن يتم التعامل معه البتة في أي مجال آخر ، ونقول لهم هذا الكلام بوضوح تام .

وبدأ رمضان ومعه انطلقت تجربة الإفطار ، وبعد مضي خمسة أيام ومع المتابعة الدقيقة لوجبات الإفطار ، إذ كنت أذهب بنفسي إلى بعض أماكن الإفطار يوميًا ، وأمر على ثلاثة مواقع أحيانًا برغم صعوبات التنقل ، والبقية أرسل مندوبين يعدون الناس الحاضرين ويرون كيف تم العمل ، وكثير منها وثقناه بالصور ,وبدا لي أن هناك خللاً في التنفيذ فلما سألتُ المباشرين لأعمال الإفطار عن الأسعار ، أعطوني أرقامًا اتضح لي فيما بعد أنها مغلوطة ، ومع مغالطتهم فإني لما أجريت الحسابات اتضح أن ما يُقدّم هو أقل من التكلفة المدفوعة ، فمثلاً: كانوا يقولون إن قيمة البرتقالة الواحدة بما يعادل ست هلالات تقريبًا ، أي مائة برتقالة بما يعادل (16) ريالاً تقريبًا ، ومثل هذا العصير المحلي الذي يصنعونه بأنفسهم ــ وهذا حسب كلامهم ــ .

ولكن في الواقع لا يُقدِّمون في عدد الوجبات المحددة إلا نصفها ، فمن كل مائة وجبة ما يقارب خمسين فقط .
وذكروا أنهم يشترون اللحم البقري المحدد لهم ، وكان في البداية (10) كيلو لكل مائة وجبة ، ولكن بعد النظر فإن الذي يُطبخ لا يصل إلى نصف الكمية .
وبعد أخذ ورد وشد وجذب بدأ الوضع بالتحسن شيئًا ما .

ثم لما مضت خمسة أيام الثانية من رمضان بدأت أمورٌ تتكشف ، واتضح مع المتابعة وجود خلل حقيقي في السابق ، خاصة مع قناعتي الكاملة بطبيعة الناس في تلك البلاد بتأولهم في أكل ما ليس لهم وتبرير ذلك بمبرارات عجيبة ، وكما قال مجرّب قديم عندما سُرق له شيء قال: "اللهم لا تجعلها بيد فقيه!" وذلك أنه يتأول فيها ، خلافًا لغيره الذي قد يندم فيرد المسروق .
وعلى الرغم من هذه المُسلّمة عندي إلا أن الطريق المأمون صعب ونادر التحقق ، خاصة مع قلة الإمكانات وانعدام المعين وندرة الناصح الأمين .
ومع قناعتي الأخرى والتي سبق وذكرتها في المقال السابق بأن أولئك لا يصلح إطلاقًا أن تشاهد أعينهم المال ولا أن تلامسه أيديهم ؛ إذ لا بد أن ينالوا منه قسطًا وغالبًا ما يكون وافرًا ، لجأت إلى أسلوب جديد .

صاحبي يوسـف:
كنتُ أعرف رجلاً هَرِمًا فيه صدق وهمة عالية وحركة عجيبة ونشاط كبير ، لكنه كان يبعد عني ألف كيلو ، ووصوله يحتاج إن تيسرت أموره إلى يومين .

اتصلت به فاعتذر لظروف له خاصة ، فلجأت إلى مقربين منه فأقنعوه ، وحزم أمره ولم يكن له متاع يُعيقه ، وجاء بعد يوم ونصف من المكالمة ، وقد أشعثه السفر ونحن في رمضان ولم يرخص لنفسه الإفطار ، فأسكنته عندي ؛ إكرامًا له ولأتابع كل شيء أولاً بأول ، فلا وجود في تلك البلاد لحكيم توصيه وتنام قرير العين .
كانت الفكرة أن نشتري كل شيء بأنفسنا كل يوم بيومه ، ثم نوزعها على طالبي الإفطار ، وخصصت الجزء السفلي من سكني لهذا الغرض ، فجاءت النتائج مبهرة !

كان الرجل يخرج مع الفجر إلى السوق ثم يشتري ما نحتاجه بالجملة ، واللحم بدلاً من أخذه بالكيلو أصبحنا نشتري بقرتين وثلاث وأكثر على حسب عدد المحددين للإفطار ، ثم بعد الظهر يحضر من تم تحديدهم لأخذ هذه المؤن وتولي عملية الطبخ ، مع إعطائهم بعض المال لاستكمال الأجزاء الأخرى ، مثل البصل والزيت وأجرة السيارة ونحو ذلك ، وإن كان المقصد الحقيقي التحفيز ، إذ يمكن أن نشتري أيضًا هذه الأشياء ونوزعها ، لكن لمعرفتي لنفسيات القوم لا بد من شيء في أيديهم .
الذي تغير أن ربع التكلفة السابقة انخفضت ، كما عرفنا الأسعار الحقيقة لكل شيء ، فالبرتقال مثلاً الذي كانوا يحسبونه علينا بما يعادل (6) هللات للبرتقالة ، أصبحنا نشتري بالمتوسط خمس برتقالات وبالسعر نفسه ، ومثله باقي الأشياء الأخرى ، يضاف إلى ذلك استطعنا ضمان العدد المحدد للوجبات المطبوخة بما يقترب مع العدد المقترح .
وهذه الطريقة أوضحت وجود خلل ثالث في عملية الإفطار .

لكن العجيب أن هذه الطريقة لقيت هجومًا عنيفًا من كثيرين ، لدرجة أن الطابور الطويل الذي كان يحضر يوميًا للتسجيل لأجل الإفطار بدأ يتضاءل جدًا ولم تعد هناك زحمة كما كانت .

وحتى يوسف الشيخ الهَرِم الذي كان يقوم بالتسوق لقي سبابًا كثيرًا وتهديدًا إذا ذهب هذا العربي ! بل كثيرًا ما كانوا يعيّرونه بلهجته الغريبة عنهم أو منطقته النائية التي جاء منها .

ومع أن هذه الطريقة كانت أفضل من سابقاتها إلا أنها لم تكن مضمونة التحقق كاملة ، إذ لا بد أن تقتطع النفوس المريضة شيئًا من الأرز ومن اللحم ، وقد يكون بكميات كبيرة ، وهذا العمل قد لا يأتي من المشرفين أحيانًا وإنما من الطباخات والمعاونين ، لذا كان البحث عن أسلوب جديد أمرًا محتمًا حفظًا لصدقات المتبرعين من أفواه المتلاعبين .
استقر الأمر بعد البحث على أن نتولى عملية الطبخ بأنفسنا لكل من لا نثق به أو لا نعرفه أو نرى عدم مقدرته على ضبط الأمور جيدًا

الحاجة مريـم:
البحث عن طباخة أمينة وجيدة لم يستغرق إلا ليلة واحدة ، كنا نتداول بعض الأسماء في صالة منزلي على نور أصفر خافت متذبذب ، فدخل علينا رجل من أصحابنا يلفت الآخرين إليه لطوله وعرجته وخشونة صوته ، سألته بطريقة عفوية قبل أن يجلس: شيخ توري تعرف لنا طباخة أمينة؟
قال: نعم جارتك!

التفت الجميع إليه وانطلقت الرطانة بينهم ، وفهمت إعجابهم بترشيحه عبر ترديدهم (آآآآآآآآآ) مفخمة مع هزّ الرؤوس. قلت: هاه !

توري: الحاجّة مريم تسكن قريبة منك ، وهي أمرأة ميسورة ومحبة للخير ومن طبقة راقية ، ولا تعمل بأجر وتفرح كثيرًا بهذا الأمر .

وخرج أحدهم سريعًا ، وقابلها ووافقت ، وقالت: سلم لي على العربي ، واعتذر منه ، كنا نعلم بوجوده ولم نكرمه بطعام في أي يوم .

ولم أكتم تخوفي من عدم نجاح هذه الطريقة لأنها تحتاج إلى تجهيزات كبيرة ، مثل القدور والصحون والعاملات المعاونات ونحو ذلك ، لكن الحاجة مريم قالت لصاحبي يوسف وقد ذهب لبحث التفاصيل معها: قل لصاحبك العربي سيرى أن الأفارقة ليسوا سواء .

ومع ذلك أوعزتُ إلى صاحبي يوسف ألا يبتعد عنها كثيرًا من الغد، وكان له أسلوب لطيف وظل خفيف فلا يُشعر الآخرين بأنه يتابعهم وإنما يساعدهم ، ونقل إليّ تطمينات أثلجت الصدر .

وبعد العصر كنت اترقب في موقع العمل الحاجة مريم ، ومن حولي طالبي الإفطار وعلى وجوه بعضهم ابتسامات الاستنكار والسخرية ، ويترقبون الشماتة من هذه الطريقة ، وإذا بالحاجة مريم جاءت ومعها ثلاث سيارات تحمل الطعام وباقي مستلزمات الإفطار .

وهالني ما رأيت ، فقد أخبرها يوسف بعدد الأماكن ، وعدد الأشخاص في كل مكان ، فوضعت لكل مكان ما يكفيه ، من البرتقال والموز والعصير والأرز واللحم ، بصحون كبيرة عميقة ، نطلق عليها نحن هنا (بوادي غرش) .

واستمر عملنا على هذه الطريقة التي آتت ثمارها ، وكنتُ زيادة في الحرص أقوم بإرسال مشرف من طرفي مع كل إفطار ، خشية من أن يقوم طالب الإفطار بالاستيلاء على شيء منه ، بل إن الحاجة مريم ترسل أحيانًا بعض العاملات عندها لو تحجج البعض بحجج ساذجة وباطلة تتعلق بتوزيع الطعام .

البنات يأكلوا من البرتقال في نهار رمضان:

من الطريف أن صاحبي يوسف من شدة حرصه كان يسترق النظر على العاملات مع الحاجة مريم ، خشية من أن يقمن بأخذ شيء لهن ، فقال لي في أحد الأيام إن البنات يقمن بشفط بعض البرتقال في النهار !!

ومن عادتهم في أكل البرتقال بأن يزيلوا قشرة رقيقة منه ويتركوا الغشاء الأبيض ، ثم يقومون بمص البرتقالة من أعلاها ولا يأكلونها ويرمون الباقي ؛ وذلك لأنه يغلب على برتقالهم الليف ، خاصة حينما يكون الإنسان صائمًا فإنه يحتاج إلى هذه الطريقة التي تشبه شرب العصير ، لكن من البرتقالة مباشرة بدلاً من الكأس ، وهذه الطريقة تحتاج إلى جهد كبير في التقشير ، ولنا أن نتصور بأن عدد البرتقال المقشّر يوميًا لا يقل عن خمسمائة برتقالة ، وكل هذا تتولاه الحاجة مريم .
قلت لصاحبي يوسف بعد أن أسرّ إلي بالأمر: هذا أمر جلل ، سرقة مع إفطار في نهار رمضان ؟!

وانتظرنا على أحر من الجمر ساعة الحضور وقت الفطور ، وبعد توزيع المعتاد ، سألتُ الحاجة مباشرة عن فعل البنات ، فنظرت إليّ نظرة حزينة أربكتني قبل أن تتكلم ، قالت بهدوء: هؤلاء بنات شابات بعضهن لا يكون عليها صيام بعض الأيام ، ونهار رمضان طويل وحار ، فتحتاج أن تأكل شيئًا ، فأسمح لهن بأكل شيء من البرتقال الذي يقشرنه بأنفسهن ، وإذا كان هذا يزعجكم لا أسمح لهن .

خجلت من نفسي ، وتعجبت كيف ضاعت المسألة من فكري لما أخبرني صاحبي ، وكم من الأمور يستعجل بها الإنسان فيخطئ الحكم والبيان .

اعتذرتُ وطلبت منها أن تزيد في إكرامهن ، ولعلكم تعجبون إن أخبرتكم أنهن يعملن بدون أجر ، لدرجة أنه بعد نهاية رمضان أعطيت الحاجة مريم مبلغًا من المال هدية وليس أجرة ، فرفضت أخذه وغضبت وقالت فعلت هذا لله ، وبعد المحاورة اتفقنا أن توزعه على المعاونات لها ، وطلبت من يوسف أن يذهب معها ليتولى بنفسه هذا العمل ، قالت: ليعلموا أن العربي هو الذي أعطاهم وليس أنا !

"والخير باقٍ في أمتي إلى يوم القيامة" كما أخبر المصطفى  .
وقد يُقدِّم العوام من الخير ما لا يفعله من يعتقدهم الناس صلحاء الزمان!

غضــب الأخيـــار !

نجحت تلكم الخطة ، بل هي أنجح تجربة مررنا بها في التفطير ، ففيها ضمان لتنفيذ المطلوب ، وانخفض سعر تكلفة إفطار الفرد الواحد إلى قرابة النصف ، فبعد أن كان بحدود ريالين ونصف أصبح بريال إلى ريال وربع ، وهذا بعد حساب جميع التكاليف الأخرى ، مثل أجرة النقل والنثريات ونحوها ، ومع انخفاض التكلفة زدنا في كميات الطعام ، وخاصة الأرز واللحم ، فبعد أن كنا نخصص (10 كيلو) من اللحم لمائة وجبة ، جعلناها مابين (15 إلى 17 كيلو) ،
وكذا البرتقال زدنا على كل مائة عشرون برتقالة وأحيانًا أكثر ، ومثله المشروب ، إضافة إلى أننا ضمنا طبخ جميع المقرر والمحدد .

وإذا كانت الطريقة الثانية بتوزيع العينيات بدلاً من النقود قد غاضت الكثيرين فإن هذه الطريقة بتسليم كل شي مطبوخ وجاهز لقيت استنكارًا واسعًا من طالبي الإفطار ، وجلهم من المحسوبين من الأخيار فهم أئمة ودعاة وخطباء وخريجي جامعات إسلامية ، وقد بلغ الأمر ببعضهم أنه لم يحضر لتنفيذ برنامج الإفطار في المكان الذي طالب بالتفطير فيه ، فاتضح دجل تلك الفئة حينما كانوا يرددون أنهم يعملون في سبيل الله وخدمة المؤمنين !

لكني أُنبّه أن هذه الطريقة تصلح لمواقع محدودة ، أما مع المواقع الكثيرة المتفرقة المتباعدة فيصعب ضبطها ، ولكن مع البحث عن وسائل وأساليب جديدة يمكن معالجة البقية ، وقد تتغير السياسة مع تغير الوسائل كما سيتضح في النقاط الآتية .

لماذا مشاريع الإفطار في تلك الديار؟
حقيقة للإفطار هناك قيمة مادية ومعنوية عالية وبعيدة الأثر ، وبالذات إذا صاحب الإفطار مشاريع توعوية وتربوية وعلمية ، ولو وظِّف الإفطار بطرق سليمة لأدى إلى نتائج باهرة بإذن الله .

فروحانية الناس في تلك البلاد تجتمع في شهر رمضان بصورة واضحة ، ومن يعيش في تلك البلدان قبل رمضان بيوم واحد فقط ثم يدركه الشهر فإنه لا يُصدق إطلاقًا حجم التغير الذي طرأ فجأة على الجميع ، وأُعرض عن ذكر الأمثلة حتى لا يُظن بنا الظنون .

لكن المؤسف حقًا أنه بمجرد آخر ساعة من رمضان تعود الأحوال إلى ما كانت عليه قبله ، ويحل عندهم ما كان محرّمًا في رمضان ، ولن استرسل في الوصف فالمقصود واضح ، والهدف أن هذا الاحترام العظيم لهذا الشهر الكريم يجب استغلاله بأقصى درجة ممكنة ، فمشاريع ملء البطون إن لم يصاحبها توجيه العقول فإنها تتحول إلى وبال ، ولي عودة حول هذا المفهوم وفي مجتمعنا خاصة ، إن كتب الله في العمر بقية .

ليس من رأى كمن سمع:

لا ريب أن السؤال الذي يُطرح عند القناعة بما سبق هو عن كيفية استغلال هذا الشهر ، وعن البرامج التي يمكن تطبيقها لتحقيق الهدف المنشود ؟

والحق أن هناك إشكالية دقيقة ، وهي أن تلك البلاد لا تستيطع فيها أن تتنبأ أبدًا بما يمكن أن يُحقق الهدف المرسوم ، مهما كانت الدراسات والتوصيات والمقترحات ، وقد تعلمنا من خلال التجار هناك أن ما قد يُخطط له بدقة وبدراسة وعناية فإنه قد يصطدم بعقبة بسيطة من منظورنا ، لكنها في حس تلك الشعوب تكون كبيرة جدًا ؛ وبكل تجرد فإن أولئك يندر بينهم من يكون عنده استعداد لتقديم أي عطاء مهما كان بسيطًا فضلاً عن التضحية والبذل بدون مقابل ، وإن كانوا هم الذين سيستفيدون أولاً وآخرًا ، بل لو وضعت بأيديهم لواجهتك مشاكل أخرى مركبة لا تنتهي ، وإذا كان البعض لا يُصدق أو يرى أن في هذا مبالغة فليذهب وليعش وليرى ، لا أن يحكم ويخالف وهو على أريكته ناعم البال .

قال: خذ خير قال: لا يسعه جيبي:
وأضرب لهذا مثلاً بسيطًا جرى لنا ، فقد أُقيمت في شهر رمضان مسابقة للقرآن الكريم في مركز إسلامي كبير على مستوى جمهورية إحدى الدول ، حضرها قرابة مائتي متسابق ، فكانت بالنسبة لنا فرصة لا تعوض ، إذ حرصنا على استغلالها من أول يوم للمسابقة ، تقديرًا لحملة القرآن ، فأعلنا عن تكفلنا بإفطار جميع المتسابقين ، خاصة أنهم قدموا من أماكن بعيدة وليس للكثيرين من يؤويهم ، وقد طلبنا منهم حضور البرنامج الثقافي الذي يبدأ من بعد صلاة العصر مباشرة ، ورتبنا كل شيء ترتيبًا دقيقًا ، واخترنا أفضل الموجهين وأحسن الموضوعات وبعض الحوافز الجيدة ، وجهزنا فطورًا كاملاً بما في ذلك الطبخ لمائتي شخص ، كانت النتيجة أنه لم يحضر إلا أقل من ثلاثين فردًا! وبعد البحث والتقصي في الأسباب تبين أنهم يشترطون لحضور الإفطار أن نعطيهم أجرة الركوب إلى الموقع !!

ونحن نعلم أننا لو أعطيناهم هذه الأجرة ، والتي سبتلغ أضعاف قيمة وجبة الإفطار ، فإن المتوقع ألا يحضر غالبيتهم وسيحتجون بحجج أخرى لا قِبَل لنا بها ، كما سينفتح باب لا يمكن غلقه أبدًا من هذا القبيل ، وسيتحول عملنا إلى صرف مبالغ في الغالب لن تكون حقيقية ، وسيأتي من يطلب مساعدات من نوع آخر ، وهكذا يضيع الهدف ..

وبعد التفكير في حل هذا السهل الممتنع رأينا أن يكون البرنامج الثقافي بعد نهاية المسابقة مباشرة من كل يوم ، وأن نعطيهم بعض العينيات من الأرز ونحوه ، لكنهم احتجوا علينا بأنه ليس عندهم من يطبخ لهم ، وطلبوا أن نعطيهم القيمة نقدًا ! وهم غير صادقين فمن أين يأكلون؟ ونحن نعلم أين يسكنون .

هذا مثلٌ بسيط جدًا لفئة تُعد نخبة في المجتمع ، فإذا كانت هذه النخبة ليس عندها أي استعداد بالانتظار ساعتين إلى دخول وقت العصر وبداية البرنامج والحصول على وجبة دسمة وشهية لا تتيسر لهم بسهولة وفي مكان مُهيأ ومكيف ونظيف ومع حوافز جيدة ، فإنه لا يُنتظر منهم بعد ذلك أن يبذلوا أموالهم وأنفسهم للبذل والعطاء .

وهؤلاء ليسوا طلابًا فقط كما قد يتصور البعض وإنما معهم مشايخهم وأساتذتهم وهم يزيدون على أربعين أستاذًا .
وهذه التجربة ليست الأولى ، فقد أردنا من قبلُ استهداف فئات معينة مثل طلاب الجامعة وأعضاء الجمعيات الإسلامية ونحوهم ، فكانت تواجهنا مثل العقبات السابقة ، على الرغم من سذاجتها .

بل حتى الدعاة التابعين للمملكة والذين لنا كلمة عليهم ويستلمون رواتب مجزية جدًا مقارنة برواتب الموظفين في بلدانهم ، فإنهم غالبًا ما يتقاعسون عن المهام المنوطة بهم بحجج من مثل ما مضى .

والحاصل أن المقترحات التي قد تُطرح لا يعني إطلاقًا أنها ستنجح ، ولكن الذي أُوصي به هو عدم التعويل على وسائل محددة ، بل لا بد من تجربة أكبر عدد ممكن من الوسائل بعد المعرفة الجيدة لأحوال أولئك الناس .

وأقول بكل مسؤولية إن الذين يذهبون إلى تلك البقاع ويأتون يُحدثون الناس عن أمور غير واقعية ، وفيها تخييل وإيهام لمعاني عظيمة ورائعة ، إنما هؤلاء يرتكبون إثمًا عظيمًا وخطأ جسيمًا ، ولا أدخل في نواياهم ومآربهم فلستُ خصيمهم والله حسيبهم .

ما يصلح في بلادنا قد لا يصلح عند غيرنا
يُلاحظ أن جُل تفطير الصائمين يكون في المساجد في تلك البلاد ، جريًا على العادة في بلادنا ، وهذا هو الأمر المنطقي إذا كانت الأحوال تسير بشكل سليم ، لكن الذي لاحظته في تلك البلاد أنه على الرغم من إيجابيات هذا العمل إلا أن فيه سلبيات لا تقل عن إيجابياته ، فمثلاً من عادة تلك البلاد أن لكل مسجد ما لا يقل عن أربعة أئمة ومثلهم من المؤذنين ومن المسؤولين عن المسجد ، ولهذا أسباب عجيبة بحثها في مكان آخر ، وهؤلاء يحظون بنصيب الأسد في الإفطار ، وخاصة اللحم ، وقد يُطبخ لهم طعام خاص ، وكثير منهم يدخرون من الفطور شيئًا لسحورهم أو لأيام أخر ، وهذا عندهم أمرٌ لازم لا ينفكون عنه ، ولا يمكن أن يسمح الأئمة بالإفطار إلا إذا قُدِّمت لهم هذه القُربات ، ومعرفة هذه الخفايا ليست بالأمر الهين كما قد يتصور البعض في عالم غامض ومعقّد ، وأغلب الدعاة الذي يعتمد عليهم في مثل تلك المشاريع ــ فضلاً عن غيرهم ــ يُسرها في نفسه ؛ لأنه لو أظهرها فقد يُصرف النظر عن مسجده الذي اقترحه لأسباب أخرى خاصة به .

أمر آخر فإن حضور البرنامج التوعوي في المسجد لا يكون بالمستوى المطلوب لأسباب كثيرة ، منها ضيق المساجد غالبًا ، وعدم الراحة في الجلوس لعدم توفر الفراش المناسب ، هذا مع الحرارة والزحام ... الخ

هذا بالإضافة إلى طبيعة الأنشطة بالمساجد من عدم المقدرة على تنويع البرامج ذات الشد والجذب ، والاقتصار على المحاضرات الإلقائية غالبًا والتي تواجه كذلك مشاكل جمّة ؛ لاختلاف اللغات وتنوعها وعدم كفاءة كثير من المُلقين وفقدانهم لأبسط مفاهيم التربية والتعليم ووسائل التوجيه .

وكذا يواجه التفطير في المساجد مشاكل فنية متعددة من مثل عدم وجود المكان المناسب للأكل ، فتجد الناس متفرقين آحادًا ، إما على حجر أو فوق رصيف ضيق أو في وسط الطريق وأحيانًا داخل المسجد مما يولد مشاكل كثيرة ذكرها يطول .

لذا كله ــ وغيره كثير ــ لعل من المناسب عدم الاقتصار على المساجد ، والبحث عن وسائل أخرى متجددة ، من مثل وضع مراكز للتفطير في الساحات العامة والمزدحمة داخل الأسواق أو عند ملتقيات الطرق وفي مواقف سيارات النقل والأجرة ونحوها ، وأن تكون هذه المراكز ثابتة ، ويمكن أن يتحقق فيها جميع ما سبق ذكره ، من تولي الجهة المنفذة للطبخ مباشرة ، وتطبيق برامج توعوية وثقافية متعددة ، وإيصال الفائدة والإفطار إلى جميع الفئات ، وهي ضمان أكيد لالتهام جميع ما يوضع للإفطار ، والأهم في نظري أن الذين سيرتادون هذه المواقع هم من الفئة الذين لن نجدهم في الأغلب ينتظرون الإفطار في المساجد ، ومن ثَمَّ سيكون للإفطار مع البرامج المصاحبة له أكبر الأثر في نفوسهم وعلى سلوكهم ، خاصة إذا توفرت البرامج المناسبة لهذه المواقع .

بلاد الحرمين مباركة:

على أني لا أرى الإصرار في افتراض أن يصحب الإفطار برامج توعوية ، إذ الإفطار غاية بحد ذاته ، هذا فضلاً عن تأثيره العميق في نفوس الناس هناك ، خاصة حينما يُعلم أنه أتى من بلاد الحرمين ، وقد سمعنا أن كثيرين أسلموا من النصارى ومن الوثنين تأثرًا بهذه المواقف ، كما قيل لنا مرارًا في مواقع متعددة أن الإفطار بهذه الطريقة فيه تقوية لنفوس المسلمين أمام النصارى الذي يجدون دعمًا في مناسبات كثيرة في بعض المواقع ، كمعسكرات الجيش وفي السجون والمستشفيات وفي بعض القرى التي يكثر فيها النصارى ومراكز اللاجئين من الحروب والمجاعات ، ونحوها .

بل علمنا أن مجموعات كبيرة في بعض الأماكن لا ترى اللحم إلا في المناسبات الكبيرة كعيد الأضحى وفي رمضان ، وإن إطعام مثل هؤلاء من أفضل القُرب إن شاء الله ، ولكن بشرط الوصول لهم مباشرة بدلاً من الوسائط الذين مرّ الكلام عليهم مرارًا .

وسطاء يتساهلون .. ومخادعون يسرقون
وهذا يستلزم بذل الجهد من الوسطاء السعوديين ، ولقد علمتُ وسمعتُ ما يكدر الخاطر ويُبين عن خلل رهيب في استشعار المسؤولية لأموال الناس الخيرين المتبرعين من بلادنا ، فقد وجد من يذهب ومعه مبلغ مائة ألف دولار للإفطار ، فيسلمها لبعض الأشخاص في الفندق ويعود أدراجه دون أن ينزل للميدان ساعة وواحدة ، ورأيت بأم عيني نماذج كثيرة تُسَلَّم فيها مبالغ في تلك البلدان لأشخاص على أن يُفطِّروا بها فيأكلونها في بطونهم ، وقد اعترف لي أحد المسؤولين عن جهة سعودية بأن كثيرًا من الأموال لا يُفَطَّرُ بها شخص واحد .

وطلب مني أحدهم أن أفطر في مسجده وأنا أعلم أنه على اتصال بجهة خيرية سعودية وسألته لماذا لا يطلب من تلك الجهة ، فرد بأنهم رفضوا ، فوعدته خيرًا ، ثم اتصلت بالشخص المسؤول في تلك الجهة فأخبرني بأنه أعطاه قيمة إفطار كل شهر رمضان لمسجده! وعلى الرغم من أنه أخذ مبلغًا ضخمًا إلا أن نفسه الدنيئة جعلته يطلب مني على الرغم من عدم تكرارنا للإفطار أكثر من مرة في المكان الواحد ولم يفكر بأن أمره سيفتضح ، كما أنه يعمل في جهة سعودية هناك ، مما يعني أن الجيمع أمنوا فلم يبالوا .

والأمثلة من مثل هذا كثيرة جدًا ، والعتب على من جعل من نفسه أضحوكة لهم ، وجسرًا لصرف تبرعات الناس بغير وجهها!!

وبعد أيها الأحبة:

فمع كل العقبات إلا أننا تمكنا بفضل الله وعونه وتوفيقه من تفطير أكثر من ثلاثين ألف صائم ، ولكن لا بد من القول بأنه ما لم تجرِ مراجعات صادقة في مثل هذه الأعمال التي ترفع شعار (الله) في الداخل أو في الخارج ستظل تدور في حلقة مفرغة ، الكلام عنها في مقال جديد آخر بإذن الله .

وليفهم الجميع أني لا أقول بقطع الإعانات والتبرعات ، ولكن يوجد خلل كبير لا بد من معالجته وتداركه وقد قدّمت مقترحات سابقة مع هذه وأخرى آتية إن شاء الله .

ولي تغليقات (بالغين المعجمة) على التعليقات وبارك الله في الجميع .



د. عبدالعزيز بن سليمان المقبل



م/ ن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع



MOHAMMED ALSAHER





أتمنى متابعتي ومشاركتي عبر تويتر والفيس بوك

@m5mmm
أخر مواضيعي

التعديل الأخير تم بواسطة محمد الساهر ; 04-08-2011 الساعة 11:36 PM.
قديم 06-08-2011, 10:43 AM   #2
ابو احمد العدواني
مراقب عام
 
الصورة الرمزية ابو احمد العدواني
 







 
ابو احمد العدواني is on a distinguished road
افتراضي رد: د- المقبل يروي لـ عاجل حكايا الإفطار عندأبناء حام الأفريقية ويكشف تقاعس الدعاة.

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
كفارة المجلس: سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .
أخر مواضيعي
ابو احمد العدواني غير متواجد حالياً  
قديم 06-08-2011, 10:01 PM   #3
رفيعة الشان
 
الصورة الرمزية رفيعة الشان
 







 
رفيعة الشان is on a distinguished road
افتراضي رد: د- المقبل يروي لـ عاجل حكايا الإفطار عندأبناء حام الأفريقية ويكشف تقاعس الدعاة.

مشكور والله يعطيك العافيه حفيد الفقيه , ولا هنت
شكري وتقديري ~

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً ❤
أخر مواضيعي
رفيعة الشان غير متواجد حالياً  
قديم 09-09-2011, 05:03 PM   #4
محمد الساهر
عضو مميز
 
الصورة الرمزية محمد الساهر
 







 
محمد الساهر is on a distinguished road
افتراضي رد: د- المقبل يروي لـ عاجل حكايا الإفطار عندأبناء حام الأفريقية ويكشف تقاعس الدعاة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله كل خير والف شكر الله يعطيكم الف عافيه على مروركم على متصفحي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع



MOHAMMED ALSAHER





أتمنى متابعتي ومشاركتي عبر تويتر والفيس بوك

@m5mmm
أخر مواضيعي
محمد الساهر غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع : د- المقبل يروي لـ عاجل حكايا الإفطار عندأبناء حام الأفريقية ويكشف تقاعس الدعاة.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بيت القرين..قصة من حكايا الغزو الأليمه @العيون الحور@ المنتدى العام 20 09-08-2010 08:59 AM
الدعاة الإعلاميون ودورهم في حفظ التوازن الأخلاقي في المجتمع صندلة هيلتون المنتدى العام 7 04-04-2010 01:36 AM
قرعة تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2012 SHAMI المنتدى الرياضي 3 21-02-2010 12:54 AM
أشهر هوامير سوا بالمملكة يعترف بالنصب والاحتيال ويكشف سر الفياجرا ابوماجد القحيم المنتدى العام 5 13-02-2009 10:19 AM
خريطة برامج مشاهير الدعاة في رمضان شمرخ المنتدى العام 3 07-09-2007 07:14 PM


الساعة الآن 09:27 PM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع ما يطرح في المنتديات من مواضيع وردود تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
Copyright © 2006-2016 Zahran.org - All rights reserved