بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت منذ عدة أيام مقولة "إذا منحت المرأة حرية الاختيار، فستحصل على أجمل النتائج" وتساءلت هل هذا الأمر واقع عملي أم أنه مثل بعض الحكم والمقولات التي لا يمكننا أخذها بشكل مطلق، ولابد من الإبحار في تأملها ومن ثم تفسيرها حتى نفهم أبعادها. حرية الاختيار هي مطمح لكل إنسان وليس المرأة فقط، فكل إنسان له رأي ومشاعر ورغبات يتمنى أن يحصل على حرية كاملة في الاختيار، فالطفل يقوم بمحاولات عديدة ومستمرة للحصول على حريته في الاختيار وذلك من خلال البكاء والعناد وبعض السلوكيات غير المقبولة لدى الكبار والطفل يهدف من وراء ذلك كله إلى تحقيق رغباته وأن يتمكن من حرية الاختيار سواء في اللعب، الدراسة، الأكل وإلى غير ذلك من ممارسات الحياة اليومية. هذا الطفل كلما كبر كبرت معه طموحاته بتحقيق "حرية الاختيار" على مساحات أكبر من حياته وذلك برغبته في اتخاذ قرارات مهمة في حياته واختيار طريقة معالجته للأمور وفي كثير من الأحيان يحاول هذا الطفل أن يخالف الآخرين حتى يثبت لهم أنه قادر على الاختيار بحرية.
نعود مرة أخرى للمقولة السابقة لنقول إن واقعنا العملي يثبت أنه ليس بالضرورة أن نحصل على أجمل النتائج من خلال حرية الاختيار، فالواقع يشير بالبراهين إلى أن هناك نتائج في غاية البشاعة بسبب حرية الاختيار، والأمثلة على ذلك كثيرة فحرية الاختيار هي التي تجعل الفرد يضرب بكل القيم الأخلاقية عرض الحائط، وهي التي قد تقود الفرد إلى التورط في جرائم القتل والسرقة، حرية الاختيار تجعل المرء يقرر الانتحار في لحظة ما، وهي ذاتها تجعل شابا مراهقا يهرب من المدرسة ويتركها للأبد. إذا ما المشكلة في مسألة حرية الاختيار، هل هي مقبولة أم مرفوضة في مجتمعنا؟
المشكلة تكمن في أن حرية الاختيار لايمكنها أن تتحقق من فراغ بمعنى أن الإنسان لابد في البداية أن يتعلم كيفية الاختيار، فالاختيار مهارة بحاجة إلى تعلم وهذا ما نفتقده في مجتمعاتنا العربية التي في أغلب الأوقات تدرب أبناءها على الاعتمادية والاتكالية على الآخرين، فالآباء هم من يتخذون القرارات للأبناء وهذا نراه بوضوح فيما ينتج عنها من مشادات وخلافات بحيث إن كل طرف يرغب في فرض آرائه واختياراته، إن الآباء والأمهات والمدرسين غالبا لا يثقون باختيارات الأطفال والشباب وبالتالي، فما يحدث هو أن يحرم هؤلاء الأطفال والشباب من حرية الاختيار، وكذلك فقد يحدث ألا يثق الرجل باختيارات المرأة وبالتالي يمارس عليها نوعا من الوصاية التي هي ليست بحاجة إليه في بعض الأمور، المشكلة تكمن في أننا ننتظر من الأبناء اختيارات سليمة منطقية، بينما نحن لا نقوم بتعليمهم كيفية القيام بحسن الاختيار، هناك حاجة ملحة إلى تعليم وتدريب أبنائنا على حرية الاختيار البعيد عن الفوضوية، بل حرية الاختيار الذي يقوم على أساس المسؤولية بمعنى أن يتعلم الفرد كيف يختار ثم يتحمل نتائج اختياراته لو استطعنا أن نعلم أبناءنا هذا الأمر لاستطعنا أن نثق بخياراتهم أو على الأقل لأرحنا أنفسنا عناء المشادات التي تحدث من أجل فرض ما نراه مناسبا لهم دون اللجوء لسماع آرائهم أو إعطائهم حرية الاختيار، إن ما يحدث من تغييرات في المجتمع يجعل التدريب على حرية الاختيار أمرا ضروريا، فلم نعد قادرين على ملاحقة الأبناء ومعرفة كل خطواتهم، فالبيت اتسع وأصبح لكل ابن وابنة غرفة خاصة وتليفون خاص وكمبيوتر خاص، أصبح لكل ابن وابنة مواعيد للدرس الخصوصي أو الرحلة المدرسية أو النادي الرياضي، أصبح الأبناء يغيبون عن عيون والديهم ومدرسيهم لفترات عديدة، وبالتالي لم نعد نستطيع مرافقتهم في كل وقت ولذلك فلا بد أن يرافقهم حسن التدريب على حرية الاختيار المسؤول الذي يقوم على التفكير في النتائج والتحسب لها وتحملها.
منقول